استرقاء الشياطين السمع
كيف ممكن أن نجمع بين الحديثين التاليين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إنَّ الملائكةَ تنزل في العَنانِ ، فتذكر الأمرَ قُضِيَ في السماءِ ، فتسرقُ الشياطينُ السمعَ ، فتسمعه فتوحيه إلى الكُهَّانِ ، فيكذبون معها مائةَ كِذْبةٍ من عند أنفسِهم وحديث :عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعَانًا لقوله، كالسلسلة على صَفْوانٍ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق... الى آخر الحديث
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالحديث الأول رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن الملائكة تنزل في العنان: وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم".
والحديث الثاني فرواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كالسلسلة على صفوان - قال علي: وقال غيره: صفوان ينفذهم ذلك - فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر - ووصف سفيان بيده، وفرج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه، إلى الذي هو أسفل منه، حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض - فتلقى على فم الساحر، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق فيقولون: ألم يخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا، فوجدناه حقا؟ للكلمة التي سمعت من السماء".
ومن تأمل الحديثين لم يجد تعارضًا بينهما بل هما متطابقان، وقد ورد هذا المعنى في كتاب الله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18]، وقال: { إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10].
ومن العلوم أن الكهان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه من السمع، ثم يخلطون الصدق بالكذب كما في الحديثين السابقين، وفي الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟ قالوا كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء، ثم يسأل أهل السماء السابعة حملة العرش ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم ثم يستخبر أهل كل سماء حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يزيدون".
وفي الصحيحين عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، إن الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فيكون حقًا، قال: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه، فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة".
إذا تقرر هذا تبين جليًا أن جميع الأحاديث في هذا الباب، أعني استرقاء الجن للسمع= كلها متوافقة وليس بينها أي تعارض البتة، وهي تدل على أن ما يأتي به الكاهن من خبر صادق أحيانًا، غايته أنّه سمعه الجني لمّا استرق السمع؛ مثل الذي يستمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: