حكم الطهارة والموالاة في الطواف
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته تعبت في طواف الافاضة فجلست فنمت نصف ساعه او يزيد ثم توضأت واكملت الباقي فهل علي شيء علما بأني قد رجعت إلى بلدي ونومي كان في المطاف ووضوئي كان في المطاف ولم أخرج منهما
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فهذه المسألة مبنية على أصلين وعند التأمل يعود إلى أصل واحد وهما هل الطواف بالبيت صلاة فيشترط له الطهارتان الكبرى والصغرى، وهل تشترط الموالاة بين أشواطه، فمن قال هو صلاة أوجب الطهارتين وأو جب الموالاة بين الأشواط السبعة؛ واحتج بحديث ابن عباس "الطواف بالبيت صلاة"، وأجاب من لم يشترط الوضوء بأن معنى الحديث أن الطواف يشبه الصلاة من بعض الوجوه، وليس المراد أنه نوع من الصلاة التي يشترط لها الطهارة؛ واحتجوا بأن الطواف لا يجب له ما يجب للصلاة من القراءة والركوع والسجود والتسليم، وبأن غاية المشبه أن يوافق المشبه به في بعض الوجوه؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم المسجد فلا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة"، وقوله: "إن العبد في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، وما دام ينتظر الصلاة، وما كان يعمد إلى الصلاة"، ونحو ذلك من النصوص.
ومن قال هو صلاة وهم جمهو الفقهاء اشترطوا له الموالاة، وقال الحنفية والشافعية هو سنة فقط؛ لعدم وجود دليل على الوجوب وإنما صح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو دليل على الاستحباب، وفي قول عند الشافعية أن الموالاة واجبة، وذهب الإمام أحمد إحدى الروايتين عنه أن الموالاة تسقط عند العذر ويجوز البناء على ما سبق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(26/ 125): " وقد اتفق العلماء على أنه لا يجب للطواف ما يجب للصلاة من تحريم وتحليل وقراءة وغير ذلك، ولا يبطله ما يبطلها من الأكل والشرب والكلام وغير ذلك، ولهذا كان مقتضى تعليل من منع الحائض لحرمة المسجد، أنه لا يرى الطهارة شرطًا، بل مقتضى قوله أنه يجوز لها ذلك عند الحاجة كما يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة، وقد أمر الله تعالى بتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود، والعاكف فيه لا يشترط له الطهارة ولا تجب عليه الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين، ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك، وأما الركع السجود فهم المصلون والطهارة شرط للصلاة باتفاق المسلمين، والحائض لا تصلي لا قضاء ولا أداء، يبقى الطائف هل يلحق بالعاكف أو بالمصلي أو يكون قسمًا ثالثًا بينهما، هذا محل اجتهاد، وقوله: "الطواف بالبيت صلاة"، لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هو ثابت عن ابن عباس وقد روي مرفوعًا، ونقل بعض الفقهاء عن ابن عباس أنه قال: "إذا طاف بالبيت وهو جنب عليه دم"، ولا ريب أن المراد بذلك أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه، ليس المراد أنه نوع من الصلاة التي يشترط لها الطهارة". اهـ.
وقال أيضًا (21/ 274):لأنه ليس المراد به –يعني حديث ابن عباس- أن الطواف نوع من الصلاة: كصلاة العيد والجنائز، ولا أنه مثل الصلاة مطلقًا؛ فإن الطواف يباح فيه الكلام بالنص والإجماع، ولا تسليم فيه، ولا يبطله الضحك والقهقهة، ولا تجب فيه القراءة باتفاق المسلمين، فليس هو مثل الجنازة؛ فإن الجنازة فيها تكبير وتسليم، فتفتح بالتكبير وتختم بالتسليم، وهذا حد الصلاة التي أمر فيها بالوضوء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم"، والطواف ليس له تحريم ولا تحليل، وإن كبر في أوله فكما يكبر على الصفا والمروة وعند رمي الجمار، من غير أن يكون ذلك تحريمًا، ولهذا يكبر كلما حاذى الركن والصلاة لها تحريم؛ لأنه بتكبيرها يحرم على المصلي ما كان حلالاً له من الكلام أو الأكل أو الضحك أو الشرب أو غير ذلك، والطواف لا يحرم شيئًا، بل كل ما كان مباحًا قبل الطواف في المسجد فهو مباح في الطواف، وإن كان قد يكره ذلك؛ لأنه يشغل عن مقصود الطواف، كما يكره في عرفة وعند رمي الجمار، ولا يعرف نزاع بين العلماء في أن الطواف لا يبطل بالكلام والأكل والشرب والقهقهة، كما لا يبطل غيره من مناسك الحج بذلك، وكما لا يبطل الاعتكاف بذلك... فينبغي النظر في معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله، وهو أن يعرف مسمى الصلاة التي لا يقبلها الله إلا بطهور، التي أمر بالوضوء عند القيام إليها؛ وقد فسر ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحديث الذي في السنن عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، ففي هذا الحديث دلالتان: إحداهما: أن الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فما لم يكن تحريمه التكبير وتحليله التسليم لم يكن من الصلاة.
والثانية: أن هذه هي الصلاة التي مفتاحها الطهور، فكل صلاة مفتاحها الطهور فتحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فما لم يكن تحريمه التكبير وتحليله التسليم فليس مفتاحه الطهور، فدخلت صلاة الجنازة في هذا فإن مفتاحها الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
والطواف أيضا ليس فيه تسليم لكن، يفتتح بالتكبير كما يسجد للتلاوة بالتكبير، ومجرد الافتتاح بالتكبير لا يوجب أن يكون المفتتح صلاة؛ فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم "طاف على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه بشيء بيده وكبر"، وكذلك ثبت عنه "أنه كبر على الصفا والمروة، وعند رمي الجمار"؛ ولأن الطواف يشبه الصلاة من بعض الوجوه". اهـ. مختصرًا.
والذي يظهر أن الراجح من قولي أهل العلم هو عدم وجوب الطهارة الصغرى في الطواف، وعدم وجوب الموالاة؛ والأدلة الصحيحة تدل على الاستحباب فقط، لا سيما لمن غلبه الحديث أو دهمه التعب، كحال السائل.
جاء في "المغني لابن قدامة" (3/ 357): "إذا أحدث عمدًا فإنه يبتدئ الطواف؛ لأن الطهارة شرط له، فإذا أحدث عمدًا أبطله، كالصلاة، وإن سبقه الحدث، ففيه روايتان: إحداهما، يبتدئ أيضًا، وهو قول الحسن ومالك، قياسًا على الصلاة، والرواية الثانية، يتوضأ، ويبني، وبها قال الشافعي، وإسحاق، قال حنبل عن أحمد في من طاف ثلاثة أشواط أو أكثر: يتوضأ، فإن شاء بنى، وإن شاء استأنف، قال أبو عبد الله: يبني إذا لم يحدث حدثًا إلا الوضوء، فإن عمل عملاً غير ذلك استقبل الطواف؛ وذلك لأن الموالاة تسقط عند العذر في إحدى الروايتين، وهذا معذور، فجاز البناء، وإن اشتغل بغير الوضوء، فقد ترك الموالاة لغير عذر، فلزمه الابتداء إذا كان الطواف فرضًا".
وعليه، فطواف صحيح،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: