أفكر في قتل نفسي لأكفر عما فعلت
كنت مسلمة ثم ملحدة ثم اعتنقت ديانة اخري وتطاولت ع الرموز الاسلامية والدين نفسه واعظم مايميزه ،اريد التوبه ودخول اللسلام ،هل تقبل توبتي؟ افكر ف قتل نفسي للتكفير عما فعلت فهل يصح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن من لُطف الله سُبحانه ورحمته بعباده، وبِرِّه ورَأفتِه بخَلْقِه: أنَّ كل من تاب من الكفر والردة فإن الله يغفِر له ما قدَّمه، ويَعْفو عنه ما أسلَف؛ قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [النساء: 17، 18].
فالتَّوبةَ النَّصوحَ تَمْحو ما قبْلَها مِن الشرك والكفر والردة؛ وذلك من سَعةِ فضْلِ اللهِ تعالى، ووافِرِ كَرَمِه على عِبادِه، ومن المعلوم من دين الإسلام بالاضطرار، وتواتر به السنة النبوية أن كلَّ من نطَق بالشهادتين إسلامه صحيح، سواء كان مرتدًّا أو كافرًا أصليًا أو مشركًا، أو كتابيًّا.
قال تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 86 - 89].
جاء في تفسير الطبري في سبب نزول الآية الكريمة (3/ 241): "كان رجلٌ من الأنصار أسلمَ؛ ثم ارتدَّ ولَحِقَ بالشركِ؛ ثم تَنَدَّمَ، فأرسل إلى قومِهِ: سَلُوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل له من توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنَّ فلاناً قد نَدِمَ، وإنّه أمَرَنا أن نسألك: هل له من توبةٍ؟ فنزلت: {كَيْفَ يهدِي اللهُ قوماً كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِم} إلى قوله: {غفورٌ رحيمٌ}، فأرسل إليهِ قومُه فأَسلَم". ورواه أيضًا النسائي (2/ 170).
وقال السعدي عند تفسير الآيات (ص 970): "يعني: أنه يبعد كل البعد، أن يهدي الله قومًا عرفوا الإيمان، ودخلوا فيه، وشهدوا أن الرسول حق، ثم ارتدوا على أعقابهم، ناكصين ناكثين؛ لأنهم عرفوا الحق، فرفضوه، ولأن من هذه الحالة وصفه، فإن الله يعاقبه بالانتكاس، وانقلاب القلب جزاء له، إذ عرف الحق فتركه، والباطل فآثره، فولاه الله ما تولى لنفسه.
ثم إنه تعالى استثنى من هذا الوعيد: التائبين من كفرهم وذنوبهم، المصلحين لعيوبهم، فإن الله يغفر لهم ما قدموه، ويعفو عنهم ما أسلفوه". اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/ 358): "فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، والله تعالى غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب، والذنب وإن عظم والكفر وإن غلظ وجسم، فإن التوبة تمحو ذلك كله، والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب بل يغفر الشرك وغيره للتائبين كما قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين. وأما قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]فإنها مقيدة خاصة؛ لأنها في حق غير التائبين لا يغفر لهم الشرك، وما دون الشرك معلق بمشيئة الله تعالى". اهـ. مختصرًا.
وعليه، فالواجب عليك الإسراع بالفرار إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة، واللوذ بجنابه ورحمته ومغفرته، والأوبة إليه سبحانه والبعد عن القنوط، فليس أمام من أسرف في المعصية، ولجَّ في الذنب، وأبق عن الحمى، وشرد عن الطريق إلا التوبة والأوبة، وولوج الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع، ولا يحتاج فيه إلى استئذان، والتائب حبيب الرحمن؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، والرب سبحانه وتعالى ويفرح بتوبة التائب أعظم فرح يعرفه الناس؛ فهو يفرح أعظم مما يفرح الفاقد لزاده وراحلته في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: