أخاف النفاق
السلام عليكم،،،
حتى لا أطيل على سيادتكم؛ الخلل يكمن في أنني شاب مسلم صاحب خواطر عظيمة، حديثي - غالبًا - يفيض باعتقادي ومسائل ديني، وفي نفس الوقت أشعر أنني منافق، قد لا أكون منافقًا نفاقًا كليًّا، ولكن أشعر أنّ فيّ من خصال النفاق، أنا لا أعرف من أنا؟ هل أنا ذلك الشاب المسلم الذي يحب دينه؟ أم أنا ذلك الشاب الذي يتلون أمام الناس فقط ليكسب الدنيا؟ للعلم سبب شعوري بأني منافق أني فعلًا عند تفكري في مواقف كثيرة أو خطوات أراني أحب الدنيا حريصًا عليها - وإن ادعيت غير ذلك - الله يعلم ما في نفسي من ضيق، أرجوكم أنتظر نصيحتكم وتوجيهكم، بوركت جهودكم.
فإن الخوف من النفاق مؤشر خير، فإنه ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق؛ كما قال الحسن البصري، وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يخافون من النفاق؛ فكان عمر - رضي الله عنه - يخاف النفاق على نفسه، ويسأل حذيفة: "هل عدني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين"، وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه"؛ رواه البخاري.
وما تشعر به قد يكون من وسوسة الشيطان؛ ليفسد عليك استقامتك! فاستعذ بالله.
وأما إن كنت قد ابتُليت حقًّا بالوقوع في بعض صفات المنافقين - أجارنا الله وإياك منها - فالواجب عليك التوبة الصادقة إلى الله - عز وجل - والاتصاف بصفات المؤمنين الصادقين، ومن تلك الصفات ما ورد في السنة؛ كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر))، وفيهما عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)).
وروى ابن خزيمة في "صحيحه" - بإسناد حسن - عن محمود بن لبيد، قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أيها الناس، إياكم وشِركَ السرائر، قالوا: يا رسول الله، وما شِركُ السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته جاهدًا؛ لما يرى من نظر الرجال إليه، فذلك شرك السرائر)).
ولا شك أن إخلاص العمل من شروط القبول؛ كما قال - تعالى- : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] ، وقال – سبحانه -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5]، والعمل إذا لم يكن خالصًا لوجه الله - تعالى - رُد على صاحبه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
قال الحافظ ابن رجب:
"واعلم: أن العمل لغير الله أقسام:
فتارة يكون الرياء محضًا؛ بحيث لا يراد به سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، كما قال الله - عز وجل -: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].
وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة.
وتارة يكون العمل لله، ويشاركه الرياء، فإن شاركه في أصله؛ فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضًا، كالحديث السابق: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك)).
وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة, قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله - عز وجل - فليطلب ثوابه من عند غير الله - عز وجل - فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك)).
وخرج النسائي بإسناد جيد، عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا شيء له)). فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا شيء له))، ثم قال: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه)).
ولا نعرف عن السلف في هذا خلافًا، وإن كان فيه خلاف عن بعض المتأخرين.
وأما إن كان أصل العمل لله، ثم طرأت عليه نية الرياء، فإن كان خاطرًا دفعه؛ فلا يضره بغير خلاف، وإن استرسل معه، فهل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك، ويجازى على أصل نيته؟
في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك، وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله، كالصلاة، والصيام، والحج، فأما ما لا ارتباط فيه، كالقراءة، والذكر، وإنفاق المال، ونشر العلم؛ فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه، ويحتاج إلى تجديد نية.
فأما إذا عمل العمل لله خالصًا، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك؛ لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ فقال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن))؛ أخرجه مسلم، ثم قال - رحمه الله -: "وبالجملة، فما أحسن قول سهل بن عبدالله التستري: ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال يوسف بن الحسين الرازي: "أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، وكأنه ينبت فيه على لون آخر!". اهـ باختصار.
هذا؛ ونوصي الأخ الكريم بالإكثار من عمل السر فإنه يورث الإخلاص، مع قراءة القرآن بتدبر، وعرض النفس على كتاب الله تعالى لا سيما سورة براءة وسورة محمد، وسورة المنافقين، فإن فيهم فضح للنفاق والمنافقين، وبيان لأعمالهم التي يجب على المسلم الحق اجتنابها والتمسك بما يضادها،، والله أعلم
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام