هل الإمساك بالزوجة الزانية من الدياثة

منذ 2023-01-20
السؤال:

مغترب متزوج منذ 8 سنوات ولدي طفل واحد عمره ثلاث سنوات شككت في زوجتي واسترجعت محادثات محذوفة في هاتفها اكشتفت عن طريقها خيانتها وأنه حصل علاقة جنسية بينها وبين شاب وبعد العلاقة الجنسية اتهمت الشاب بفقدان عذريتها وخروج دم وأنها خائفة من أن تصبح حاملا ولكن الشاب أنكر و قال في المحادثات أنه جامعها في الدبر ولا يمكن أن تفقد عذريتها لأنه تراجع عن اكمال العلاقة خوفا من الله واجهتها اعترفت وتذرعت بأنها مريضة نفسيا ماذا افعل

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن مِنْ أَعْظَمِ ما تَجْنِيهِ المرأةُ عَلَى زَوْجِهَا، وتَرْتَكِبُهُ من جرم في حَقِّهِ هو إفساد فِرَاشَهُ بِزِنَاهَا، فتَخْلِطَ ماءَهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ خبيثٍ مِنَ الزِّنَا، ولِهَذا؛ كان زِنَا الزوجةِ عارًا عَلَى الزَّوْجِ وَشَيْنًا لَهُ، وسُوءًا فِي حَقِّهِ، فالزنا من أكبر الكبائر وأقبحها، ويزداد فحشًا إن كان من امرأة متزوجة؛ وقد حذَّرَنا الله تعالى في كتابه المحكم من مجرد الاقتراب من تلك الفاحشة، وغلق جميع الأبواب وسد الذراع فرقًا منها؛ فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32]، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد".

وقد نصّ الفقهاء على أن الزَّوْج إِذَا تَبَيَّنَ زِنَا زوجَتِهِ، بَعْدَ أن دخل بها، وتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّها لم تَتُبْ من ذَلِكَ؛ حَرُمَ عليه إمساكُها، بل كان إمساكُها - حينئذٍ - دِيَاثَةً، يَأْنَفُ مِنْهَا كُلُّ ذِي مُرُوءَةٍ، وهذا أمر مستَقَرّ فِي الفِطَرِ، وهو أَنَفَةُ الرَّجُلِ أن يمسك الزوجة الزانية التي لم تتب؛ لأنها حينئذ لَا يُؤْمَنُ جَانِبُهَا أن تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنَ الزِّنَا فَتُلْحِقُهُ بِزَوجِهَا، فإن الزَّوْجَةِ المستهتِرَةِ التي تتجرأ على الزنا وهي على ذمة رجل لا يأمن جانبها؛ والفطم عن العادة وتعديل السلوك والطباع يحتاج لدين قويم وخلق عالٍ.

 ويخشى أن يَدْخُل إمساكُ الزوجة الزانية الزوجَ تحتَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...))، وَذَكَرَ مِنْهُمُ الدَّيُّوثَ؛ وهُو الذي يُقِرُّ الفاحِشَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، والحديثُ رواهُ أحمدُ، والنسائيُّ، وقد قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26].

وقد سُئِلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كما في "مجموع الفتاوى" (32/141)، عَمَّنْ طَلَعَ إلَى بَيْتِهِ وَوَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا  أَجْنَبِيًّا، فَوَفَّاهَا حَقَّهَا، وَطَلَّقَهَا؛ ثُمَّ رَجَعَ، وَصَالَحَهَا، وَسَمِعَ أَنَّهَا وُجِدَتْ بِجَنْبِ أَجْنَبِيٍّ؟

فَأَجَابَ: "فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يَدْخُلُك بَخِيلٌ، وَلَا كَذَّابٌ، وَلَا دَيُّوثٌ))؛ وَالدَّيُّوثُ: الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ))، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وَلِهَذَا؛ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، بَلْ يُفَارِقُهَا، وَإِلَّا؛ كَانَ دَيُّوثًا". اهـ.

وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" (15/ 328): "... وَالْإِمَاءُ اللَّاتِي يَفْعَلْنَ هَذَا، تَكُونُ عَامَّتُهُنَّ لِلْخِدْمَةِ، لَا لِلتَّمَتُّعِ، فَكَيْفَ بِأَمَةِ التَّمَتُّعِ؟! وَإِذَا وَجَبَ إخْرَاجُ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَيْفَ بِالزَّوْجَةِ الزَّانِيَةِ؟! وَالْعَبْدُ وَالْمَمْلُوكُ نَظِيرُ الْأَمَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَنَّهُ لَعَنَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا))؛ فَهَذَا يُوجِبُ لَعْنَةَ كُلِّ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، سَوَاءٌ كَانَ إحْدَاثُهُ بِالزِّنَا، أَوْ السَّرِقَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِيوَاءُ بِمِلْكِ يَمِينٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِي ذَلِكَ تَرْكُهُ إنْكَارًا لِلْمُنْكَرِ". اهـ.

وجاء في"زاد المعاد" (5/377) للإمام ابن القيم رحمه الله: "الزِّنَى مِنَ الْمَرْأَةِ أَقْبَحُ مِنْهُ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى هَتْكِ حَقِّ اللهِ إِفْسَادَ فِرَاشِ بَعْلِهَا، وَتَعْلِيقَ نَسَبٍ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَفَضِيحَةَ أَهْلِهَا، وَأَقَارِبِهَا، وَالْجِنَايَةَ عَلَى مَحْضِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَخِيَانَتَهُ فِيهِ، وَإِسْقَاطَ حُرْمَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَتَعْيِيرَهُ بِإِمْسَاكِ الْبَغِيِّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَفَاسِدِ زِنَاهَا، فَكَانَتِ الْبَدَاءَةُ بِهَا فِي الْحَدِّ أَهَمَّ". اهـ.

ولكن إن تابت تلك المرأة توبة نصوحًا، وظهر عليها آثار التوبة الصادقة، وحرصت على أداء شرائع الإسلام،​​ , وتأكدت من توبتِها، فلا بأس من الإبقاء عليها، ولكن يجب عليك أن تراقب تصرفاتها حتى تتيقن من صدق توبتها، ولتمنعها من الهواتف الذكية ووسائل التواصل؛ لأنها تيسر الفاحشة.

فالله تعالى لم يقنِّط عباده من التوبة، ووعد التائبين بقبول توبتهم، مهما بلغت ذنوبهم، فلا يتعاظمه سبحانه ذنب أن يغفره؛ قال - سبحانه وتعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [الزمر: 53]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31].

ولتفتح عليها أبوابا من الخير والتذكرة بالله واليوم الآخر،،، والله أعلم. 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام