دحض شبهة عن رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا ذات مرة كنت اناقش ملحد فقال لي شبهة طبعا تركته ولله الحمد و لم اعد اتكلم معه ولكن ظلت الشبهة عالقة ببالي والشبهة هي كالاتي قال لي انه يوجد حديث يقول ان رجل يجامع زوجته ويكسل اي يضعف عن انزال المني فقال النبي اني لأفعل ذالك انا وهذه ويوجد حديث يقول ان النبي اعطي شهوة ثلاثين رجل وهنا قال لي الملحد كيف اعطي النبي شهوة ثلاثين رجل ولا ينزل وانا اصبح لدي وساوس تقول لي دائما هل يعقل ان النبي اعطي شهوة ثلالثين رجل ولا ينزل هذه هي الشبهة استغفرالله على هذا الكلام.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الإِكْسالُ كما في كتب المعاجم والغريب: هو الفُتُورُ أَثْناءَ الـجِماعِ، يُقالُ: كَسِلَ الفَحْلُ: إذا فَتَرَ عنِ الضِّرابِ، وأَكْسَلَ الرَّجُلُ: إذا جامَعَ، ثم أصابَهُ فُتُورٌ فلَمْ يُنْزِلْ، وأَصْلُ الإِكْسالِ مِنَ الكَسَلِ، وهو: التَّثاقُلُ عن الشَّيْءِ والفُتُورُ فِيهِ، كسِل الشّخصُ: فتَر في أمر وتوانى، أو تثاقل عمّا لا يصحّ أن يتثاقل عنه، قصّر في أداء عمله، عكسه نشِط.
وجاء في لسان العرب" وأنشد للعجاج: أإنْ كَسِلْتُ والحصَانُ يَكْسَلُ.
إذا علم هذا، تبين أن الإكسال لا يعارض قوة الجماع بوجه من الوجوه، حتى يظن الملحد أن الحديثين متعارضان؛ فالقوة تكون في الجسد ككل، والإكسال إنما يكون سببه إنصراف الذهن عن مقتضى الجماع، فتفتر الشهوة حتى لا ينزل.
أيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ للشريعة والمبين لما أجمل، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]،{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64]، والبيان يكون بالقول والفعل، بل الفعل أقوى من جهة أن المسلمين ينظرون في أفعاله صلى الله عليه وسلم؛ كما في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما،أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب"؛ رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه واللفظ له)، وفي رواية في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره".
وعنه أيضًا في حديثه الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به".
ومن ثمّ كان صلى الله عليه وسلم يرشد السائل للما يفعله؛لأن أفعاله حجة كأقواله، ففي الصحيح عن عمر بن أبي سلمة: أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيقبل الصائم؟ فقال له: "سل هذه لأم سلمة، فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك
ومثله أيضًا سهوه في الصلاة ليشرِّع سجود السهو، وطلاقه لحفصة ثم ردها ليبين أنه جائز للحاجة والمصلحة؛ لأن الأصل فيه الحظر، والقواعد الشرعية كانت تقتضي تحريمه، ففعل النبي دليل على أنه أبيح للحاجة.
وهكذا في وقائع يعسر جدًا حصرها، ولكنها مشهورة، والأحاديث بهذا المعنى أكثر من أن يحاط بها، وأشهر من أن ينبه عليه، وفيما ذكرناه كفاية.
فإكسال النبي - صلى الله عليه وسلم – قدّره الله سبحانه من أجل أن يشرع للأمة الاغتسال لمجرد الولوج، ولا يتوقف الغسل على الإنزال، كما كان في أول الإسلام.
أما ما أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوة في الجماع فهو من أعلام نبوته، وقد أباح الله له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته؛ كما روى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال -الرواي عن أنس- قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: "كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين" وفي رواية الإسماعيلي: قوة أربعين .
والعرب - وهو أكمل الأمم عقولاً - كانت تعد القوة على النكاح من كمال الخلقة وقوة البنية، وتتباهى بقوة النكاح، ويمدحون قلة الطعام والاجتزاء بالعلقة، فاختار الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- الأمرين فكان يطوي الأيام لا يأكل حتى يشُد الحجر على بطنه، ومع ذلك يطوف على نساءه في الساعة الواحدة.
والحاصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أتم الناس خلقة، وأكثرهم شجاعة. ومن الحكم أيضًا فيما أُعطي قوة ثلاثين، ليكون فعله ذلك ردًّا على النصارى في التبتل، وطلبًا للنسل؛ ولذلك كان من نعيم أهل الجنة كما في "صفة الجنة" لأبي نعيم الأصبهاني (2/ 172): عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب، والشهوة والجماع".
جاء في "فيض القدير" للمناوي: "فإن قلت: هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وسلم من فائدة دينية، أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ -قلت: نعم- بل هي معجزة من معجزاته السنية، إذ قد تواتر تواتراً معنوياً، أنه كان قليل الأكل، وكان إذا تعشَّى لم يتغذّ وعكسه، وربما طوى أياماً، والعقل يقضي بأن كثرة الجماع إنما تنشأ عن كثرة الأكل، إذ الرحم يجذب قوة الرجل، ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء، فكثرة الجماع لا تجامع قلة الغذاء عقلاً ولا طباً ولا عرفاً، إلا أن يقع على وجه خرق العادة، فكان من قبيل الجمع بين الضدين، وذلك من أعظم المعجزات فتدبر". اهـ.
إذا تحرر هذا؛ علم أن ذلك الملحد قد وقع في هذا الخطأ العظيم بسبب جهله لمعنى الإكسال - بقصد أو بغير قصد -فالإكسال لا يعارض قوة الجماع، فهذا بدني وذاك نفسي.
أما ما اعتراك من وسوسة، فقد أحسنت بارك الله فيك وشرح صدرك – بالرجوع لأهل العلم لمعرفة المعنى الصحيح.
فاقطع الوسوسة، ولا تسترسل معها، واقرأ القرآن العظيم بتدبر وأناه،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام