حكم دخول الماء في أذن الصائم

منذ 2022-04-08
السؤال:

عند الاغتسال نهار رمضان اغسل اذني بشطاف اميل رأسي واضع الشطاف عليها لاغسلها هل دخول الماء بهذه الطريقه يفطر؟ وايظاً تحت الدش عند غسل الرأس ينزل الماء على اذني واحس انه يدخل هل يفطر او لا؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن دخول الماء في الأذن ليس طعامًا ولا في معناهُ، وقد أجمعتْ الأُمَّة لى أنَّه يَجِبُ على الصائم الإمساكُ زمانَ الصَّوْمِ عن المَطْعُومِ والمشروب والجماع؛ لقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّوَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَلَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].

 وقدِ اختلف أهل العلم في حُكْمِ دخول الماء في منافذ الجسم كما لو صب ماء في الأذن، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها تُبْطِلُ الصَّوْمَ؛ واحتجوا بحديث لقيط بن صبرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وبالِغْ في الاستنشاق إلا أن تَكُونَ صائمًا))؛ رواهأبو داود والترمذي.

وذهب الحنفية - في الأصح عندهم - إلى أنها لا تبطل الصوم، وهذا ما رجَّحه أبو محمد بن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية؛ واستدلوا بأنه ليس طعامًا ولا شربًا، ولا في معنى الطعام والشراب.

وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية على الاستدلال بحديث لقيط بأنه أخصُّ من محل النزاع؛ لأن الأنف مدخل للجوف مثل الفم، وليست الأذن مدخلاً للمعدة؛ فقال في مجموع الفتاوى (25/ 244): "..... ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائمًا، وقياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم كما تقدم، وهو قياس ضعيف؛ وذلك لأنَّ من نشق الماء بمنخره ينزلإلى حلقه وإلى جوفه، فحصل بذلك ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك الماء ويزول العطش ويطبخ الطعام في معدته كما يحصل بشرب الماء فلو لم يرد النص بذلك لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب، فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم وذلك غير معتبر، بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر فليس هو مفطرًا ولا جزءًا من المفطر لعدم تأثيره، بل هو طريق إلى الفطر ".انتهى.

ثم بين رحمه الله أن المفطرات مما تعم به البلوى وعادة الشارع في مثل هذه الأمور أن يكون البيان عامًا.

فقال قدس الله روحه ونور ضريحه في "مجموع الفتاوى" (25/ 234-443)، في معرض كلامه عن حكم الفطر بالكحل والحقنة وما يقطر في الإحليل ومداواة المأمومة والجائفة -:  "والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك؛ فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلاً - علم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك؛ وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقل الأمة ذلك:- فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى، كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن.

وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم إما في الجهاد وإما في غيره مأمومة وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبين لهم ذلك، فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطرًا.

وليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطرًا هو ما كان واصلاً إلى دماغ أو بدن، أو ما كان داخلاً من منفذ أو واصلاً إلى الجوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله، ويقولون إن الله ورسوله إنما جعلا الطعام والشراب مفطرًا لهذا المعنى المشترك من الطعام والشراب، ومما يصل إلى الدماغ والجوف من دواء المأمومة والجائفة وما يصل إلى الجوف من الكحل ومن الحقنة والتقطير في الإحليل ونحو ذلك. وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكم بهذا الوصف دليل، كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعلا هذا مفطرًا لهذا قولاً بلا علم وكان قوله: إن الله حرم على الصائم أن يفعل هذا، قولاً بأن هذا حلال وهذا حرام بلا علم وذلك يتضمن القول على الله بما لا يعلم وهذا لا يجوز". اهـ. مختصرًا.

هذا؛ والله أعلم.


 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام