هل يؤجر العبد على البدعة التي تاب منها.

منذ 2022-07-23
السؤال:

لدي سؤال بسيط وهو لو كان شخص يشد على نفسه في العبادة لدرجة انه فعل شيء كالبدعة كمثلا تحريم اكل اللحم على نفسه ثم بعد مدة تاب وندم وعرف انه مخطىء فهل يعوضه الله في الاخرة عما حرمه على نفسه في الدنيا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

البدَع المُحدَثة في الدِّين، التي لَم يفعلها أحدٌ من القُرُون الخيريَّة الثلاثة، ولا أرشدنا إليه الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من خلفائه الراشدين، ولو كان خيرًا لسَبَقُونا إليه؛ قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهْديين من بعْدي، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدثات الأُمُور؛ فإنَّ كلَّ مُحدثة بدْعة، وكل بدعة ضلالة))؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، من حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه.

فإن دين الإسلام الذي بعث الله به خاتم رسله أن العبادات لا بد في لها من أصلين: إخلاص الدين لله، والثاني موافقة أمره الذي بعث به رسله، فلا يقبل الله من العمل الصالح إلا بهذين الشرطين، وعند تخلف أحدهما يحبط العمل؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110]، وفي الصحيحين من حديث أنس واللفظ لمسلم، أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه. فقال: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 333-334):

"وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان، أحدهما: أن لا نعبد إلا الله. والثاني: أن لا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة.

وهذان الأصلان هما تحقيق " شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.

وذلك تحقيق قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110].

 وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول في دعائه له: "اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا.

 وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي لفظ في الصحيح: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي الصحيح وغيره أيضا يقول الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء؛ وهو كله للذي أشرك".

 ولهذا قال الفقهاء: العبادات مبناها على التوقيف؛ كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قبَّل الحجر الأسود وقال: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك".

 إذا تقرر هذا، فالتوبة من البدعة مقبولة، ولكن لا يؤجر أحد على عمل لا يوافق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ترفع عنه المؤاخذة،، والله أعلم.

 

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام