(عمر سليمان) والتنحي الثاني

منذ 2012-04-16

"عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء"، وهي حقيقة لا مراء فيها، ولكن هذا لا ينفي أن البعض يمتلك ساعة متوقفة حول لحظة ما مِن الزمن لا تريد أن تغادرها، ومع هذا... يصر صاحبها على ألا ينظر فيها، ولا يعتد إلا بنتائجها!


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن الأقوال المأثورة التي يرددها البعض في مناسبات كثيرة: "عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء"، وهي حقيقة لا مراء فيها، ولكن هذا لا ينفي أن البعض يمتلك ساعة متوقفة حول لحظة ما مِن الزمن لا تريد أن تغادرها، ومع هذا... يصر صاحبها على ألا ينظر فيها، ولا يعتد إلا بنتائجها!

وهذا مِن وجهة نظري: اللواء "عمر سليمان" الذي أظن أن بعض معاونيه أو بعض مَن يخشون أن يزول عنهم "الظهر" الذي كانوا يركنون إليه -قد أشاروا عليه بالنزول استنادًا إلى أنه كان وجهًا مقبولاً مِن الناحية الشعبية قبل "ثورة 25 يناير"-، حيث كانت الخيارات محصورة بين "مبارك" وولده، وقامت الأجهزة المخابراتية بتسريب اسم اللواء "عمر سليمان" كبديل حقيقي في أزمة بوسترات "البديل الحقيقي" التي ملأت شوارع القاهرة أثناء غياب الرئيس المخلوع في إحدى السفريات.

وفي واقع الأمر: أن في هذه اللحظة بالذات لم يكن الشعب قد دفع ثمنًا للحرية، وكان يستجدي "حدأة النظام التي لا ترمي حرية"؛ لكي يأتي لهم بأي أحد غير "جمال مبارك"، ولو كان "مبارك" نفسه! حتى إن البعض مِن رجال النظام، مثل: السيد "عمرو موسى" كان قد صرَّح بأنه إذا ترشح الرئيس "مبارك"؛ فلن يرشح نفسه، في إشارة إلى أنه يمكن أن يرشح نفسه في مواجهة "جمال مبارك".

في ذلك الزمن الذي مضى -والذي يصر السيد "عمر سليمان" على التوقف عنده- كان أي شيء "يرمي به النظام" مقبولاً؛ لأنه يأتي بلا ثمن، وظل النظام يماطل... و"جمال" يخطو كل يوم خطوة جديدة نحو "كرسي الرئاسة" في ظل غضب مكتوم مِن "الجنرال عمر سليمان" الذي كان يرى أنه البديل الحقيقي.

ومع هذا لم يخاطر بمنصبه، ولا بقربه من الرئيس، وبقي يشاهد "البديل الفشنك" وهو يتقدم خطوة بعد خطوة، حتى قامت "ثورة 25 يناير"... حينئذٍ انتبه النظام، ولكن "ساعته" تعاني من تباطؤ يجعل انحرافها عن التوقيت الصحيح يزداد مع الوقت!

خرج "الرئيس المخلوع" ليعلن أن "جمال" لن يترشح في توقيت متأخر، ولو أنه جاء قبل الثورة أو بعد يومها الأول؛ لما كان الآن رئيسًا مخلوعًا "فالحمد لله رب العالمين".

ثم عاد ليعلن أنه لن يترشح، ثم ظن أن "الجنرال" الذي قدَّمه الجهاز الذي يرأسه على أنه "البديل الحقيقي" هو بديل شعبي حقيقي؛ فقدمه كنائب لرئيس الجمهورية، ثم فوَّض كل صلاحياته إليه، ومع هذا استمرت الثورة... مما يعني أن الدماء والتضحيات المبذولة وقتها -وقد تضاعفت بعد ذلك- ثمن كاف لكي يحصل الشعب على مَن هو أفضل مِن البديل للرئيس السابق؛ سواء كان الحقيقي أو "الفشنك".

ومِن ثَمَّ أجبرت الثورة اللواء "عمر سليمان" بصفته نائبًا لـ"مبارك" أن يقرأ بيان التنحي، رغم أن "مبارك" كان مِن الناحية الدستورية الشكلية رئيسًا شرعيًا للبلاد، ولكن قامت ضده ثورة شعبية ملأت الميادين استحال معها أن يستمر في الحكم، وبالطبع كان وما زال هناك بعض الأفراد المحبين للرئيس المخلوع، ولكن هؤلاء النفر لا تقوم بهم الشرعية في ظل الغضب الشرعي الصارم، ومِن ثَمَّ... جاء التنحي.

واليوم يتقدم اللواء "عمر سليمان" للترشح للرئاسة استجابة لمظاهرة قام بها أتباعه يطالبونه بالترشح للرئاسة الذين لم يتجاوز عددهم الألف! وهم بذلك أقل مِن متظاهري "مصطفى محمود" أثناء الثورة؛ ربما لأن الفنانين والفنانات الذين خرجوا يؤيدون "مبارك" ليس لديهم استعداد أن يغامروا بتأييد البديل!

إذن فلماذا يتقدم "الجنرال" كمرشح للرئاسة في وضع مماثل تمامًا للوضع الذي أجبر الرئيس على التنحي، وقرأ هو البيان بنفسه؟!

ولا يمكن في هذا الإطار أن يركن أحد إلى الحق الدستوري في الترشح؛ لأننا نتكلم عن شخص قامت الثورة يوم قامت وهو نائب لرئيس الجمهورية مفوض إليه كل الصلاحيات؛ إذن فقد قامت عليه هو شخصيًا، وأما ما يعد هو به من تحقيق مطالب الثورة... فأمر سبق وأن عرضه يوم أن كان نائبًا، ورفضه الشعب.

ثم إن كل الشواهد تؤكد المثل العربي القائل: "مِن التعذيب تهذيب الذيب"، فالمناورة في إعلان الترشح والتقدم في آخر لحظة، واستخدام أجهزة الدولة في حراسة مواطن مِن المفترض أنه مرشح كسائر المرشحين.

وأشد مِن هذا كله: جمع 40000 توكيل في ليلة واحدة، وهو الذي عجز عن جمعهم في ثلاثة أشهر! والسر أن جمع التوكيلات هذه المرة جاء وفق الطرق القديمة، واسألوا عمال شركات البترول، وشركات قطاع الأعمال يخبرونكم...

وقد جاء رد الفعل سريعًا مِن البرلمان: بمحاولة تعديل قانون "العزل السياسي".

ومِن الشعب: بالدعوة إلى مليونية.

ولكن... انتظر "الرجل الواقف وراء عمر سليمان"، وأن يأتي به مَن أتوا به في أول مرة؛ ليقف مرة ثانية خلف "عمر سليمان"؛ ليعلن تراجعه عن الترشح؛ ليكفي الله البلاد شر العودة إلى "المربع صفر".

فهل يفعلها "عمر سليمان" ويبقى وصندوقه الأسود "رجل المخابرات الغامض" الذي خرج مِن موقعه إلى بيته أم يصر على العودة بنا إلى "المربع صفر"؟!



21 -جماد أول- 1433هـ
12 -إبريل- 2012 م
 

عبد المنعم الشحات

أحد المشايخ البارزين بمسجد أولياء الرحمن بالاسكندرية للدعوة السلفية و منهجه منهج أهل السنة و الجماعه و سلف الأمة من الصحابة و التابعين لهم باحسان