من وقع في حب فتاة ولكن لم تكتمل العلاقة
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته هذا صديقي يسألكم: " تعرفت على فتاة عبر الإنترنت و بمرور الوقت أحببنا بعضنا و يشهد الله أنني لم أطلب منها أي شيء يعارض الشريعة و كنت أنويها للحلال و بالفعل تقدمت لخطبتها من طرف خالها الذي أبلغ أهلها على أن نستكمل إجراءات الخطبة حين أعود من السفر..ثم تغيرت و أصبحت نكدية و تحاول التحكم بقراراتي و في شخصيتي و حين أعارضها تغضب مني و تصفني بالمتبلد و الكاذب و المخادع و تهددني بالرحيل حتى إكتفيت فكلمت خالها و ألغيت الخطبة.. فقالت إنني ظالم.. فهل ظلمتها؟؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:
فمما لاشك فيه أن الانترنت ليس هو المكان المناسب للبحث عن الزوجة وبناء الأسرة؛ فالحديثَ بين الجنسين دائمًا مَحفوفٌ بالمخاطر، وهو برزخ للوقوع في الفِتَن والحرام، والواقعُ خيْرُ شاهدٍ على ذلك، ولا يمكن لأحد ادِّعاء سلامة القلب؛ لأن الشَّيطانُ يَجري منِ ابْنِ آدم مَجرى الدَّم، وقد حذَّر الله تعالى من اتِّباع خطوات الشيطان فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
وحذر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من التَّطلُّع للفِتَن؛ فقال - صلَّى الله عليه وسلم -: ((ستكونُ فِتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن يُشْرِف لها تَستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذًا فليعذ به))؛ متفق عليه.
أما خطورته في اختيار الزوج أو الزوجة؛ فلأنه يكثر فيه الغش والكذب، والتدليس والخداع؛ فإما أن يكون الرجلُ صادقاً في الزواج، لكن المرأة تكذب، أو تكون المرأةُ صادقةً في طلب العفاف، لكن الرجل يكون محتالاً، وهكذا، أو كلاهما صادق ولكنّ الطباع والأخلاق مختلفة، ولا يظهر ذلك من أجل التجمل.
هذا؛ والطريق الأمثل لطلب الزوجة هو تنفيذ وصيَّة النَّبيِّ والتَّمسُّك بصاحبة الدِّين؛ فإنَّ من أعْظم مقاصِد النِّكاح: التعاوُنَ على الدِّين، وتَكْثيرَ أمَّة خاتم النَّبيِّين - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ففي الصحيحين عن أبي هُرَيرة، رضي الله عنه -: ((فاظْفَر بذات الدِّين ترِبَتْ يداك))، وقال: ((المَرْأة تُنْكَح على دينِها ومالِها وجَمالها، فعليْك بذات الدين ترِبت يداك))؛ رواه مسلم عن جابر.
والمعنى: "أنَّ اللاَّئق بذي الدين والمروءة أن يكون الدِّين مطمح نظرِه في كلِّ شيْءٍ، لاسيَّما فيما تطول صحبتُه، فأمره النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بتحْصيل صاحبةِ الدِّين، الذي هو غاية البغية"؛ قاله الحافِظ ابنُ حجر في "فتح الباري".
ثم تفويض الأمر كلّه لله، والتبرَّأ مِن الحَول والقوَّة إلى حَول الله وقوَّته؛ فالله سبحانه هو أعلم بعواقب الأمور ومآلاتها، والعليم بالنافعِ منها والضارِّ؛ وذلك بصلاةُ الاستخارة.
في صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عند قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلِّها، كما يُعلِّمنا السورة من القرآن يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمر، فليَركَع ركعتين مِن غير الفريضة، ثم ليَقُلْ: اللهم إني أَستخيرُك بعلمِك، وأَستقدرُك بقُدرتك، وأسألكَ مِن فَضْلك العظيم، فإنك تَقدِر ولا أَقدِر، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهم إن كنتَ تَعلمُ أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقْدُره لي ويسِّره لي، ثم بارِك لي فيه، وإن كنتَ تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصْرِفه عني، واصْرِفني عنه، واقْدُر لي الخير حيث كان، ثم أَرْضِني))، قال: ((ويُسمِّي حاجته)).
أما تركك لتلك الفتاة فهو النتيجة الحتمية لتلك العلاقة؛ لأن قصد الزواج لا يبيح الاسترسال في الحديث بينكما.
أما ظن الفتاة أنك ظلمتها فظن خاطئ؛ لأن كلاكما قد أقدم على تلك العلاقة بإرادته، وبغير إكراه من الطرف الآخر؛ فالأحرى بكل منكما ألّا يلومنّ إلا نفسه، أن تتوبا إلى الله تعالى،، والله أعلم
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: