اذنب ولا اشعر بالندم
السلام عليكم انا شاب فى بداية الالتزام عمرى 20 سنة كنت امارس العادة السرية واشعر بالندم ولكن بعدما علمت ان الندم توبة اصبحت اذنب ولا اندم وتحدثنى نفسي (بانت هتندم ليه انت مفكر نفسك دى اخر مرة هتذنب انت منافق ) وكنت ابتعدت عن الذنب بفضل الله لمدة 3 شهور ولكن رجعت تانى وللعلم انا بفضل الله اصوم اثنين وخميس ولى ورد من القران واصلى الصلاة فى وقتها ،واخر مرة اذنبت فيها كنت اعلم ان الله مطلع علي وتحدثنى نفسي وانا اعصي بانك تجعل الله اهون الناظرين اليك ولكن لم اسطتع تحمل الشهوة ،تعبت ارجوا ارد
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالندم هو ركن الأعظم في التوبة، فقد صح أن رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ"؛ رواه ابن ماجة.
وليس هو التوبة نفسها، ويتحقق الندم بلوم النفس عليه، ويتبعها من الحزن، أو شدة الحزن، والخوف، وقال الراغب: الندم التحسر على ما فات، وفسَّر أيضًا بالأسف، وهو الحزن أو المبالغة في الحزن.
فتحصيل الندم ليس بالأمر الصعب فكل حزن يشعر به بعد فعل المعصية يحصل منه الندم المقصود للتوبة، وكذلك أي تألم للقلب على الذنب، وكل من علم جنايته فخاف مقام ربه أو عاقبة ذنبه حصّل الندم.
والحاصل أن تحصيل الندم الذي يحمل على ترك المعصية، يتحقق لكل من ترك المعصية لكونها معصية لله تعالى، أو من تركها خوفًا من الله، أو كره وقوعه فيها.
قال في "فتح الباري" (13/ 471)
"... وقال غيره شروط التوبة ثلاثة الإقلاع والندم والعزم على أن لا يعود والتعبير بالرجوع عن الذنب لا يفيد معنى الندم بل هو إلى معنى الإقلاع أقرب وقال بعضهم يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه ومن ثم جاء الحديث الندم توبة وهو حديث حسن من حديث بن مسعود أخرجه بن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه بن حبان من حديث أنس وصححه".
وما أجمل ما قال ابن الحاج في كتابه "المدخل" (3/ 56):
"انظر يا أخي، ولا تدع ما فيه المخرج إلا خرجت منه، وما كان مما فرط منك مما لا حيلة فيه إلا الندم، والاستغفار فاندم عليه ندمًا صحيحًا بالقلق منك، والاضطراب في حضرة الله، والاجتهاد قبل فوات الأيام، وهجوم الموت عليك، وأكثر مع الندم الصحيح ذِكر ما ندمت عليه، ولا تفتر عما أمكنك من الاستغفار، ثم عليك بعد بالتخلص من العائق الذي يشتغل عن الله جل ذكره، حتى تكون مؤثرًا لله على ما سواه، وهذا هو الطريق إلى سبيل النجاة، والله المستعان".
ثم بين أن الندم يسير فقال (4/ 44):
"ثم يتوب التوبة بشروطها، وهي: الندم والإقلاع والعزم على أن لا يعود، ورد التبعات لمن كانت عليه شرط رابع، فالثلاثة الأول متيسرة على المرء؛ لأنها بينه وبين ربه؛ وما كان بين العبد وربه فالغالب الرجاء في العفو والصفح عنه، وأما رد التبعات فمتعذر في الغالب، وقل من يتخلص منها إلا بتوفيق وتأييد من المولى سبحانه وتعالى".
وكذلك بين أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (4/ 3) أن تحصيل الندم ليس بالأمر الصعب، فقال:
"اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتثم من ثلاثة أمور مرتبة: علم وحال وفعل، فالعلم الأول، والحال الثاني، والفعل الثالث، وَالْأَوَّلُ مُوجِبٌ لِلثَّانِي، وَالثَّانِي مُوجِبٌ، لِلثَّالِثِ إِيجَابًا اقتضاه اطراد سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، أَمَّا الْعِلْمُ فهو معرفة عظم ضرر الذنوب وكونها حجاباً بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ كُلِّ مَحْبُوبٍ، فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مَعْرِفَةً مُحَقَّقَةً بِيَقِينٍ غَالِبٍ عَلَى قَلْبِهِ، ثَارَ مِنْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَأَلُّمٌ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ فَوَاتِ الْمَحْبُوبِ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ مَهْمَا شَعَرَ بِفَوَاتِ مَحْبُوبِهِ تَأَلَّم،َ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِفِعْلِهِ تَأَسَّفَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُفَوِّتِ، فَيُسَمَّى تَأَلُّمُهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ الْمُفَوِّتِ لِمَحْبُوبِهِ نَدَمًا، فَإِذَا غَلَبَ هَذَا الْأَلَمُ على القلب واستولى وانبعث مِنْ هَذَا الْأَلَمِ فِي الْقَلْب،ِ حَالَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى إِرَادَةً وَقَصْدًا إِلَى فِعْلٍ لَهُ تَعَلُّقٌ بالحال والماضي وَبِالِاسْتِقْبَالِ، أَمَّا تَعَلُّقُهُ بِالْحَالِ فَبِالتَّرْكِ لِلذَّنْبِ الَّذِي كَانَ مُلَابِسًا، وَأَمَّا بِالِاسْتِقْبَالِ فَبِالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الذَّنْبِ الْمُفَوِّتِ لِلْمَحْبُوبِ إِلَى آخِرِ الْعُمُرِ، وَأَمَّا بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلاً للجبر".
هذا؛ وقد دلَّ الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أن من تاب لله توبة نصوحًا، واجتمعت فيه شروط التوبة الصادقة- فإن يقبل توبته، تمامًا كما يقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلامًا صحيحًا، قال الله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب، كمن لا ذنب له)؛ رواه ابن ماجه.
وتأمل قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 133 - 135]
إن المتقين في أعلى مراتب المؤمنين، ولكن سماحة هذا الدين ورحمته بالبشر تسلك في عداد المتقين: {الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}، والفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها، ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها، من رحمة الله، ولا تجعلهم في ذيل القافلة، قافلة المؤمنين، إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة، مرتبة المتقين، على شرط واحد، شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته.
أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم، وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أنه الخطيئة، وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء.
وبعبارة أخرى أن يكونوا في إطار العبودية لله، والاستسلام له في النهاية، فيظلوا في كنف الله وفي محيط عفوه ورحمته وفضله.
إن هذا الدين ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحياناً إلى درك الفاحشة، وتهيج به فورة اللحم والدم فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة، وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع.
يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه، ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه، حين يرتكب الفاحشة، المعصية الكبيرة، وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفئ، وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف، وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل، وأنه يعرف أنه عبد يخطئ وأن له رباً يغفر.
وإذن فما يزال هذا المخلوق الضعيف الخاطئ المذنب بخير، إنه سائر في الدرب لم ينقطع به الطريق، ممسك بالعروة لم ينقطع به الحبل، فليعثر ما شاء له ضعفه أن يعثر، فهو واصل في النهاية ما دامت الشعلة معه، والحبل في يده، ما دام يذكر الله ولا ينساه، ويستغفره ويقر بالعبودية له ولا يتبجح بمعصيته.
إنه لا يغلق في وجه هذا المخلوق الضعيف الضال باب التوبة، ولا يلقيه منبوذًا حائرًا في التيه! ولا يدعه مطرودًا خائفًا من المآب، إنه يطمعه في المغفرة، ويدله على الطريق، ويأخذ بيده المرتعشة، ويسند خطوته المتعثرة، وينير له الطريق، ليفيء إلى الحمى الآمن، ويثوب إلى الكنف الأمين.
شيء واحد يتطلبه: ألا يجف قلبه، وتظلم روحه، فينسى الله، وما دام يذكر الله، ما دام في روحه ذلك المشعل الهادي، ما دام في ضميره ذلك الهاتف الحادي، ما دام في قلبه ذلك الندى البليل- فسيطلع النور في روحه من جديد، وسيؤوب إلى الحمى الآمن من جديد، وستنبت البذرة الهامدة من جديد.
إن طفلك الذي يخطىء ويعرف أن السوط - لا سواه - في الدار، سيروح آبقًا شارداً لا يثوب إلى الدار أبداً، فأما إذا كان يعلم أن إلى جانب السوط يدًا حانية، تربت على ضعفه حين يعتذر من الذنب، وتقبل عذره حين يستغفر من الخطيئة- فإنه سيعود!
وهكذا يأخذ الإسلام هذا المخلوق البشري الضعيف في لحظات ضعفه، فإنه يعلم أن فيه بجانب الضعف قوة، وبجانب الثقلة رفرفة، وبجانب النزوة الحيوانية أشواقاً ربانية، فهو يعطف عليه في لحظة الضعف ليأخذ بيده إلى مراقي الصعود، ويربت عليه في لحظة العثرة؛ ليحلق به إلى الأفق من جديد.
ما دام يذكر الله ولا ينساه، ولا يصر على الخطيئة وهو يعلم أنها الخطيئة! والرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة)، والإسلام لا يدعو- بهذا- إلى الترخص، ولا يمجد العاثر الهابط، ولا يهتف له بجمال المستنقع! كما تهتف الواقعية! إنما هو يُقيل عثرة الضعف، ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء، كما يستجيش فيها الحياء! فالمغفرة من الله - ومن يغفر الذنوب إلا الله؟ - تخجل ولا تطمع، وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار" قاله في "ظلال القرآن" (.1/476-477).
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: