اشعر بالضيق

منذ 2020-08-09
السؤال:

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا فتاة عمي في حالة صحية سيئة ومقبل علي عملية خطيرة في المخ وهو في حالة مرضية صعبة منذ حوالي ٣ شهور نظرا لذلك اهلي جميعا كانوا دائما معهم والي الان لا يحدث شيء سوي التحدث عن حالته والمفترض أن يقوم بعملية غدا فكلما اسمع شيء احزن بشدة فحالتي النفسية سيئة واهلي أيضا وأنا مقبلة علي ثانوية عامة وواثقة في الله بس أصبحت لا اخشع واحاول انا اقترب الي الله مثلما كنت افعل ولكني حتي لا استطيع انا اتكلم مع أحد ولا أدعو و اشعر بعدم القدرة علي اداء السنن والتكلم مع الله وضميري يأنبني طوال الوقت اني لست مثل السابق في القيام والدعاء واخشي ان يكون الله غاضب مني واحاول ان أدعو ولكن لا اشعر بالصدق حتي صديقاتي تقريبا ابتعدوا من أول ما مرض عمي وانا متأكدة ان ليس فيهم خيرا ولم يهتموا بأمري بالرغم من علمهم واني كنت معهم ولكن تبقي واحدة ولكني أصبحت لا اريد التعامل مع أحد فماذا أفعل هل من دعاء اقولة وانا والله راضية بكل ما حدث واشكر الله ولكن لا أعلم لماذا تائهة ولست كما كنت حتي في التعامل مع اي احد ارجو الرد وجزاكم الله خيرا

الإجابة:

 

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيَ عمك، أذهب الباس، رب الناس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا.

وبعد: فإن مِن أعظم ما يذهب همك وغمك ويفرج عنك ما ألمَّ بك هو أداء الصلاة بقلب حاضر وإقبال على الله، قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 153- 157].

واصبري على أقدار الله المؤلمة؛ فإن الله ذكَر الصبر في القرآن كثيرًا فلا تكاد سورة تخلو منه؛ ذلك لأنَّ الله تعالى يعلم ضخامة الابتلاء والتكليف والجهد الذي يَتَطَلَّبُه الثبات على الحق والاستقامة على صراطه المستقيم، وقوة منازعة النفس والهوى والصراعات والعقبات، وكل هذا يتطلَّب صبرًا جميلاً، مع صِدق اللجوء إلى الله، وتفويض الأمر، والافتقار إليه، مع طلب العون.

والصبر هو حبس النفس ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن، لمن كان الصبر له خلقًا وملكه، ومن كان الصبر غير سجية له يتكلفه ويتمرن ويتجرع لمرارته ويؤثره، فإذا حمل على نفسه التصبر أمده الله بكمال الصبر وأعانه عليه؛ كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن يتصبر يصبره الله".

ولا يخفى عليك أن قدَر الله كله خير، فهو سبحانه لم يخلُقْ شرًّا خالصًا، ولا شرًّا راجحًا، وإنما خلق خيرًا محضًا، وخيرًا راجحًا وشرًّا مرجوحًا؛ مِن أجل هذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبر فكان خيرًا له"؛ رواه مسلم عن صُهيب.

والحياةُ لا تعدو أيامًا قليلة معدودة في هذه الأرض، ومتاعًا محدودًا، يكسب المؤمن الصابر به خلودًا لا يعلم له نهاية إلا ما شاء الله، ومتاعًا غير مقطوع ولا ممنوع، فكيف لا يكون خيرًا؟!

فمن أعظمُ ما يُطمئن قلب المؤمن في الابتلاء، أنه جرى بقدر الله وما وراء هذا القدر مِن الحكمة، وما فيه من الأجر العظيم، وأن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، وأنَّ رحمته تسبق غضبه حتى في ابتلائه بالضراء، ليعلم مَن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وليهلك مَن هلك عن بينة، ويحيا مَن حيَّ عن بينة.

ففي ساعات الابتلاء ربما زاغت القلوبُ والأبصار، وذِكر الرحمة يثبت القلب، وتجعله يستيقن الرحمة وراء كل لمحة؛ والله سبحانه لا يطرد مِن رحمته أحدًا يرجوه، والله سبحانه البر الرحيم ما كان ليبتلي المؤمن إلا لخير يعلمه، مهما خفي على العباد إدراكه.

وأكثري من الدعاء المأثور: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلحْ لي شأني كله، لا إله إلا أنت، اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه ومالكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك مِن شرِّ نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترفَ على نفسي سوءًا، أو أجرُّه إلى مسلم، وأكثري من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

ومن الأدعية المأثورة لمن أصابه هم أو حزن:

اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي".

"لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم".

"الله، الله ربي، لا أشرك به شيئاً".

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

وأكثري من الدعاء بقَلب حاضر، مع اليقين بالإجابة، وحُسْن الظنِّ بالله تعالى، وَصدق اللجوء إلى مَن يُجيب المضطر إذا دعاه، وتحرِّي أوقات الإجابة؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة إنما أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه"، فالله حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء، فهما - حين يوفِّق الله - مُتوافقان مُتطابقان، واحذري التعجل أو قطع الرجاء من إجابة الدعاء مهما طالت المدة؛ فالإيمان ثقة وصبر واطمئنان، والله سبحانه يحبُّ الملحين في الدعاء،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام