هل التعرف على فتاة بقصد الخطوبة حلال؟
أنا شاب في 23 من العمر و أتحدث مع فتاة قصد الخطوبة علي وسائل التواصل الاجتماعي ولا يدور بيننا إلا الحديث الديني و تفسر لي القران و أنا أفسر لها و حديث يخلوا من أي إستفزاز أو مس للحياء يعني حديث بسيط و ديني سؤالي هو هل يجوز ذالك ؟ مع العلم أنني في الوقت الحالي لست مستعد للخطوبة بسبب الوضع المادي... أرجوا إجابة واضحة و السلام
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالشارع الحكيم منع من أي علاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية إلا في ظل زواج شرعي، ومن ثمّ أخذ الطريق على الناس فحرم كل الأسباب والوسائل التي تفضي إلى الفساد؛ سدًّا للذريعة، فحرَّم الاختلاط بالنساء والنظر إليهن، والخلوة بالأجنبية، وكذلك منع من الوسائل التي تؤدي للحرام كالتواصل في وسائل التواصل الإجتماعي ونحوها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "كما أن الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز، وإن كانت الشهوة منتفية، لكن لأنه يخاف ثورانها، ولهذا حرِّمت الخلوة بالأجنبية؛ لأنها مظنة الفتنة، والأصل أن كل ما كان سبباً للفتنة فإنه لا يجوز، فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدُّها". اهـ.
فإن النفوس تريد للاختلاط، والشيطان يدعو إليه النفوس حتى يوقعها في شر لا تهواه ولا تريده، والقرآن العظيم ينهى عن الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغى، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان؛ كما قال في سورة النور: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [النور: 21].
كما أنه أخبر سبحانه أن الشيطان يأمر بالقول على الله بلا علم، عن طريق اتباع خطواته؛ فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168، 169]، واتباع خطواته وهو اتباع أمره بالاقتداء به فيما يأمر به من السوء من التصور والفعل.
وما ورد في السؤال صورة من صور استدراج الشيطان وإن قلَّ الفعل في عين فاعله، فيُستدرج الإنسان خطوة بعد خطوة، حتى ينتقل مما هو أدق من الشعر إلى ما هو أضخم من الجبل وهو لا يدري، وهي خطوات يقود بعضها إلى بعض، وتُسلم الواحدة منها إلى الأخرى.
والحديث مع النساء مما يهيج النفوس إلى شهوات الغى ويثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى الوصل، الشيطان يسعى هو وجنده في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميّالة إلى السوء، أمّارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، فلو خُلِّى وهذه الدواعي ما زكا أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات، والنماء بفعل الحسنات.
والله - تعالى - قد فطر الإنسان وخلقه من ذكر وأنثى، وركَّز في كلٍّ منهما غريزة الميل إلى الجنس الآخر، ووضع في قوى النفس القوة الشهوية، قال – تعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189].
ومن أجل هذا حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاقتراب من مواضع الفتن التي هي خطوات الشيطان؛ ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ستكون فتنٌ؛ القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه؛ فمن وجد ملجأً أو معاذاً فليَعُذْ به)).
وفيهما: عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضرُّ على الرجال من النساء)).
وروى مسلمٌ، عن أبى سعيد الخُدْري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
قال العلامة السعدي - عند قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} -: "النهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، خصوصاً في أمر الزنا؛ فإن الداعي إليه قويٌّ عند كثير من النفوس". اهـ.
إذا تقرر هذا، فيجب عليك قطع تلك العلاقة، ولتحذرْ مِن خِداع النفس وتزين الشيطان، والادعاء بأنكما تتعاونان على البر والتقوى! وهذا جمع بين النقيضين، فإن كنت صادقًا فابتعد عن عنها؛ حفاظا على دينك ودينها، وصوناً لقلبيكما، وجاهِدْ نفسك، واقهرْ هواك وشهوتك لله وفي الله، فمُجاهَدةُ النفس مِن أعظم فرائض الشرع المأمور بها، وكذلك قَهر الهوى والشهوة وجهادها أصلُ كل جهاد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وإنه مَن يَستعففْ يعفُّه الله، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْه الله، ومَن يَستَغنِ يُغنه الله، ولن تُعطوا عطاءً خيرًا وأوسع مِن الصبر))؛ رواه البخاري ومسلم،، والله أعلم
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: