حكم رفعِ اليديْنِ حال الجلوس بعد التشهُّد الأوسط

منذ 2021-02-16
السؤال:

أحببتُ أن أسأل عن صفة اليديْنِ حالَ القيام من التشهُّد الأوَّل، هل يكون التَّكبير والشخص جالس أو يكون بعدما يقوم؟ لأنِّي رأيتُ بعض الأشخاص يُكَبِّرون وهم جالسون ثُمَّ يقومون بعد ذلك، ولكنِّي رأيت الأكثَرَ يُكبِّرون بعد القيام.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالظاهِرُ من السؤال أنَّ السائِلَ الكريم يسألُ عن مَشروعيَّة رفعِ اليديْنِ حال الجلوس بعد التشهُّد الأوسط وقبل القيام إلى الركعة الثالثة، فنقول وبالله التوفيق: الثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان لا يرفَعُهُما حتَّى يقومَ؛

- فعن أبي حُميد الساعديِّ في عشرة من أصحابِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - منهم أبو قتادة، قال أبو حميد: "أنا أعلمُكم بِصلاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" إلى أنْ قال: "ثُمَّ إذا قام من الركعتَيْنِ كبَّر ورَفَعَ يديْهِ حتَّى يُحاذي بِهما منكبيْهِ كما كبَّر عندَ افْتِتاح الصلاة"؛ رواهُ الخمسةُ إلا النَّسائي، وصحَّحه الترمذي.

- وعن نافعٍ أنَّ "ابْنَ عُمر كان إذا دخل في الصلاة كبَّر ورفع يديْهِ، وإذا ركع رفَعَ يديْهِ، وإذا قال: سمع الله لِمَنْ حَمِده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورَفَعَ ذلك ابْنُ عُمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم"؛ رواه البخاريُّ والنَّسائي وأبو داود.

- وعنه - رضي الله عنه - قال: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - إذا قامَ منَ الرَّكعتَيْنِ كبَّر ورَفَعَ يديْهِ"؛ رواه أبو داود.

- وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه "كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبَّر ورفع يديْهِ حذْوَ منكبَيْهِ، ويَصنَعُ مِثل ذلك إذا قضى قِراءتَه وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديْهِ في شيْءٍ من صلاتِه وهو قاعدٌ، وإذا قام من السجدتين رفع يديْهِ كذلك وكبَّر"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه،، وهذا الحديث نص في المسألة.

فتبيَّن من هذه الأدلَّة – والعلمُ عند الله - أنَّ رفْعَ اليَدَيْنِ حالَ الجلوس مُخالفٌ لِلسُّنَّة؛ إذْ لَم نقف - معَ كثرة البحث - على ما يدلُّ عليه سواءٌ في المرفوع أو الموقوف، إلاَّ أنَّ الشَّيخ الألبانِيَّ – رحمه الله - في "صفة الصلاة" ذَكَرَ أنَّ التكبير في هذا الموضع يكون حالَ القعود، واحتجَّ بِما رواه أبو يعلى: "كان - صلى الله عليه و سلم - إذا قامَ من القعدَةِ كبَّر ثُمَّ قام" ثُمَّ قال: وكان - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديْهِ مع هذا التَّكبير أحيانًا" اهـ.

والذي ذكره الشيخُ غيْرُ ظاهر؛ لأن كونه - صلى الله عليه وسلم - يُكبِّر وهو جالس لا يَلْزَمُ منه رفعُ اليدين حالَ الجلوس، ويؤيِّدُه حديثُ عليٍّ السَّابق، وقوله: "ولا يرفع يديه في شيء من صلاتِه وهو قاعدٌ"؛ فهو عام، ولا يخرج شيء عنه إلا بدليل مثبت.

قال الحجاوي في "زاد المستقنع": "وإن كان في ثلاثية أو رباعية نَهض مكبِّرًا بعد التشهُّد الأوَّل".

قال شارحه الشيخُ ابْنُ عثيمين "الشرح الممتع": "يدلُّ على أنَّ التَّكبير يكون في حال النُّهوض وهو كذلك، لأنَّ جَميع التَّكبيرات ما عدا تكبيرة الإحرام محلُّها ما بين الركنَيْنِ".

وقال - رحمه الله -: يكونُ الرفع إذا قام، لأنَّهُ لفظ الحديث (إذا قام من الركعتين رفع يديه)، فلا يرفع وهو جالس ثُمَّ ينهض، ومعلوم أنَّ كلمة إذا قام ليس معناها حينَ ينهض، إذ إنَّ بينهما فرقًا.

وسُئِلَتِ اللجنة الدائمة: ما هو صفة تكبيرةِ القِيام منَ التشهد الأوَّل ورفع اليدين، هل يرفع يديه وهو جالس ثُمَّ يكبِّر وينهض قائمًا، أم لا يرفع يديه إلا بعد القيام؟ وما هو الأرجح؟

فأجابتْ: يُشرعُ رفع اليدين في الصلاة عند القِيام من التَّشهُّد الأوَّل مع التكبير بعد البدء في الانتقال من الجلوس إلى القيام".

هذا؛ وقد اختلف الفقهاء في مشروعيّة رفع اليدين من القيام من التشهّد الأوّل للرّكعة الثّالثة؛ فذهب الشّافعيّة إلى أنَّه يُندب، وهي رواية عن الإمام أحمد، والرّوايةُ الثَّانية عن أحمد هي عدم الرّفع، وقال في "الإنصاف": وهو المذهبُ، قال: وعليه جماهير الأصحاب،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام