حكم وساوس الصلاه والوضوء وتجاهلها
حكم وساوس الصلاه والوضوء وتجاهلها
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمما لا شك فيه الشَّيطان حريصٌ غاية الحرص على إضلال المسلم بوسائل كثيرة من أشهرها:وساوسُ الطهارة والصلاة، وغيرهما؛ ومن ثمّ أرشدنا الشارع الحكيم إلى الدواء النافع والسلاح البتار لقطع وسوسته ورد كيده، هو الإعراض عنْها جملة، وعدم الاسترسال مع وساوسه، حتى إن كان في النَّفس من التردُّد ما فيها، فإنَّه متى لم يلتفتْ لوسوسته، لَم يَثْبُتْ؛ بل يذهَب من قريب، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، بخلاف من أصْغى لوسوسته، وعمِل بمقتضاها، فإنها تزداد وتقوى حتى تُخرِج صاحبها لحيِّز المجانين، أو أقْبح أحيانًا!.
هذا؛ ومن تأمل وساوس الطهارة من الغسل أو الوضوء علم أن التخلص منها يسير؛ لأنها أمور حسية لا جدال فيها، فالغُسلُ الواجبُ هو تعميمُ البدن بالماء؛ كالوقوف تَحت الدُّشِّ ويصِل الماءُ إلى أُصُول الشَّعر، ولا يجب تخليلُه؛ كما في حديث عائشَةَ - رضي الله عنها – قالتْ: ((كانَ رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - إذا اغتسلَ مِن الجنابَةِ يَبدَأُ فَيغْسِلُ يَديْهِ، ثُمَّ يُفرِغُ بيَمينِه على شِمالِه فَيَغْسِلُ فَرْجَه، ثُمَّ يَتوَضَّأُ وضوءهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يَأخُذُ الماءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ في أُصُولِ الشَّعْرِ، حَتَّى إذَا رَأَى أَنْ قَدِ استَبرَأَ، حَفَنَ على رَأْسِهِ ثَلاثَ حَفَنَاتٍ، ثُمَّ أَفَاضَ على سَائِرِ جَسَدِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ))؛ رواه مسلم.
وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافعٍ مولى أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأةٌ أشدُّ ضَفْرَ رأسي، فأنقُضُه لغُسل الجنابة؟ قال: ((لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاثَ حَثَيَات، ثم تُفيضين عليكِ الماءَ فتطهُرينَ)).
والوضوء مثله تعميم أعضاء الوضوء بالماء، أما النية فيسيرة جدًا؛ فإن من علم شيئًا فقد نواه! لا سيما والإنسان متحرك بالإرادة، فمن قام للوضوء فقد نواه ومن علم أنه يتوضأ أو توضأ للصلاة فقد نواها، وهكذا.
هذا؛ وسألخِّص لك بعض الخُطُوات التي تعين على التخلُّص من الوسوسة جملة:
أولًا: مجَاهَدةُ النفس في صرف تلك الوساوس كلَّما أحسستِها، مع التعوذ بالله من الشيطان بقوة حَزْم، وقطع الاسترسال مع الخطرات، وطلب العونمن الله - تعالى -
وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي الشيطان أحدَكُمْ فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَّكَ؟ فَإِذَا بَلغَهُ، فَلْيَسْتَعِذْ بالله، وَلْيَنْتَهِ))، أي كُفَّ عن الاسترسال، والجأْ إلى الله في دفعه، واجتهد في ذلك، واشتغل بغيرها.
ثانيًا: الالتجاء إلى الله – تعالى - والتضرع إليه: أن يصرف عنك وساوس الشيطان، والاستعانة به، مع تدبر ما يُقرأ من قرآن، وتعقُّل معنى ما تقول من أذكار.
ثالثًا: عدمُ الاسترسال مع الخَطَرات، والاجتهادُ في دفع ما يشغل قلبك من تفكرك فيما لا يعنيك، وقطع العلائق التي تجذب قلبك عن الخشوع.
رابعًا: الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر، وخاصةً المعوذتين، وآية الكرسي، والفاتحة، وتلاوة سورة البقرة في البيت، فإن قراءتها تطرد الشيطان من البيت؛ كما صحَّ عن الصادق المصدوق، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وغيرها، مع الإكثار من التضرع، وصدق الالتجاء إلى الله - تعالى - أن يصرف عنك خطرات الشيطان، وأن يُتِمَّ عليكِ صلاتَكِ وإيمانَكِ، فلن يُخَيِّبَ رجاءَك، مع الحذَر من اليأس من رحمة الله ولطفه؛ فإنه أرحم الراحمين: كما قال تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].
خامسًا: التوبة النصوح، وكثرة الاستغفار؛ فربما تكون تلك الوساوس بسبب بعض الذنوب.
سادسًا: الحرص على إفراغِ القلب من الشواغلِ الدنيوية قبل الصلاة، مع مجاهدة النفس والشيطان في دفع ما يَرِدُ عَلَى القلب، وقطع الطريق على الأسباب الشاغلة التي هي أصل الدواء، فلا تترك لنفسك شُغْلًا يلتفت إليه خاطرُكَ.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع فتاوى": "وأما زوال العارض فهو الاجتهاد في دفع ما يُشغِل القلبَ من تفكر الإنسان فيما لا يُعِيْنُهُ، وَتَدَبُّر الجواذبِ التي تجذبُ القلبَ عن مقصودِ الصلاة، وهذا كل عبد بِحَسَبه؛ فإن كثرة الوسواس بحسَب كثرة الشبهات والشهوات، وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها، والمكروهات التي ينصرف القلبُ إلى دفعها".
سابعًا: تدبُّرُ ما تقرؤه حال الصلاة من القرآن وما تسمعُه؛ قال - تعالى -: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
ثامنًا: لزوم الصَّبر، وهو حبْس النَّفس على ما تكرهه، والصبرٌ على طاعة الله، والصبرٌ عن معصية الله.
تاسعًا: عمارة الأوْقات بالانشِغال بالفرائِض، كالصَّلوات الخمْس، والصِّيام الواجب، وبرّ الوالدين، وصِلة الأرْحام، وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسُّنن والمستحبَّات، كالصَّلوات الرَّاتبة، وقيام الليل، والصَّدقة المستحبَّة، وقراءة القرآن، والتَّسبيح، والذِّكْر، ونحو ذلك.
وراجع الفتويين: "من غلبته الوساوس حتى ترك الصلاة": " الله أكبر، الحمدلله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: