تعرضت للابتلاء فهل أرى بشرى
السلام عليكم انا شاب في عمري 20 سنة ازددت بوحمة حمراء في وجهي و لله الحمد تعرضت بسببها لكثير من الاهانة في المدرسة و الشارع هل سانال اجرا على تلك الاهانات؟؟ بعد بلوغي سن 17 سنة تقبلت امر الواقع و تاقلمت مع المجتمع رغم نظرة الغرباء لي و انا الآن اريد ان أعرف هل سأنال أجر البلاء و هل سيحدث لي شيء جميل في هده الحياة صراحة ابتليت ابتلائات اخرى صعبة و انا انسان صبور و كل ما اريده هو اجر البلاء و اريد ان اعرف هل بالامكان حدوث بشرى التي ستبدل حياتي نحو الافضل؟؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن الابتلاء من سنن الله الكونية التي لا تتبدل؛ فكل إنسان لابد أن يُبتلى؛ كما قال - تعالى -: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]، وقال - سبحانه -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، فنظرةُ عباد الله المؤمنين إلى الابتلاء على أنه ضرورة لا بدَّ أن تقع، فلا بد لله - جل وعلا - أن يَبْتَلِيَ عبادَه ليُمَحِّص عباده المؤمنين؛ قال - تعالى - مبيِّنًا هذه الحقيقة الجامعة: {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، فذكر - جل وعلا - أنه لا بد أن يُمَيِّز الخبيث من الطيب، وأن يبتلي العباد؛ لتَظْهَر معاناتُهم ظُهُور العيان، وإن كان اللهُ - جل وعلا - يعلمُ الشيء قبلَ أن يكون، وبعدَ أن يكون، فهو العليمُ الحكيمُ الذي وَسِعَ عَلْمُهُ كلَّ شيءٍ.
وحكمة الله تعالى في ابتلاء عباده المؤمنين يدركها كل من طلبها، فأفعال الله تعالى كلها - ومنها الابتلاء بالشر - لا تَخرُج عن العدل والحكمة، والمصلحة والرحمة، فالله تعالى لا يَجُور في حُكمِه وفِعله ومنعه وعطائه، وعافيته وبلائه، وتوفيقه وخذلانه، ولا يخرج شيءٌ عن موجَب ما تَقْتَضيه أسماؤُه وصفاته مِن العدل والحكمة، والرحمة والإحسان والفضل، ووضع والعطاء والمنع في مَوضِعه، ولا يَخُرج تصرُّفه في عبادِه عن العدل والفضل، إن أعطى وأكرَم وهدَى ووفَّق، فبفضله ورحمته، وإنْ منَع وأهانَ وأضلَّ وخذَلَ وأشقى، فبعدلِه وحكمته.
وهو سبحانه وتعالى لم يخلق شرًا خالصًا ولا شرًا، غلبًا، وإنما الخير دائمًا أكثر في كل ما قدره، فهو أحكم الحاكمين، والعليم بما يصلح عباده، وأرحم الراحمين، كتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب عضبه، وهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها، وأرحم بالعبد من نفسه، وأعلم بما يصلحهم فلم يمتحنه ليهلكه، ولا ليعذبه، ولا ليجتاحه، وإنما ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا ببابه لائذًا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعًا قصص الشكوى إليه، كما قال الشيخ عبد القادر: "يا بني إن المصيبة ما جاءت لتهلكك، وإنما جاءت؛ لتمتحن صبرك وإيمانك يا بني القدر سَبُع والسبع لا يأكل الميتة"، كما في الآداب الشرعية لابن مفلح.
مِن أجل هذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم عن صُهيب.
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيرًا، يُصِبْ منه))؛ أي: يبتليه بالمصائب؛ ليُطهِّرَهُ من الذنوب في الدنيا، فيلقى الله - تعالى – نقيًّا.
هذا؛ وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بعظيم الأجر على الصبر والتسليم؛ فقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]، وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186].
قال شيخ الإسلام ابن القيم في "الفوائد" (ص: 93): "... والله سبحانه تَوَلَّى تدبيرَ أمورِهم بموجب علمِه وحكمته ورحمته أَحَبُّوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنونَ بأسمائه وصفاته، فلم يتَّهموه في شيءٍ مِن أحكامه، وخفي ذلك على الجهلة به وبأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيرَه، وقدحوا في حكمتِه، ولم يَنقادوا لحكمه، وعارضوا حكمَه بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة، وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا، ولا لِمصالحهم حصلوا.
ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه فيها إلا نعيم الآخرة فإنه لا يزال راضيا عن ربه والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين فإنه طيب النفس بما يجري عليه من المقادير التي هي عين اختيار الله له وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية وهذا هو الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة لا يخرج عن ذلك البتة كما قال في الدعاء المشهور: ((ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك))، وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب وهو عدل في هذا القضاء وهذا القضاء خير للمؤمن". اهـ.
ومن أعظم ما يعينك على الرضاء بقضاء الله تعالى ليس رؤية المبشرات وإنما قراءة كتابَ الله تعالى بتدبُّر، وستُدرك أن أولَ ما وجَّه الله تعالى إليه الأمةَ المسلمة هو الاستعانةُ بالصبر والصلاةِ؛ استعدادًا للتكاليفِ، ومُكابَدة الأهوالِ من النقص في الأموال والأنفسِ والثمرات، وذلك في مقابل جزاءٍ ضخمٍ للقلبِ المؤمن؛ وهو رضا الله ورحمتُه وهدايته؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 153- 157]،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: