أختي الزانية

منذ 2022-03-14
السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله تعالى أرجو منكم التكرم بالرد على سؤالي : اكتشفت صدفة ان اختي والعياذ بالله تزني مع العديد من الرجال وبانها فقدت شرفها ( أي اصبحت غير عذراء) ومنذ معرفتي وانا أشعر بالذنب للتستر على فعلتها ولكن سبب تستري عليها ان والدي و والدتي كلاهما يعانون من المرض ومتأكدة لو اخبرهم قد يصابون بجلطة دماغية او قلبية قد تودي بحياتهم وانا لا أريد أن أكون سببا في موتهما في نفس الوقت خائفة من سكوتي ان يؤدي الى تفاقم الوضع ؟ من فضلكم ماذا يجب علي فعله و ما حكم التستر عليها وهل أؤثم لذلك ؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

 فإن كنت متيقنة من زنا أختك كما ذكرت، فينبغي مصارحتها بما سمعت، والسعي في صلاحها، وإعانتها على التوبة إلى الله عز وجل من تلك القاذورات، وعدمِ الِاسْتِسْلَامِ لتك النزوات الملعون صاحبها.

ذكيرَها بالله، وخوّفيها من الفضيحة في الدنيا والآخرة؛ فالعبد إذا تمادى رفع الله ستره عنه حتى يفضحه، فمكر الله متين، وأن الخزي والعار في الدنيا لا يقارن بخزي الآخرة.  

أخبرها أن حرمة الزنا من الأمور البديهية المتفق على حرمتها والتي لا يجهل قيحها كبير ولا صغير؛ فقد أَجْمع أهلُ المِلَل وجَميعُ العُقلاء على قبح الزنا وحرمته، فلم يحلَّ في ملَّة قطّ، وذلك لما يجلب على المجتمعات سخطَ الله وعقابَه، وإشاعة البغضاء بين النَّاس واختِلاط الأنساب، وضياع العفَّة وانتِشار كثيرٍ من الجرائِم والأمراضالقتَّالة، وقد حذَّر الله تعالى من الزّنابقوله سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَىإِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[الإسراء: 32]؛ ولذا كان حدّه أشدَّ الحدود، لأنَّه جنايةٌ على الأعراض والأنساب، وهو من أعظمِ الذّنوب وأفظعها ومن أكبر الكبائر، ومرتكبُه متوعَّد بعقابٍ أليم؛ وقد قرَن الله - جلَّ وعلا - الوعيدَ عليْه بالوعيد على الشّرْك وقتل النَّفس، فقال سبحانه في صِفات عِباد الرَّحْمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِإِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّابِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْلَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: 68، 69].

وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ))؛ متفق عليه.

وروى البُخاريّ في حديث المِعراج أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((رأى رجالاً ونساءً عُراةً على بناءٍ شبه التنّور، أسفله واسع، وأعلاه ضيّق، يوقَد عليهمبنارٍ من تَحتِه، فإذا أوقدت النَّار ارْتَفعوا وصاحوا، فإذا خَبَتْ عادوا، فلمَّا سأل عنهم؟أُخْبِر أنَّهم هم الزّناة والزَّواني)).

وهذا عذابُهم في البَرزخ حتَّى تقومَ السَّاعة - نسأل اللهالعافية، فهل يُمْكِن للعاقل أن يَستهينَ بذنبٍ هذه عقوبتُه في الدنياوالآخرة! 

ومعلوم أن الشيطان لا يفتأ يستدرج الإنسان من ذنب إلى ما هو أعظم منه حتى يهلكه، ولذلك يجب عليها قطع جميع العلائق والطرق المؤدية للفاحشة؛  كما قال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النور:21]، ونهى سبحانه عن قربان المحرمات ومنها فاحشة الزنا وهو أبلغ من النهي عن الفعل؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، لا سيما في هذا الأمر القوي على أكثر من النفوس فقال سبحانه {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151].

بيني لها أن من سعة رحمة الله بعباده أنه وعد التائبين بقبول توبتهم، مهما بلغت ذنوبهم، فقال -سبحانه وتعالى -:{قُلْ يَا عِبَادِيَالَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُالرَّحِيمُ{ [الزمر: 53]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ رواه مسلم من حديث أبي موسى.

وأخرجالترمذيوغيره عن أنس بن مالكقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:((قال الله تعالى:يا ابن آدم، إنك مادعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنانالسماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي)).

فالواجب على تلك المرأة المسارعةُ بالتوبة النصوح، والاستغفار، والندم على التفريط، والابتعاد عن أسبابه، وكلِّ ما يؤدي إليه، والعزمُ على عدم العود إليه، ولتكثر من الأعمال الصالحة، ومخالطة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة هود: 114،115].

أما إخبار الوالدين فإن غلب على ظنك أنهما يتضرران بهذا فلا تفعلي، ولكن ابحثي عن أحد عقلاء الأقارب ممن تثقين في نصحه وديانته من خال أو عم أو نحوهما ليعاونك؛ لأنه ربما يحتاج الأمر إلى منعها قسرًا إن لم يجدي معها النصح والارشاد والقول بالتي هي أحسن،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام