أمر الزوج لزوجته بلبس النقاب أمام محرمها
السلام عليكم أحسن الله إليكم ما الحكم لو أمر الزوج زوجته لبس النقاب أمام عمها أو خالها؟ هل واجب على هذه الزوجة التزام هذا الامر من زوجها مع أن عمها أو خالها من محارمها؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد أباح الله سبحانه وتعالى للمرأة إبداء زينتها الظاهرة للزوج وذوي المحارم، وضابط المحرم عند العلماء كل من يحرم عليه نكاحها على التأبيد لا لسبب مُحرم، فالتحريم إما بنسب أو رضاع؛ وقد جمع الله تعالى المحارم في قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:23].
وكذلك أباح الشارع للمرأة السفر والخلوة بالمحارم؛ كما في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، الحديثّ.
جاء في "مجموع الفتاوى" (32/ 62): " أما المحرمات بالنسب فالضابط فيه، أن جميع أقارب الرجل من النسب حرام عليه؛ إلا بنات أعمامه؛ وأخواله وعماته وخالاته، وهذه الأصناف الأربعة هن اللاتي أحلهن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] "
وكذلك رخص الله في إبداء الزينة لذوي المحارم؛ قال الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] فالآيةَ.
جاء في "تفسير القرطبي")12/ 232(: "لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم، ثنى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج... والجمهور على أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم". أهـ.
إذا تقرر هذا، فأمر الزوج لزوجته بتغطية وجهها أما العم أو الخال، من الغلو في الدين، أو شك ووسوسة مقيتة، ولكن إن وجد دليل أو ظن غالب على فساد المحارم، أو نظرهم للمرأة بشهوة أو استحسان، أو غيرها مما يدل على فساد المحرم ويُخشى منه الفتنة: فحينئذ تحرم الخلوة بين المحارم أنفسهم، ويجب الاحتجاب منهم؛ ففي "الصحيحين" أنه اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة بن الأسود في ابن وليدة زمعة، وكان عتبة بن أبي وقاص قد فجر بها في الجاهلية وولدت منه ولدًا، وهلك عتبة كافراً لم يسلم، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم ابن زمعة؛ لأنه ولد على فراشه، وجعله أخا لولده بقوله: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وقال: "فهو لك يا عبد بن زمعة"، وقد صارت أم المؤمنين سودة بنت زمعة أخته يرثها وترثه؛ لأنه ابن أبيها زمعة ولد على فراشه، ولكن مع هذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحتجب منه؛ فقال: "واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة"، فلم ير سودة قط؛ لما رأى من شبهه البين بعتبة بن أبي وقاص، فجعله أخاها في الميراث دون الحرمة.
قال النووي في "شرحه على مسلم" (10/ 39): "فأمرها به ندبًا واحتياًطا؛ لأنه في ظاهر الشرع أخوها، لأنه ألحق بأبيها، لكن لما رأى الشبه البين بعتبة بن أبي وقاص خشي أن يكون من مائه فيكون أجنبيًا منها، فأمرها بالاحتجاب منه احتياطًا". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: