مسلمو البوليساريو .. والتوتر الدائم

منذ 2004-12-06

ظلت الصحراء المغربية هي معبر الإسلام من المغرب العربي إلى القارة الإفريقية وخاصة غرب إفريقيا


محمود بيومي 4/10/1425
17/11/2004

برزت مشكلة الصحراء المغربية.. منذ انسحاب أسبانيا من هذه الصحراء في 28 فبراير عام 1976 ميلادية.. بعد احتلال دام ثلاثة أرباع قرن.. حيث تم التوقيع على اتفاقية في مدريد عاصمة أسبانيا في 14 نوفمبر عام 1975 ميلادية بين كل من أسبانيا والمغرب وموريتانيا.. تنازلت بموجبها أسبانيا عن الصحراء للدولتين.. ولكن الجبهة الشعبية لتحرير البوليساريو أعلنت رفضها لهذه الاتفاقية وطعنت فيها.. وقد أيدتها في ذلك الجزائر التي قامت بدعم الجبهة سياسياً وعسكرياً. وبذلك خرجت أسبانيا من النزاع على الكيان الصحراوي.. لتبقي الصراعات بين المغرب وموريتانيا وجبهة البوليساريو والجزائر.

وقد يبدو أن الجزائر قد أقحمت بنفسها في النزاع على الصحراء المغربية -وهي ليست طرفاً فيه- والسبب أن هذه الصحراء لها حدود مشتركة مع الجزائر طولها 37 كيلومتر.. بالإضافة إلى أن الجزائر ترغب في الصحراء للحصول على قدر من الفوسفات الذي يوجد في مناجم "بو كراع" بالصحراء والذي تقدر قيمته الإنتاجية بمليار و700 مليون طن إلى جانب منجم الحديد الموجود في شمالي الصحراء.. وقبل ذلك كله إيجاد منفذ للجزائر -عبر الصحراء- للوصول إلى مياه المحيط الأطلنطي.

الصحراء: الأرض والناس
يبلغ عدد سكان الصحراء نصف مليون نسمة -حسب ما أعلنته جبهة البوليساريو- في حين أن أسبانيا قد أعلنت أن عدد سكان الصحراء قد بلغ 74 ألف نسمة في إحصاء أعلنته عام 1974 ميلادية، أي قبل خروجها من الصحراء بعامين فقط.

وسكان الصحراء جماعة من القبائل التي تعيش على الرعي وزراعة بعض الحبوب.. وسكان الصحراء 80% منهم من أصل مغربي و20% من أصل موريتاني وجميعهم من المسلمين الذين يتحدثون اللغة العربية ولم تستطع أسبانيا أن تستوعبهم أو تعمل علي تغيير عقيدتهم.. بسبب طبيعة بلادهم الصحراوية وعدم استقرارهم.. وقد تأسست جبهة تحرير البوليساريو في مايو عام 1974 ميلادية للمطالبة بالاستقلال عن أسبانيا وتأليف جمهورية صحراوية مستقلة.

وتبلغ مساحة الصحراء 266 ألف كيلومتر مربع.. ولها حدود مع المغرب بطول 420 كيلومتر ومع موريتانيا بطول 112 كيلومتر ومع الجزائر بطول 37 كيلومتر.. ولها أيضاً ساحل على المحيط الأطلنطي طوله 1062 كيلومتر.

الموقف المغربي
أعلنت المغرب موقفها من هذه الصحراء.. حيث تعتبرها امتداداً بشريا وجغرافيا طبيعيا لحدوده.. ولا تقبل المغرب المساومة بشأنها.. وقد أدى دعم الجزائر لجبهة تحرير البوليساريو.. إلى وقوع نزاع مسلح في مناطق الحدود بين الدولتين منذ بداية فبراير عام 1976 ميلادية وتتكرر هذه النزاعات حتى اليوم.. وقد حققت الدبلوماسية العربية والإفريقية نجاحاً في وقف هذا النزاع أكثر من مرة.

وقد حدد المغرب موقفه من قضية الصحراء والذي يتلخص في أن موريتانيا لها مشاكلها بالنسبة للصحراء التي استرجعتها وبالنسبة للمعارضين الذين دخلوا في صفوف البوليساريو.. أما بالنسبة للمغرب فليس له هذه المشكلات.. وعلى المغرب إذا اختارت موريتانيا طريقاً من الطرق أن يكون إلى جانبها بشرط أن يكون حل مشاكلها:
- لا يمسّ شبراً واحداً من الأراضي المغربية.
- ألا يجعل حدوداً أجنبية بين المغرب وموريتانيا.
- لا يمكن لموريتانيا أن تتخذ -كما لا يمكن للمغرب أن يتخذ- تشريعاً داخلياً يجهل أو يتجاهل ما بين الدولتين من اتفاقيات دولية.

وقد نبّه المغرب موريتانيا منذ بدء النزاع على لسان الملك الحسن الثاني بقوله: "إياكم أن تنطلي عليكم الحيلة؛ فالذين يتوددون إليكم هم الذين خلقوا وموّلوا ودرّبوا وسلّحوا من كانوا بالأمس يقتلون أولادكم".

موقف منظمة الوحدة الإفريقية
أحدثت مشكلة الصحراء زلزالا في العلاقات الإفريقية.. حيث فشلت منظمة الوحدة الإفريقية في إيجاد حل لها.. وقد تسبب ذلك في فشل هذه المنظمة الإفريقية.. بسبب الخلاف حول قبول "البوليساريو" عضواً في منظمة الوحدة الإفريقية.. مثلما حدث في القمة الإفريقية في طرابلس ليبيا في أغسطس عام 1982 ميلادية.. في حين أن منظمة الوحدة الإفريقية - التي تأسست في عام 1963 ميلادية بأديس أبابا- كان هدفها حل المشكلات الإفريقية وإيجاد صيغة للتعاون بين الدول الإفريقية.. ولكنها عجزت عن تحقيق هذه الأهداف.. فالقمة الإفريقية التي عقدت في يونيو 1983 ميلادية بأديس أبابا والتي قررت عقد اجتماع لها في كوناكري عاصمة غينيا قد تأجلت.. لا بسبب وفاة الرئيس الغيني الأسبق أحمد سيكو توري.. وإنما لإعطاء القيادة الغينية الفرصة الكاملة في أن تقوم بدور هام في المناقشات مع أطراف النزاع في محاولة لإيجاد حل لمشكلة الصحراء.. باعتبار أن مؤتمر القمة الإفريقي لا يمكن أن يحقق أهدافه إذا لم يتم التوصل لحل للمشكلة الصحراوية ترضى عنه أطراف النزاع.

الموقف الموريتاني
أما الموقف الموريتاني من قضية الصحراء فقد تبلور في إعلان اعتراف موريتانيا بـ"الجمهورية الصحراوية" وجاء هذا الاعتراف في رسالة بعث بها الرئيس الموريتاني الأسبق "محمد ولد هيدالة" إلى محمد عبد العزيز أمين عام البوليساريو.
وقد قوبل هذا الاعتراف بدهشة في الأوساط السياسية لمعرفة السبب الذي دفع موريتانيا للاعتراف بدولة لم تولد بعد، وإن كانت جبهة تحرير البوليساريو.. تطالب بالاستقلال عن المغرب وإعلان دولة خاصة بها هي "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية".

السيادة لها حدود
بموجب اتفاقية مدريد التي وقعت في 14 نوفمبر عام 1975 ميلادية.. فإن موريتانيا قد حصلت على الجزء الخاص بها في الصحراء وهو ما يعرف بمنطقة "تيريس الغربية"، وقد سبق أن أعلنت موريتانيا في عام 1979 ميلادية أنها تنوي التخلي عن الجزء الخاص بها في الصحراء لقيام الجمهورية الصحراوية عليها.

وعلى الفور أعلنت المغرب قرارها قائلة: "إن السيادة لها حدود فيما يتعلق بالمشاكل الثنائية أو متعددة الأطراف ذات الصفة الدولية.. وإن موريتانيا لها أن تشرّع ما تريد في نطاق حدودها الداخلية.. ولا تستطيع التنازل عن الجزء الخاص بها في الصحراء لقيام جمهورية عليها...".

وهذا يفسّر التصريح المغربي بأن المغرب لا يريد أن تفصله حدود أجنبية غير الحدود الموريتانية ـ المغربية.

معبر الإسلام
ظلت الصحراء المغربية هي معبر الإسلام من المغرب العربي إلى القارة الإفريقية وخاصة غرب إفريقيا.. منذ عهد عقبة بن نافع وعبد الرحمن بن حبيب الذي حفر سلسلة من الآبار في هذه الصحراء لتمويل جيوشه بالمياه.. وهكذا استطاع جنوده أن يعبروا الصحراء المغربية وأن ينشروا الإسلام بين القبائل الموجودة بها.. وقد أدى ذلك إلى نجاح القوافل التجارية في أن تسلك هذه الطرق لنشر الإسلام في غرب إفريقيا.

واستمرت الهجرات الإسلامية من العرب وقبائل البربر التي اعتنقت الإسلام.. تتوغل نحو الجنوب إلى أن وصلت إلى السنغال.. كما لعبت بلاد "شنقيط" -موريتانيا- دوراً كبيراً في دفع مسيرة المد الإسلامي في القارة الإفريقية.

المصدر: موقع إسلام أون لاين