العيش مع الشخصيات الخيالية في الجنة
ما حكم تمني العيش مع شخصية فتاة خيالية من لعبة فيديو في الجنة
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن جنة الخلد هي كل مطلوب للعبد بعبادة أو دعاء، أو غير ذلك من مطالب الآخرة، وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله، وجميع أوليائه السابقين المقربين وأصحاب اليمين، ومهما طلب العبد ما طلب كان في الجنة؛ قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق: 35]، وقال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف: 71]، ففيها ما يشتهون وفيها مزيد على ذلك وهو ما لم يبلغه علمهم ليشتهوه؛ كما في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قال الله - تعالى - أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا - إِنْ شِئْتُمْ -: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17])).
فكل ما اشتهته النفوس، من مطاعمَ، ومشاربَ، وملابسَ، ومناكحَ، ولذتْهُ العيونُ، من مناظرَ حسنةٍ، وأشجارٍ محدِقَةٍ، ونِعَمٍ مونِقَةٍ، ومبانٍ مزخرفةٍ، فإنه حاصلٌ فيها، مُعَدٌّ لأهلها، على أكمل الوجوه وأفضلها؛ كما قال - تعالى -: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57]، فكل نعيمٍ وفرحٍ، وقُرَّةِ عينٍ، وسرور قلب هو من تمامُ نعيم أهل الجنة، مع الخلدُ الدائم فيها، الذي يتضمن دوام نعيمها وزيادته، وعدم انقطاعه.
ونساء الدنيا لا تستقيم عَلَى طريق، وإنما يُستمتع بها عَلَى عِوَجٍ، أما نساء الجنة؛ فمطهَّرَاتٌ - {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: من الآية25] - من الحيض، والنفاس، والمني، والبول، والغائط، والمخاط، والروائحِ الكريهةِ والأخلاق الذميمة.
ليس فيهن عيبٌ، ولا دَمَامَةٌ، حِسَانٌ في الشكل، حِسَانٌ في الأخلاقِ، {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الرحمن: من الآية56]؛ لا تنظرْنَ إلى غير أزواجهن، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72]؛ لا يخرجن منها.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا))؛ رواه البخاري.
طعام الدنيا؛ قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا، وَإِنْ قَزَّحَهُ، وَمَلَّحَهُ؛ فَانْظُرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ))؛ رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي.
وأما في الجنة فهو طعامٌ طيبٌ {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [سورة الواقعة21]، وكذلك الفواكهُ {وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [سورة الواقعة20]، وكذلكَ أنواعُ اللذاتِ، وتنوعُ المَطَاعِمِ بِلَا ضَرَرٍ، والأكلُ يُعطَى فيهِ شهوةُ مائة، ويجلسَ بعضُ الأغنياء اليومَ على سُفرةٍ تمد فيها أنواعُ الأطعمةِ فلا يمد يده إلا إلى شيءٍ يسيرٍ، وَنَظَرُهُ بحسْرَةٍ .
طعامُ الجنةِ قطوفُهُ دانيةٌ، لا يَحتَاجُ إلى عَنَاءٍ في تحصيلِهِ؛ {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان:14].
وكذلك الحالُ في الخَمر، والأسواق، والمُنَاخ؛ تأمل - أخي الكريمُ - كُلَّ هذا، سَتَجِدُ نَفْسَكَ تلهج بقوله - تعالى -: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
ولكن يجب أن تعلم أن ملاذَّ الجنةِ ونعيمَها مما وَرَدَ ذكرُهُ في الكتاب والسنة، تُغَايِرُ ملاذَّ الدنيا، ونعيمَها، وإنما أُوقِعَتْ عليها الأسماءُ؛ لإفهامنا المعنى المراد؛ كما روي عن ابن عباس: "لَيْسَ فِي الجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْأَسْمَاءَ"؛ رواه أبو نعيم في "صفة الجنة" (21 / 2)، والبيهقي، والضياء المقدسي في "المختارة"، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4 / 278): "بإسناد جيد"، وصححه الألباني في الصحيحة: (2188).
فالقدرُ المشتركُ بين أسماءِ الدُّنيا وأسماء الجنة؛ معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدد إلا بالاختصاص، كما في بعض مخلوقات الدنيا؛ تتفق في الأسماء، وتختلف في الحقائق، كيد النملة، ويد الفيل، اتفقتا في اسم اليد، واختلفتا في الحقيقة، فهذه على صفةٍ خاصةٍ بها تختلف - تمامًا - عن الأخرى في الهيئة - أيضًا - والشكل، والصفة.
ففي الدنيا - عندنا - فواكهُ، ولحمٌ، ورمانٌ، ونخلٌ، وفي الجنة لحمٌ، وفواكهُ، ورمانٌ، ونخلٌ، وغيرها، مما له أسماءُ الدنيا.
ولكنها - قطعًا - لا تشبه أحسنَ الموجودِ في الدنيا، ولا يمكن أن يشبهه أبدًا؛ لا في الهيئة، ولا الشكل، وإنما قَرَّبَ الله - عز وجل - لنا الأشياء الموجودة في الجنة - وهي غيبيات لم نرها بأعيننا - بأسماءٍ موجودةٍ في الدنيا نعرفُها، فالتشابه في الاسم فقط، وهو القَدْرُ الذي اصطلح عليه أهل العلم بتسميته القدر المشترك، وهو معنًى كليٌّ عامٌّ لا يتحدد إلا بإضافته، أما بوجود معناه الكليُّ العام، فلا يمكن أن يَتَحَدَّدَ، ولا يمكن أن يُعْرَفَ له وضعٌ معينٌ.
إذا تقرر هذا، فعلى المسلم أن يحرص على العمل الصالح والاستعاذنة من النار وسؤال الله الجنة، فإن دخل الجنة ففيها ما تقر بها عينه وتلذ نفسه،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: