القضية الفلسطينيه
ما حكم من يرفض مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرئيل و كذلك رفض المشاركة في المظاهرات ضد التطبيع و الكسل عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية و التنديد بها . و ما واجبي تجاه هؤلاء هل يجب علي حثهم و هل يجوز قطع علاقاتي بهم إذا رفضوا رفضا قطعا .
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمن المعلوم بداهة أن الإسلام ليس دين أفراد منعزلين، كل واحد منهم يعبد الله بمفرده، كما لم يجئ لينعزل، وإنما جاء الإسلام ليحكم حياة البشرية ويصرِّفها، ولا يكون هذا إلا في محيط جماعة منظمة ذات ارتباط، وذات نظام، وذات هدف جماعي منوط في الوقت ذاته بكل فرد فيها، فخلق المسلم وطبيعة ضميره أن يكون متضامنًا مع إخوانه كالبنيان المرصوص.
والبشرية لا تعيش أفرادًا، وإنما تعيش جماعات وأممًا، وأتباع الدين أو المذهب أو الفكرة الواحدة الذين يعملون لها، ويناصرون قضاياها ويتخذونها قضاياً لهم= يشكلون فيما بينهم معسكراً واحداً على اختلاف مستوياتهم، ورقعة الأرض التي يسكنونها، فاليهود على اختلاف أجناسهم وهيئاتهم وجماعاتهم ومؤسساتهم، يشكلون معسكرًا واحدً هو المعسكر اليهودي الصهيوني، وكذلك النصارى يشكلون المعسكر الصليبي، والوثنيون يشكلون المعسكر الوثني المشرك، وهذه المعسكرات كلها تشكل فيما بينها، وعلى اختلافها حزب الشيطان؛ قال الله تعال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: 51]، وقال: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، وقال: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 19]، وقال: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19].
والمسلمون كذلك يشكلون فيما بينهم - ومن دون الناس جميعاً - أمة واحدة هي الأمة الإسلامية، ومعسكر واحد، وحزب واحد هو حزب الله تعالى؛ قال عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56]، فالإيمان المستقر في القلب يأمر بموالاة الله، وموالاة أوليائه المؤمنين المتعاونين على إقامة دين الله وجهاد أعدائه؛ قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، أي: قلوبهم متحدة في التوادد، والتحابب، والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين، وضمهم من الإيمان بالله"، قاله الشوكاني في كتابه "فتح القدير" (2/ 434).
فالإسلام إنما جاء ليحكم الأرض جميعًا، ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على أساس الجماعة الواحدة، فيوجه اهتمام الفرد، ويصوغ ضميره على أساس أنه يعيش في جماعة؛ قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، بنيان تتعاون لبناته، وتتضام وتتماسك، وتؤدي كل لبنة دورها، وتسد ثغرتها؛ فالبنيان كله ينهار إذا تخلت منه لبنة عن مكانها، أو تقدمت أو تأخرت، وإذا تخلت منه لبنة عن أن تمسك بأختها تحتها أو فوقها أو على جانبيها سواء= ينهار أيضًا.
ومن أجمع الآيات الدالة على ذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55، 56]، فسياق الآية جاء على وجه القصر الذي لا يدع مجالاً للتَمَحْل، أو التأول، فلا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة؛ لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة.
ثم وعد سبحانه بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها؛ وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين، وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى، والآيات بهذا المعنى كثيرة وإنما ىنشير إشارة لطيفة للتنبيه وحسب.
أما الأحاديث فكثيرة أيضًا، ومنها ما رواه مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، والحديث في معنى الآية الكريمة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وفي الصحيحين عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك أصابعه"، وهو نصٌّ صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد.
جاء في "المفهم" للقرطبي (6/ 565): "... تمثيل يفيد الحض على معونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك أمر متأكد لابد منه؛ فإن البناء لا يتم أمره، ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضًا ويقويه، فإن لم يكن كذلك انحلت أجزاؤه، وخرب بناؤه، وكذلك المؤمن لا يستقل بأمور دنياه ودينه إلا بمعونة أخيه ومعاضدته ومناصرته، فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه، وعن مقاومة مضاده، فحينئذ لا يتم له نظام دنيا ولا دين، ويلتحق بالهالكين". اهـ.
وفي الصحيح عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، والمقصود تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم ونصحهم والتَهَمم بأمرهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم"؛ رواه أبو داود والنسائي، فهم متحدون ضد الكفار بسبب ما جمعهم من أمر الدين، وضمهم من الإيمان بالله، المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة.
إذا تقرر هذا، فليس من المسلمين من لم يمس ويصبح ناصحًا لهم، فينصر المظلوم، ويساعد المحتاج، ويواسىي فقيرهم، إلى غير هذا من شئونهم، ومن تخاذل ولم يفزع لمصابهم أو خذلهم ولم يهتم بهم، فهو آثم مضيع للأمانة، مفرط في حق إخوانه المسلمين، وهو ليس منهم على الحقيقة، وسيخذله الله تعالى؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وكما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ يخذل امرأ مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته= إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحدٍ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته= إلا نصره الله في موطن"؛ رواه أحمد وأبو داود.
وروى أحمد عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس"،
وروى البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا! قالوا يا رسول الله: هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: "تأخذ فوق يديه",
وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".
أمر أخير وهو إن طبيعة المؤمن هي طبيعة الوحدة وطبيعة التكافل، وطبيعة التضامن لتحقيق الخير ودفع الشر والولاية والتضامن والتعاون، يتجهون بهذه الولاية إلى إعلاء كلمة الله، وتحقيق الوصاية لهذه الأمة في الأرض؛ والوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين ليست وشيجة الدم والنسب، وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة، وليست وشيجة الجنس والعنصر، وليست وشيجة الحرفة والطبقة، أو المصالح المشتركة، أو التاريخ المشترك، أو المصير المشترك؛ لأن هذه الوشائج توجد ثم تنقطع، بخلاف وشيجة الإيمان فلا تنقطع أبدًا؛ والقرآن العظيم أخبرنا بإنقطاع وشيجة الدم والنسب بين الابن وأبيه وبين الأب وابنه؛ كما قال الله سبحانه وتعالى لرسوله نوح- عليه السلام- وهو يقول: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45]، فجاءه الجواب: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]، فبين له سبحانه سبب كون ابنه ليس من أهله؛ لأن وشيجة الإيمان قد انقطعت.
وقال سبحانه في حق خليله إبراهيم: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].
أما ما يجب عليك فهو الاستمرار في النصح وأطلعهم على تلك الفتوى، فإن اسمروا على موقفهم فينبغي أن يهجروا لحق الله تعالى،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: