هل أنا شاذة جنسيا

منذ ساعة
السؤال:

انا رغبتي في الجنس تزيد لاني في سن ٢٠ ولم اتزوج ولكنني اشتهي الرجال انا بنت عادي ولكن ابتليت بمشاهدة الاباحية اتوب منها ولو رأيت صورة بالخطأ على الإنترنت أعود اشاهدها مع العادة السرية واتوب كثيرا اريد حل ولكن الذي جعلني اخاف الشذوذ هو اني اثأر عند رؤية الفتاة العارية ترقص انا لا اشتهايها ولكن هذا يجعلني أشاهد فيلم اباحى بين رجل وامرأة ولكن تكون البداية برؤية تلك الفتاة ولكني لا أثار عليها ولا اشتهيها فلدي صديقات وعلاقتي بهم طبيعية ولم اشتهي احد الحمد لله واميل للرجال عادي ولكن اخشي الشذوذ

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرت فأت لست شاذة، ولكنك على خطر كبير إلا أن يتدارككِ الله برحمة وتتوبي إليه توبة نصوحًة، فتقلعي عن مشاهدة تلك القاذورات؛ فإن المواقع الجنسية مِن البلايا والرزايا التي ابتُلي بها كثيرٌ مِن المسلمين؛ وهي من المحرمات المعلومة بالضرورة والبَدَاهة العقلية.

ولا شك أن الابتلاء بتلك المواقع قد جرَّ على المسلمين من الويلات والبلايا في دينهم ودنياهم ما يعلمها كل أحد! فكم من جريمة ارتُكبت، وكم من أعراض انتُهكت، وحدودٍ تُعُدِّيت، وحياءٍ ذهب، وأخلاقٍ تحطمت، وكم من ستر هتك حتى تفضح الفتيات بين أهلها ومجتمعها!

وليس الشأن في إدمان تلك الفعلة الشنعاء الظاهرة المعلومة لكل أحد، ولكن يخشى أن تجر تلك المشاهدات إلى إشعال الشهوة حتى الوقوع في الزنا – عياذًا بالله - فإنه سبيل هلكة وبوار وافتقار في الدنيا، وعذاب وخزي ونكال في الآخرة؛ ومن ثم نهى سبحانه عن الدنو منه أو قربانه بمباشرة مقدماته ووسائله فهي أيضًا

قبيحة غاية في القبح بفحوى الخطاب؛ قال تعال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]: أي بئس طريقاً طريقه؛ لأنه يؤدي إلى النار وبئس المصير، فلم يقل سبحانه: ولا تزنوا وإنما نهي عن مجرد الدنوا حتى يكون أبلغ وآكد في النهي، وإفادته قطع الطريق على خطرات القلب وتخيلاته فيكون أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه؛ كما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((كُتِبَ على ابْنِ آدم نصيبُه من الزِّنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالة، فالعَيْنان زِناهُما النَّظر، والأُذُنان زناهُما الاستِماع، واللِّسان زناه الكلام، واليد زِناها البطْش، والرِّجْل زِنَاها الخُطَى، والقلب يَهوَى ويَتَمنَّى، ويُصَدِّق ذلك الفَرج ويُكَذِّبُهُ))؛ متَّفق عليْه عن أبي هُريْرة.

 فزنا هذه الجوارح دنو من الزنا الحقيقي، ومؤدٍ إليه؛ فإن: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، لا سيما في هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه، واشد استِدْراج للشَّيطان؛ ومن ثمّ قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النور: 21]..

وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأنعام: 151] أي: جميع المعاصي والمحرمات والمنهيات كتلك المشاهدات واشتهاء القلب والعادة السرية.

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2/ 7) -تعليقًا على آية الأنعام-: "...وهذا دليل على أنها فواحش في نفسها لا تستحسنها العقول، فتعلق التحريم بها لفحشها؛ فإن ترتيب الحكم على الوصف المناسب المشتق يدل على أنه هو العلة المقتضية له، فدل على أنه حرمها لكونها فواحش، وحرم الخبيث لكونه خبيثٍا". اهـ. مختصرًا.

والواجب عليكِ المبادرة إلى التوبة والاستِغْفار، والعزم على عدم العود، والندم على ما فعل؛ فإن التَّوبة تَمحو جميع السيِّئات، وليس شيءٌ يَغفر جميع الذُّنوب إلاَّ التَّوبة الصادقة، حتى الشرك والكفر والنفاق يغفره الله تعالى للتائبين؛ كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

ومن أعظم الأسباب التي تعين على عدم العود للذنب إخراج الشبهة والشهوة من القلب، وأخذ النفس بالحزم وعدم تعريض النفس للفتن، والاستعانة في ذلك بغض البصر وقطع الخطرات الجنسية بقوة، الحذر من الاسترسال معها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ستكون فِتَنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، من تَشَرَّف لها تستشرفْه، فمَن وجَد فيها ملجأً أو معاذًا، فليَعُذ به))؛ أي: مَن نظَر إلى الفتن أهلكتْه.

فإن وقوع الإنسان في الفتنة إذا تعرَّض لها لم يسلم منه أحدٌ، إلا من عصم الله، ومَن تأمَّل أحاديث الفتن أيقن هذا جيدًا، وكفّ عن المغامَرة بالنفس بتقحم الفتن، بل الواجب الهرَبُ من مَظانها، والبُعد عنها، مهما كانتْ درجةُ وُضوح الشر فيها؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سمع بالدجال فلْيَنْءَ عنه؛ فواللهِ إنَّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به مِن الشبُهات، أو لما يبعث به مِن الشبهات))؛ رواه أحمد وأبو داود، فتأمَّلْ هذا الحديث العجيب لمن ألقى نفسه في فتنة الدجال، فلم يلبس أن كان مِن أتباعه، على الرغم من جلاء الحق؛ فالدجالُ الذي يدعي الألوهية شابٌّ قصيرٌ، أفحج جعد الرأس، أجلى الجبهة، ممسوح العين اليمنى، كأنها عنبة طافئة، وهو مكتوب بين عينيه كافر، نسأل الله السلامة.

فما استُعين على التخلص من الفتن بمِثْل البعد عن أسبابها ومظانها، فالرجلُ الديِّنُ والمرأة الدَّيِّنةُ إذا تلمَّسا الفتن وقعا فيها، وتأمَّل معي ما رواه الإمام أحمد عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرَب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب سُتورٌ مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلِجْه، والصراطُ الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)).

بالتَّوبة والاستغفار، فإنْ فعل فقد تخلَّص من شرِّ الذنب، وإنْ أصرَّ على الذنب هلك.

ولتكثري من الأعمال الصالحة وأعظمها الصلاة على وقتها؛ وفي الصَّحيح عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((الصَّلوات الخمس، والجمُعة إلى الجمُعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائِر))؛ أخرجاه في الصَّحيحين.

وفي الصَّحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه))، وقال: ((أرأيتم لو أنَّ بباب أحدكم نهرًا غمرًا يغتسل فيه كلَّ يوم خَمس مرَّات، هل كان يبْقى من درنه شيء؟)) قالوا: لا، قال: ((كذلك الصَّلوات الخَمس، يَمحو الله بهنَّ الخطايا كما يَمحو الماءُ الدَّرن)).

ومن أعظم ما يعينك على ترك المعاصي عموما تقوية الخشية من الله سبحانه في قلبك؛ ولا يمكن بكف النفس عن اتباع الهوى؛ قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 41]، وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، ونظيرها قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم: 14]، وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمنْ خَشِى رَبَّهُ}[البينة: 8]، وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبّهُم مِن فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}، والآيات بهذا المعنى كثيرة.

فالخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة. وقل أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى. والله سبحانه يكتب بهذا الجهاد الشاق، الجنة مثابة ومأوى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} ذلك أن الله يعلم ضخامة هذا الجهاد وقيمته كذلك في تهذيب النفس البشرية وتقويمها ورفعها إلى المقام الأسنى،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام