هل وقع الطلاق ام لا
ذهبت مع زوجي للمستشفى وكنت جالسة انتظر للدخول علي الدكتورة وجاء رجل مسن يسالني عن مكان عيادة الأسنان وقلت لة مدري وشافة زوجي وقال لية تكلمينة من باب الغيرة علي وغظبت منة لاني ماسويت شي غلط وجلسنا نجادل الي ان وصلنا للبيت وقال ثاني مرة لحد سالكي ماتكلمينة وفي ناس غيرك وقلتلة والله ان جاني رجال مسن لجاوبة ولاعلي منك وغظب مني وقال اسمعي انتي طالق طالق طالق اذا كلمتي اي رجل اجنبي خارج البيت بنفس الحالة ذي وبعدها وظح لي قال انا ماطلقتك بس نيتي اردعك عن الفعل ذة وليس نيتي الانفصال عنك
فإن كان الحال كما ذكرت أن زوجك قال: أنت طالق طالق طالق اذا كلمتي اي رجل اجنبي خارج البيت، وكان يقصد منعك من كلام الرجال: فهو يمين منعقدة وليس طلاقًا، وإنما يلزم الطلاق من قصد ذلك.
وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، وبينا أنَّ الطلاق المعلَّق والحلِف بالطلاق لا يقعان طلاقًا، إن قصد الزَّوج اليمين والإلزام، ويقعان طلاقًا، إن قصد الطَّلاق، فيكونان من باب الطَّلاق بالكناية، واستدلاَّ بأدلَّة كثيرة، نقلية وعقلية؛ منها:
الأول: أنَّ الطلاق المعلَّق يمينٌ باتِّفاق الفقهاء وأهل اللغة، فيكون حكمُها في وجوب الكفَّارة بالحنث حكمَ باقي الأيمان التي قال الله تعالى فيها: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2]، وقال – سبحانه -: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89]، وقال - عزَّ مِن قائل -: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 1 - 2]، فقد سمَّى الله تحريم النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمارية القبطيَّة على نفسه يمينًا، فدلَّ على أنَّ اليمين أعمُّ من القسم، ويدخل المعلَّق المراد به القسَم أيضًا في عموم قولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حلف على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًا منها، فلْيأتِ الذي هو خير، وليكفِّر عنْ يمينه))؛ رواه مسلم.
الثاني: أنَّه ورد عن طائفة من الصَّحابة والتابعين والأئمة: أنَّ مَن حلف بالعَتاق لا يلزمه الوفاء، وأنه مخيَّر بين الوفاء أو يكفِّر كفَّارة يمين، ومنهم: عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب بنت أبي سلمة، والحسَن البصري، وحبيب بن الشهيد، وأبو ثور، وعطاء، وأبو الشعثاء، وعكرمة، وهو مذهب الشافعي وأحمد، ورواية عن أبي حنيفة اختارها محمد بن الحسن، وطائفة من أصحاب مالك؛ كابن وهب، وابن أبي الغمر، وأفتى ابنُ القاسم ابنَه بذلك، ونسبه إلى الليث.
ولا فرْق بين الطلاق المعلَّق المراد به الإلزام أو المنع، والحلِف بالعتاق.
الثالث: اتِّفاق الفقهاء على أنَّ مَن حلف بالكُفْر لا يلزمه الكفر، قالوا: لأنه لا يقصد معنى اللفظ، وإنما يريد المنع أو الحض، أو ما شابه، مع بُغْضِه للمعنى، فكذلك الحال فيمن يعلِّق طلاق امرأته، وهو يكره فراقَها، ولا سبيلَ إلى فرق.
الرابع: أنَّ الجمهور فرَّقوا بين نذر التبرُّر - كقوله: إن شفا لي الله مريضي، فعليَّ عتق رقبة - ونذر اللَّجاج والغضب - كقوله: إن فعلت كذا، فعلي عتق رقبة - فألزموا الوفاء في نذر التبرُّر، دون نذر الغضب واللجاج، فيلزمهم مثله في الحلف بالطلاق وتعليقه، ولا سبيلَ إلى فرق.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (ج33 / ص44):
"...
والثَّالث: "صيغة تعليق"؛ كقوله: "إن دخلتُ الدَّار فأنت طالق"، ويسمَّى هذا طلاقًا بصِفة، فهذا إمَّا أن يكون قصد صاحبُه الحلِف، وهو يَكره وقوع الطَّلاق إذا وُجدتِ الصّفة، وإما أن يكون قصدُه إيقاعَ الطَّلاق عند تحقُّق الصفة:
فالأول: حُكْمُه حكم الحلِف بالطَّلاق باتّفاق الفقهاء، ولو قال: "إن حلفت يمينًا، فعليَّ عتق رقبة"، وحلف بالطَّلاق - حنِث بلا نزاع نعْلَمه بين العلماء المشْهورين، وكذلك سائر ما يتعلَّق بالشَّرط لقصْد اليمين؛ كقوله: "إن فعلت كذا فعليَّ عتق رقبة، أو فعبيدي أحْرار، أو فعليَّ الحجُّ، أو عليَّ صوْمُ شهْر، أو فمالِي صدقة، أو هدْي"، ونحو ذلك؛ فإنَّ هذا بِمنزلة أن يقول: "العِتق يلزمني لا أفعل كذا، وعليَّ الحج لا أفعل كذا"، ونحو ذلك.
لكن المؤخَّر في صيغة الشَّرط مقدَّم في صيغة القسَم، والمنفيّ في هذه الصيغة مُثْبَتٌ في هذه الصيغة.
والثاني: وهو أن يكون قَصَدَ إيقاع الطَّلاق عند الصفة، فهذا يقع به الطَّلاق إذا وُجِدَت الصفة، كما يقع المنجَّز عند عامَّة السَّلف والخلف، وكذلك إذا وقَّت الطَّلاق بوقت؛ كقولِه: "أنت طالق عند رأس الشَّهر"، وقد ذكر غير واحدٍ الإجماع على وقوع هذا الطَّلاق المعلَّق، ولم يُعلم فيه خلافٌ قديم"
وقال
وقال "مجموع الفتاوى" (ج33 / ص60):
"فالأصل في هذا أن يُنظَر إلى مراد المتكلِّم ومقصوده، فإن كان غرضُه أن تقع هذه الأمورُ، وقعتْ منجَّزةً أو معلَّقة، إذا قصد وقوعها عند وقوع الشَّرط، وإن كان مقصوده أن يحلف بها، وهو يكْرَه وقوعَها إذا حنث، وإن وقع الشَّرط - فهذا حالف بها، لا مُوقع لها، فيكون قوله من باب "اليمين"، لا من باب "التطليق والنذر"، فالحالِف هو الَّذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقولِه: "إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، ونسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وعليَّ المشْي إلى بيت الله"؛ فهذا ونَحوه يمينٌ، بخلاف مَن يقصد وقوع الجزاء من ناذرٍ ومطلِّق ومعلِّق، فإنَّ ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم، لكنَّ هذا الحالف يكره وقوعَ اللازم وإن وُجد الشَّرط الملزوم، كما إذا قال: "إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني"، فإنَّ هذا يكره الكُفْر ولو وقع الشَّرط؛ فهذا حالف.
والمُوقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشَّرط الملزوم، سواء كان الشَّرط مرادًا له، أو مكروهًا، أو غير مرادٍ له، فهذا مُوقع ليس بحالف، وكلاهما ملتزم معلِّق، لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم". اهـ.
وعليه، فلا يقع الطلاق بالحنث وهو فعل ما حلف عليه الزوج، وتجب حينئذ كفارة يمين،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: