أمي بين الحب والغضب

منذ 5 ساعات
السؤال:

أحتاج لنصيحتكم، فأنا شاب مصري، عمري 20 عامًا، وأعيش أزمة نفسية بسبب علاقتي بوالدتي. منذ وفاة والدي وأنا صغير، تحملت مسؤولية الأسرة، لكنني لا ألقى تقديرًا. والدتي تسبني وتدعو عليّ لأسباب بسيطة، ولم أسمعها تفخر بي يومًا، بل تركز دائمًا على عيوبي. أثر هذا على نفسيتي، وفي لحظات الغضب أفقد السيطرة وأسيء إليها لفظيًا، وأحيانًا جسديًا، ثم أشعر بالندم الشديد. حياتي انهارت، رسبت في الجامعة، وأشعر بالإهمال. سمعت أن معاملة الوالدين تؤثر في حياتنا، فكيف أتكفر عن أخطائي وأصلح علاقتي بها؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإن حرمة عقوق الوالدين من العلم الضرورة والبداهة العقلية، فضلاً عن أذيتهم بالسب أو الضرب، ولا يشتبه هذا على مسلم، بله الكافر! لأنها قبحاها ثابت في العقول، فلا تحتاج إلي إقامة برهان، فكل أحد مسلم أو كافر يستقبح هذا الفعل الشنيع، ويَنْفُر منه ومن مرتكبيه؛ أما في الدين الإسلامي العظيم فقد حَرَّمَ الله - سبحانه وتعالي - ما هو أقل من ذلك فَسَاداً فُحْشاً وقُبْحاً! وجعل مجرد العقوق من أكبر الكبائر الذنوب، فكيف إذا إنضم إليه الضرب أو السب؛ ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور".

 والشارع الحكيم جعل طاعتهما وبرهما بعد توحيد فقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، فتهى عن أقل كلمات التضجر وهي قول أفٍ، والآية تدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على النهي عن الضرب والشتم.

 جاء في "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 455): "لو أن رجلا سبّ أباه وآذاه كانت عقوبته المشروعة مثل عقوبة من سب غير أبيه؟ أم يكون أشد؛ لما قابل الحقوق بالعقوق؟ وقد قال سبحانه وتعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} الآية، وفي مراسيل أبي داود عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ضرب أباه فاقتلوه".

قال القرطبي: "مِنَ البِرِّ بِهِما والإحسانِ إليهما ألا يَتَعَرَّض لسبِّهما، ولا يعقَّهما، فإنَّ ذلك مِنَ الكبائر بلا خلاف".

أبو عمرو بن الصلاح في "فتاواه":":  (1/ 201)

العقوق الْمحرم كل فعل يتَأَذَّى بِهِ الْوَالِد أَو نَحوه تأذيا لَيْسَ بالهين مَعَ كَونه لَيْسَ من الْأَفْعَال الْوَاجِبَة وَرُبمَا قيل طَاعَة الْوَالِدين وَاجِبَة فِي كل مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة وَمُخَالفَة أَمرهمَا فِي كل ذَلِك عقوق وَقد أوجب كثير من الْعلمَاء طاعتهما فِي الشُّبُهَات"

 والحاصل أنَّ بِرَّ الأمِّ لما كان مِنْ أعظم القربات، كان عُقُوقها أو إيذائها مِن أعْظم الموبقات، وأقْبح العُقُوق، وأشد.

فالواجب عليك المسارعة بالتوبة والاستغفار مع العزم على عدم العود، وطلب المسامحة والاعْتذار منها، والإحسان إليها.

أما طريقة والدتك وكلامها الشديد فلا يبرر العقوق ولا التقصير، زلا الصلة والمعروف، بل إن كفر الأم - عياذا بالله - لا يُسقط حقها في البر والإحسان، فبالأحرى ألا يسقطه الكلام الشديد؛ قال الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

ثم بعد ما تنصلح العلاقة بينك وبين والدتك يمكنك نصْحِها فيما يزعجكَ من كلامها، مع حسن اختيار الوقت المناسب، والأسلوب الجميل، مع التحلي بالرِّفْقُ، والشَّفقة، والإحسان، والتحبُّب، مع الأدب الجمّ، وسلوك أحسن الطُّرُق وأرقِّ الأساليب، والحذر من الوقوع في التَّخْشين،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام