حكم صلاة التوبة في أوقات الكراهة ووقتها المستحب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل تجوز اقامة صلاة التوبة في المواقيت اللتي لا يستحب فيها الصلاة، كوقت ما ببين العصر والمغرب ......وهل يوجد وقت مستحب لصلاة التوبة من السنة المطهرة
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد ذهب عامَّةُ أهل العلم إلى المَنْعِ من صلاة التَّطَوّع المُطْلق في الأوقات الَّتي نهى الشرع عن الصلاة فيه، وهي: وقتُ طُلوع الشمس إلى أن ترتفع قدرَ رُمْح، ووقتُ غروبها، ومن حين تُصلَّى صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ووقت الزوال، وبعد صلاة العصر؛ واستدلوا بأحاديثَ كثيرةٍ منها: حديث عمرو بن عبسة قال: قلتُ: يا نَبِيَّ الَّله أخبرني عن الصلاة، فقال: ((صلّ صلاةَ الصبح، ثُمَّ أقْصِر عن الصلاة حتَّى تطلُعَ الشَّمْسُ وترتفع، فإنَّها تطْلُع بَيْنَ قَرْنَيْ شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفَّار، ثم صلّ فإنَّ الصلاة مشهودة محضورة حتَّى يستقِلَّ الظلُّ بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تُسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار))؛ رواه أحمد، ومسلم.
وعن عقبة بن عامر الجُهَنِي قال: "ثلاث ساعات نَهانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - أن نُصَلّي فيهنَّ، أو أن نقْبُر فيهنَّ موتانا: حين تطلُع الشَّمسُ بازِغةً حتَّى ترتَفِعَ، وحين يقوم قائِمُ الظَّهِيرَة حتَّى تَميلَ الشَّمس، وحين تضيّف الشمسُ لِلغروب حتى تغرب"؛ رواه مسلم.
وعن أَبِي سعيدٍ أنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم - قال: ((لا صلاةَ بعدَ صلاةِ العَصْرِ حتَّى تغرُبَ الشَّمسُ، ولا صلاةَ بعد صلاةِ الفجر حتَّى تطلُعَ الشمس))؛ متَّفقٌ عليه، وفي لفظ: ((لا صلاةَ بعد صلاتَيْنِ، بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب))؛ رواه أحمد والبخاري.
أما فعل صلاةِ التوبة أو غيرها من الصلوات ذوات الأسباب في أوقات الكراهة، فالراجح من قَوْلَيِ العلماء أنَّها مشروعةٌ؛ وهو مذهب الشافعيّ، ورواية عنْ أَحْمَدَ اختارها أبو الخطَّاب وبعضُ الحنابلة ونصرها شيخُ الإسلام ابن تيمية.
واحتجّوا بأنَّ عموم ذوات الأسباب محفوظٌ ولم تُخَصَّ منه صورةٌ، بِخلاف عموم النَّهي فإنَّهم أجمعوا على تَخصيص بعضِ أَفْرَادِه فأصبح ظَنِّيَّ الدلالة، والعامّ المحفوظ مقدَّم على العامّ المخصوص.
ومَنَعَ مِنْ صلاة ذوات الأسباب في أوقات الكراهة جمهورُ الفقهاء.
قال شيخ الإسلام مُرجّحًا لِمذهب الشافِعِيّ "مجموع الفتاوى"(23/178-202): "قد ثَبَتَ بِالنَّصّ والإجماع أنَّ النَّهي ليس عامًّا لِجميع الصلوات؛ فإنه قد ثَبَتَ في الصَّحيحَيْنِ عنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((من أدرك ركعة قبل أن تطلُع الشمس فقد أدرك)) وفي لفظ: ((فلْيُصَلّ إليها أخرى)) وفي لفظ: ((فيتم صلاته)) وفي لفظ: ((سجدةً)) وكلها صحيحة وكذلك قال: ((من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أَدْرَكَ)) وفي هذا أمرُه بِالركعة الثَّانية من الفجر عند طلوع الشمس. وفيه أنَّه إذا صلَّى ركعةً من العصر عند غروب الشمس صحَّت تلك الركعة وهو مأمور بأن يَصِلَ إليها أخرى. وهذا الثاني مذهَبُ الأئِمَّة الأربعة وغيرِهم من العلماء. وأمَّا الأول: فهو قول جمهور العلماء... فقد دلَّ الحديثُ واتّفاقُهم على أنَّه لم ينهَ عن كل صلاة.
وروى جُبَيْرُ بْنُ مطعم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا بَنِي عبد مناف لا تَمنعوا أحدًا طاف بِهذا البيتِ وصلَّى أيَّةَ ساعةٍ شاء من ليل أو نهار))؛ رواه أهل السنن؛ وقال الترمذي: حديثٌ صحيح، واحتجَّ به الأئمةُ: الشَّافعِيُّ وأحمدُ وأبو ثور وغيرُهم، وأخذوا به وجوَّزُوا الطوافَ والصلاةَ بعد الفجر والعصر، كما رُوِيَ عنِ ابن عمر وابنِ الزُّبَير وغيرِهما من الصحابة والتابعين. وأمَّا في الأوقات الثلاثة فَعَنْ أحمدَ فيه روايتان، والحُجَّة مع أولئك من وجوه:
أحدها: أنَّ قوله: ((لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت)) الحديثَ. عمومٌ مقصود في الوقت فكيف يجوز أن يقال: إنَّه لم يدخل في ذلك المواقيت الخمسة.
الثَّاني: أنَّ هذا العموم لم يخص منه صورة لا بنصّ ولا إجماعٍ، وحديث النهي مخصوصٌ بِالنَّصّ والإجماع، والعمومُ المحفوظ راجِحٌ على العموم المخصوص.
الثَّالث: أنَّ البيت ما زال الناس يطوفون به ويصلّون عنده من حين بناه إبراهيم الخليل، وكان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قبل الهجرة يطوفون به ويصلّون عنده، وكذلك لما فُتِحَت مكةُ كثُرَ طواف المسلمين به وصلاتُهم عنده. ولو كانَتْ ركعتا الطواف منهيًّا عنْهَا في الأوقات الخمسة لكان النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن ذلك نهيًا عامًّا لحاجةِ المسلمين إلى ذلك، ولكان ذلك ينقل.
الرابع : أنَّ في النهي تعطيلاً لمصالح ذلك من الطواف والصلاة.
الخامس: أنَّ النهيَ إنَّما كان لسد الذريعة، وما كان لسد الذريعة فإنه يُفْعَل للمصلحة الراجحة؛ وذلك أنَّ الصلاة في نفسها من أفضل الأعمال وأعظم العبادات؛ كما قال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكُم الصلاة)) فليس فيها نفسها مفسدة تقتضي النهي، ولكن وقت الطلوع والغروب الشيطانُ يُقارن الشمسَ وحينئذ يسجد لها الكفار.
وما نُهِي عنه لسدّ الذريعة يباح للمصلحة الراجحة كما يباح النظر إلى المخطوبة، والسَّفر بها إذا خيف ضياعُها كسفرها من دار الحرب.
الوجه السادس: أن يقال: ذوات الأسباب إنَّما دعا إليها داع، ولم تفعل لأجل الوقت؛ بخلاف التطوُّع المطلق الذي لا سبب له، وحينئذ فمفسدة النهي إنَّما تنشأ مما لا سبب له دون ما له السبب، ولهذا قال في حديثِ ابْنِ عُمر: ((لا تتحرَّوْا بِصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها)).
وعليه، فيجوز صلاة ركعتي التوبة في أوقات الكراهة.
أما الوقت المستجب لتلك الصلاة، فالذي يظهر أن أفضل أوقات الاستغفار هو وقت النزول الإلاهي، وهو وقت السحر؛ فإن فضيلة الاستغفار ثابتة؛ قال الله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]، وقال عز وجل في وصف عباده المتقين: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات: 18].
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: