ماذا تفعل من استمر نزول دم النفاس خمسين يوما
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالذي دلت عليه السنة المشرفة أن المرأة النُّفَساءُ متَى رأتِ الطُّهرَ فإنها تغتَسَل، وتصلَّي، وتفعل كُلَّ ما تَفْعلُ الطاهراتُ؛ وهو قول جمهور الفُقهاء من الشافعيَّة، والمالكيَّة، والحنابلة، وقال به الأوزاعي، وإسحق، ومحمد بن الحسن، وغيرهم، ورجَّحه الشوكانِيُّ في كتابه "نيل الأوطار".
واستدلُّوا بحديث أنسٍ أنَّ رسول الله - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم – ((وقَّت لِلنُّفساءِ أربعينَ يومًا، إلاَّ أن تَرى الطُّهْرَ قَبْلَ ذلك))؛ رواه ابنُ ماجَهْ في "سننه"، وأبو يَعْلَى الموصليُّ في "مسنده"، وابْنُ عدي، والبيهقيُّ في "سننه".
قال الإمام الترمذي في سننه: "وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلَّم - والتابعين ومَنْ بعدَهُمْ على أنَّ النُّفَساءَ تَدَعُ الصلاةَ أربعينَ يومًا، إلا أن ترى الطُّهْرَ قبْلَ ذلك فإنَّها تَغْتَسِلُ وتُصَلّي". اهـ.
وأقصى مُدَّة للنفاس أربعون يومًا، فإذا رأتِ الدَّمَ بعد الأربعين؛ فقال أكثرُ أهْلِ العِلْمِ: لا تدع الصلاة بعد الأربعينَ؛ وبه قال سُفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحق.
وُروَى عنِ الحسن البصري أنه قال: إنَّها تَدَعُ الصلاةَ خمسينَ يومًا إذا لم تر الطُّهر، ورُوى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي: ستين يومًا.
واستدلُّوا بِما رواه الخمسةُ إلا النَّسائي عن أم سلمة قالت: "كانت النفساء تجلِسُ على عهد رسول الله - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم - أربعين يومًا وكنَّا نَطْلِي وُجُوهَنا بالوَرْسِ من الكَلَفِ"؛ قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
قال الإمام الشوكانِيّ: "والأدلَّة الدالَّة على أنَّ أكثرَ النّفاس أربعون يومًا متعاضِدَةٌ، بالغةٌ إلى حدّ الصلاحية والاعتبار، فالمصير إليها متعيّن، فالواجب على النفساء وقوف أربعين يومًا إلا أن ترى الطُّهرَ قبل ذلك، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة ... وما أحسنَ ما قال المصنّفُ – وهو أبو البركات ابن تيمية رحمه الله تعالى - ههُنا ولفظَه: قلت: ومعنى الحديث كانتْ تُؤْمَرُ أن تجلس إلى الأربعين لِئَلاَّ يكون الخَبَرُ كَذِبًا، إذ لا يُمكن أن تتَّفِقَ عادةُ نِساء عَصْرٍ في نفاس أو حيض". اهـ.
وقال في "عون المعبود": "والصحيح من هذه المذاهب وأقوى دليلاً هو أنَّ أكثر مدة النفاس أربعون يومًا ولا حدَّ لأقَلِّه، بل متى ينقطع دمُها تطهر وتصلي".
وعليه؛ فالواجب على تلك المرأة أن تغتسل وتصلي، وتَصومِ، ولِزوجها جِماعُها، وتفعل جميع ما تفعله الطاهرات، حتى وإن لم ينقطع الدم، ولا يجب عليها قضاء ما تركته من الصلوات بعد مرور الأربعين يومًا؛ لأنها معذورة بالجهل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر من ترك الصلاة أو غيرها من العبادات جهلاً إلا إن كان وقت الصلاة باقيًا،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: