في الغاية الواجبة والأهداف اللازمة

منذ 2012-05-09

بيّن الله تعالى لنا حكمته في أمره وقضائه، وكمال صفاته في آثار أفعاله، حتى نتعرف إليه سبحانه ونحقق العبودية الواجبة له وحده دون من سواه من الأهواء أو الأعيان، فالله تعالى منزه عن النقائص متصف بكل كمال في أسمائه وصفاته وأفعاله، ومن أفعاله الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة..


بعد حمد الله تعالى بما هو أهله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،

إن أفعال الله لا تخلو من الحكمة
فقد بيّن الله تعالى لنا حكمته في أمره وقضائه، وكمال صفاته في آثار أفعاله، حتى نتعرف إليه سبحانه ونحقق العبودية الواجبة له وحده دون من سواه من الأهواء أو الأعيان، فالله تعالى منزه عن النقائص متصف بكل كمال في أسمائه وصفاته وأفعاله، ومن أفعاله الخلق والإيجاد والإحياء والإماتة.
قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190-191].

وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115-116].

يقول الإمام حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله في (معارج القبول):
"أي: أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا إرادة منا ولا حكمة لنا، وقيل للعبث أي: لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} أي: لا تعودون في الدار الآخرة، لا ليس الأمر كذلك إنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل ثم نبعثكم ليوم لا ريب فيه فنجازي كل عامل بعمله إنْ خيراً فخير وإنْ شراً فشر، وهذا يقوله تعالى لأهل النار توبيخاً وتقريعاً وتبكيتاً بعدما رأوا الحقائق عين اليقين، ثم قال تعالى منزهاً نفسه عما حسبوه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} أي: تقدس أن يخلق شيئاً عبثاً فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)". اهـ

يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني:
"إن هذه الجدية الملاحظة في الكون لا تدع مجالاً لتصوُّر اللعب واللهو والعبث. وفي اللحظة التي تسقط فيها تصوُّرات اللعب واللهو والعبث عن هذا الكون تبدأ التصورات الصحيحة الباحثة عن الغايات التي تهدف إليها المقادير العظمى. وهذا هو مفتاح النور لإدراك الحقيقة الدينية التي لم يرد الملحدون أن يدركوها تعنتاً وعناداً واستكباراً ورغبة بالفجور، ولذلك أنكروا الامتحان والجزاء واليوم الآخر، بعد أن جحدوا الخالق جلَّ وعلا، وربما جحدوه لأنهم أرادوا أن يبعدوا عن تصورهم قانون الامتحان والجزاء، لينطلقوا في أعمالهم الفاجرة المجرمة دون خوف من النتائج الوخيمة، والعواقب الوبيلة". (1) اهـ

الحكمة من خلق الناس:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]: "أي: إلا لآمرهم وأدعوهم لعبادتي" ويؤيده قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31] وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البيّنة:5].

يقول شيخنا الفاضل الشيخ محمد حسان حفظه الله ونفع به في (من أنا؟):
قال عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12]، فالغاية هي أن تعرف الله، وأن تعرف أسماء جلاله، وأن تعرف صفات كماله، وأن تعرف قدره وعظمته، وأن تعرف أنك ما خلقت إلا لتوحده، وأنك ما خلقت إلا لتعبده، وأنك ما خلقت إلا لتخشاه وترجوه وتتوكل عليه، وإلا لتخلص العبادة له وحده بلا منازع أو شريك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56-57]. اهـ

ويقول الشيخ خالد بن عبد الله بن محمد المصلح في شرح الأصول الثلاثة:
"وهذا دليل على الغاية من الخلق، وبدأ في الاستدلال بالغاية لكون الله جل وعلا أخبر الخلق بأنه إنما خلقهم ليعبدوه، وليدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وإلا لما حققوا ما من أجله خلقوا، فهو دال على الأمرين: على أن هذا هو الغاية من الخلق، وعلى أن الله أمرهم به، بعبادته وحده سبحانه وتعالى.
وأما كون ذلك أمراً لجميع الناس فلأن هذا هو الغاية من خلق جميع الناس، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أي: إلا من أجل عبادته وحده، واللام هنا لام التعليل وليست لام العاقبة والصيرورة، لأنه من المعلوم أن أكثر الخلق ليسوا على هذا الأمر، ولم يحققوا هذه الغاية، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] وقال تعالى في سورة الشعراء في ذكر القصص: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:8] وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وكل هذه الأدلة تدل على أن اللام هنا لام التعليل الغائية، لا لام التعليل الفاعلة، أي: التي هي للعاقبة والصيرورة، وانظر كيف جاء الخبر عن هذه الغاية بأسلوب النفي والاستثناء الذي يفيد الحصر، وأنه لم يخلقهم لشيء آخر، وإنما خلقهم لهذه الغاية". اهـ

وهذا بيان لقرينة كون اللام هنا تجعل المراد من قوله تعالى: {ليعبدون} أي ليأمرهم بعبادته لا لتحقيق العبادة والتوحيد بالجزم: لأن هناك من لم يعبد الله وأن الله بيّن أن لو كان هذا مراده سبحانه لهدى الناس جميعاً: فكان المراد من قوله {ليعبدون}: ليأمرهم بعبادته ابتلاء لهم فمنهم من يطيعه ومنهم من يجحد.

يقول سعود بن عبد العزيز الخلف في تحقيقه على كتاب (الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار):
"فهذا يدل على أن الخلق خلقوا للعبادة وهي عبادة مطلوبة بالاختيار لا بالإكراه، والحياة جعلت للابتلاء ليظهر الصالح من الطالح كما قال عز وجل: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] فمن تصور هذه الغاية من الخلق وهي العبادة الواقعة بالاختيار وأن الطريق إليها ضمن الابتلاء بالأوامر والنواهي ليظهر الصالحون ويتميزوا ويعرف غيرهم ويتميزوا، من أدرك هذا تمام الإدراك أدرك كثيراً من نواحي حكمة الله البالغة في خلقه الإنسان على هذه الكيفية المناسبة لهذه الغاية، وأدرك الحكمة من خلق وإيجاد الأمور الموصلة للخير من بعث الأنبياء وإنزال الكتب وما إلى ذلك، كما يدرك الحكمة من إيجاد الأمور الموصلة إلى الشر من خلق إبليس والشهوات والأهواء وما إلى ذلك". (2)

تحقيق التوحيد هو العبودية:
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ في التمهيد لشرح كتاب التوحيد:
"هذه الآية -يعني قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}- فيها بيان التوحيد، ووجه ذلك: أن السلف فسروا قوله تعالى: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} بمعنى: إلا ليوحدون، ودليل هذا الفهم: أن الرسل إنما بعثت لأجل التوحيد، أعني: توحيد العبادة، فقوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} يعني: إلا ليوحدون.
وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} هذه الآية فيها حصر؛ لأن من المعلوم أن (ما) النافية مع (إلا) تفيد الحصر والقصر، فيكون معنى الكلام -على هذا-: أني خلقت الجن والأنس لغاية واحدة هي العبادة دون ما سواها. ففيه قصر علة الخلق على العبادة".
ثم قال:
"والعبادة شرعاً: هي امتثال الأمر والنهي على جهة المحبة والرجاء والخوف، وقال بعض العلماء: إن العبادة هي ما أُمر به من غير اقتضاء عقلي ولا اطراد عرفي. وهذا تعريف الأصوليين.
وقال شيخ الإسلام في بيان معناها في أول رسالة "العبودية": العبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة.
فتكون دلالة هذه الآية إذًا: أن كل فرد من أفراد العبادة يجب أن يكون لله وحده دون ما سواه؛ لأن الذي خلقهم إنما خلقهم لأجل أن يعبدوه، فكونهم يعبدون غيره -وهو الذي خلقهم- يعد من الاعتداء والظلم العظيم؛ لأنه ليس من يخلق كمن لا يخلق؛ كما قال -جل وعلا-: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل:17]. اهـ

فتوحيد الله هو الغاية من خلق الناس وهو أجل المطالب وأول ما دعت إليه رسل الله:
والدليل على ذلك من كتاب الله قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
وقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59].
وقوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [الأعراف:65].
وقوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:73].
وقوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:85].
وقوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ. فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 31-32].
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].

وهذا كثير في كتاب الله تقريره ومتضافرة آيات الله في إثباته أن الله إنما بعث رسله بأمره لعباده أن يوحدوه ويعبدوه وحده سبحانه.
ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه الشيخان عن أبي معبد: نافع مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً رضي الله عنه على اليمن، قال: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم...» إلى آخر الحديث.

قال الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري:
"وقوله -أي البخاري رحمه الله-: "إلى أن يوحدوا الله تعالى" ذكره في الزكاة بلفظ: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله».
وفي رواية «فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم...» الخ.
وفي أخرى: «فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله».
وفي رواية لمسلم: «فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله -عز وجل- فإذا عرفوا الله فأخبرهم...» الخ.
وهذه الروايات متفقة في المعنى.
فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله: توحيد الله بالعبادة، والبعد عن عبادة ما سواه، وهذا هو الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، الذي قال الله تعالى فيه {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]" اهـ

ختاماً:
1- أن الله تعالى متصف بكل كمال ومنزّه في أفعاله عن العبث والباطل، فأفعال الله من مقتضى الحكمة المطلقة التي هي صفة ذاته عز وجلّ، فلا يصدر عن الله إلا كل كمال في قضائه وحكمه وأمره ونهيه وما قدّر على عباده، من خلق وتكوين وتصوير ورزق وإحياء أو إماتة وعطاء أو منع وضر أو نفع وخفض أو رفع وإعزاز أو إذلال وتوفيق لهداية أو خذلان إضلال، فلا يقع من الله في كل ذلك وغيره من فعله جلّ وعلا وهو الفعال لما يريد إلا من مقتضى العلم والإحاطة والحكمة ولا يقضي الله تعالى في كونه إلا بعزته عن خلقه مؤمنهم وكافرهم وقدرة على الخلق والإيجاد والتدبير وعلم محيط بالصغير والكبير.

2- أن الله تعالى بيّن لنا مراده من خلقه للسماوات والأرض والجن ولإنس، وهو أمرهم بتوحيده وابتلائهم بالأمر والنهي فيظهر منهم المطيع والعاصي والمؤمن والكافر كما قال تعالى: {الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 1-6].

3- أن توحيد الله تعالى وتحقيق العبودية له عز وجلّ هو غاية المطالب وأجلها، لا كما يقول البعض من أن الله تعالى خلق الخلق لعمارة الأرض وغير ذلك من الغايات التي لم ينزل الله بها كبير حجة، ولو كان ذلك من أمر الله لكان تحقيقه بما شرع الله لعباده: فإن صلاح الدنيا والبلاد والعباد إنما يكون بتحقيق العبادة لله تعالى كما بين سبحانه مما سبق التفصيل فيه: قال تعالى في سورة الأعراف: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...} [الأعراف:96] فهذه عمارة الأرض؛ بالإيمان والتقوى: {...وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: 96-98] وهذا فسادها: فما من عمل يعمله ابن آدم أو أمر يعلمه إلا وفيه لله نصيب فهو ما خلقه لأجله، أو نصيب لغيره وهو ما يعاقبه عليه.


كريم محمود القزق

20 من ربيع الأول لعام 1433 هـ
12 من فبراير لعام 2012 م

_______________________________
(1) صراع مع الملاحدة حتى العظم - عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (المتوفى: 1425هـ) - الناشر: دار القلم، دمشق- الطبعة: الخامسة، 1412 هـ - 1992 م
(2) "الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار" - المجلد الثاني - حاشية ص 459 - لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي (المتوفى: 558هـ) تحقيق: سعود بن عبد العزيز الخلف - الناشر: أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية- الطبعة الأولى، 1419هـ/1999م
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام