هل المرتد مخلد في النار للأبد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل المرتد مخلد في النار ام هو كالقاتل مخلد تخليد طويل لكنه يخرج من النار؟ حفظكم الله
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد أجمع أهل العلم على أن المرتد والكافر والمشرك وكل من مات على غير الإسلام أنه يُخَلَّدُ في النَّار، ولا يَدْخُل الجنَّة أبدًا، بخلاف من مات مصرًا على الكبيرة أو قاتل النفس فإنه في المشيئة؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء: 48]، وجَميع الكبائر ومنها قتل النفس دون الشِّرك، وهذه الآية في حق من مات على الشرك.
وأيضًا قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 68-70]؛ وهذا الآية مقيدة لإطلاق آيةِ سورةِ النِّساء فيُحْمَل المُطلَقُ على مُقَيَّد آيةِ الفُرقان، فيكونُ معناهُ: فجزاؤُه جهنَّمُ خالدًا فيها، إلاَّ مَن تاب.
والقول بتخليد قاتل النفس في النار وكذلك كل من مات مصرَّا على كبيرة، مبني على أصل فاسد هو أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، لم يبق منه شيء، كما قالت الخوارج والمعتزلة، وقالوا: إن الإيمان هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق، ومن ثمّ إذا ذهب شيء منه ذهب كله، فيخلد في النار.
أما مذهب قاله أهل السنة، فقالوا يذهب بعضه ويبقى بعضه؛ واحتجوا بأدلة كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 209): "هذا هو الأصل – وهو أن صاحب الكبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان - الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس لا مستحقًا للثواب فقط، ولا مستحقا للعقاب فقط، وأهل السنة يقولون: إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذبه، ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته؛ كما استفاضت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم"
أما ما صح عن عبدالله بْن عبَّاسٍ - رضِي اللَّه عنهما - يَرى أنَّه لا تَوبَةَ لقاتلِ المُؤْمِن عمْدًا ويحتج بآية النساء؛ كما روى البخاري عن سعيد بن جبير، قال: "آية اختلفَ فيها أَهْلُ الكوفة، فَرَحَلْتُ إلى ابْنِ عبَّاس فسألتُه عنها، فقال: نَزَلَتْ هذه الآيةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] هي آخِرُ ما نَزَل وما نَسَخَهَا شَيْءٌ".
فالمعنَى أن حقِّ المَقْتولِ تعلَّق بالقاتِل فيستَوْفِيه المقتول وإنْ تابَ، ولا يخالف هذا أن تَوبتَهُ تُقْبَل كسائِر أصحابِ الكبائِر، وأنه يدخل الجنة سواء عُذب أو لم يعذب.
قال شيْخُ الإسلام ابنُ تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/ 222): "وقدِ اتَّفق الصَّحابةُ والتَّابعونَ لَهُم بإحسانٍ، وسائِرُ أئمَّة المُسلمينَ على أنَّه لا يُخَلَّد في النَّار أحدٌ مِمَّن في قلبِه مثقالُ ذرَّة من إيمان، واتَّفقوا أيضًا على أنَّ نبيَّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - يشفَّع فيمَن يأذَنُ اللهُ له بالشَّفاعة فيه من أهل الكبائر من أُمَّته؛ ففي "الصَّحيحَيْنِ" عنْهُ أنه قال: ((لكُلِّ نَبِيٍّ دعوةٌ مُستجابةٌ وإنِّي اختبأْتُ دعْوتِي شفاعةً لأُمَّتِي يوْمَ القِيامة))، وهذه الأحاديثُ مذكورةٌ في مواضِعِها، وقَدْ نَقَلَ بعْضُ النَّاسِ عنِ الصَّحابة في ذلك خلافًا، كما رُوِيَ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ أنَّ القاتِلَ لا توبةَ له، وهذا غلطٌ على الصحابة؛ فإنَّه لم يقل أحدٌ منهم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - لا يشفَعُ لأهل الكبائر، ولا قال: إنَّهم يُخَلَّدون في النار، ولكنَّ ابنَ عبَّاس في إِحْدى الرِّوايَتَيْنِ عنْهُ قال: إنَّ القاتِلَ لا تَوْبَة لهُ، وعنْ أحْمد بْنِ حنبلٍ في قبولِ توبةِ القاتِلِ رِوايتَانِ أيْضًا، والنِّزاعُ في التَّوبة غَيْرُ النزاع في التَّخليد، وذلك أنَّ القَتْلَ يتعلَّق به حقُّ آدمِيٍّ فلِهَذا حَصَلَ فيه النِّزاع". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: