حكم تخيير الأب للابن بين بره أو بر أمه
يريد ابي اجباري على قطع والدتي المطلقة وخيرني بينه وبينها ثم عندما اردت برها حدثت بيننا قطيعة وامر اخوتي وزوجته بقطعي وعدم الحديث معي مطلقا، ابي الآن يريدني ان ارجع اليه معتذرتاً واختاره واطيعه في قطع امي، ماذا افعل جزاكم الله خيرا؟، وهل تؤثم زوجة ابي اذا تحدثت معي سرا مع ان زوجها امرها بقطعي ام لا تؤثم وكذلك اخوتي؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإنَّ بر الوالدين وطاعتهما في المعروف، وفي غيْر معصية الله، من أعظم أعمال البر، وحق الوالدين من آكَدِ الحقوق التي عظمها الله، وجعلها تالية لحقه - سبحانه وتعالى - حيث قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]، وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36].
والشارعُ الحكيمُ أعطى كلَّ ذي حق حقَّه، فلا يجوز مطلقا بر أحد الوالدين على حساب قطيعة الآخر، أو إرضاء الآخر، فإذا قمتَ ببر والدتك فسخط الوالد لإعطائك أمك حقها مِن البر والصلة والتقدير، فلا تعبأ بهذان وإنما تصله هو أيضًأ وتحسن إليه .
فعقوق الوالدين أو أحدهما من أكبر الكبائر، ومن أسباب دخول جهنم - والعياذ بالله - كما في الحديث المتفق على صحته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكبر الكبائر - ثلاثًا - قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئًا، فقال: ألا وقول الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)).
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاثة لا ينظر الله - عز وجل - إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المتَرَجِّلة، والدَّيُّوث))؛ رواه أحمد، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، وأشهر من أن تذكر.
أما طاعة زوجتك أبيك له في ترك كلامك وكذلك طاعة إخوتك في القطيعة، فليست بواجبة ولا مباحة؛ لأن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّما الطَّاعة في المعروف))؛ متَّفق عليه، وصلةُ الرحِم وعِظَم شأنها في الشريعة الإسلامية والوعد والوعيد الوارد فيها لا يَكاد يخفى على أحدٍ، ولذلك لا يسمع كلام الأب في قطيعة الرحم.
إذا تقرر هذا، فيجب عليك المداومة على صلة أمك، سواء رضِي أبوك أم لم يرضَ، وسواء قاطعك أم وصلك؛ ولكن إذا قدر أنَّه نفَّذ كلامه، وخيَّرَكَ بينه وبين أمك وقاطَعك إن لم تترُك والدتك،فاذهب في تلك الحال إليه وحاوِلْ أن تَصِلَهُ، فإذا أبى فالإثمُ عليه وحده، ويكون هو ممَّن قطع الرَّحم، وأفسد في الأرض؛ وقد قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23]،، والله أعلم..
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: