ألم يأن للسوريين أن يؤمنوا أنه لن يحصل تدخل عسكري في سورية؟؟!

منذ 2012-05-09

منذ أشهر عديدة والسوريون في مظاهراتهم ينادون ويصرخون، ويطالبون المجتمع الدولي بالتدخل العسكري، لحمايتهم من بشار وجنوده، ويطالبون بحظر جوي وإنشاء منطقة عازلة أو آمنة، أو ممرات آمنة لإيصال أبسط مقومات الحياة للمحتاجين والمنكوبين والمشردين...


منذ أشهر عديدة والسوريون في مظاهراتهم ينادون ويصرخون، ويطالبون المجتمع الدولي بالتدخل العسكري، لحمايتهم من بشار وجنوده، ويطالبون بحظر جوي وإنشاء منطقة عازلة أو آمنة، أو ممرات آمنة لإيصال أبسط مقومات الحياة للمحتاجين والمنكوبين والمشردين، وقد أكد المجلس الوطني مرات عديدة على هذه الطلبات، وطالب مجلس الأمن، وطالب الجامعة العربية، وتم رفع الملف السوري إلى مجلس الأمن وتم تدويله، كما طالبت الجامعة العربية، مجلس الأمن بالتدخل العسكري، وقد سمعتها شخصيًا من مندوبها في اسطانبول في مؤتمر المعارضة أواخر شهر آذار، بأن الجامعة قد تقدمت بطلب التدخل العسكري تحت البند السابع، الذي ينص صراحة في مادته 42 على ما يلي:

"إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تف جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، أو لإعادته لنصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة".

وقد يتساءل البعض -ويصل بهم إلى حد الاتهام والهجوم على بعض المسؤولين العرب أو سواهم، لماذا هذا التذبذب في التصريحات والتغير في المواقف العربية والدولية صعودًا وهبوطًا؟ الذي أستطيع أن أثبته يقينا -لا يشوبه شك- من خلال متابعتي، ومراقبتي للثورة السورية طوال أربعة عشر شهرًا: أن الإنسان -أيا كان جنسه أو دينه- الذي يحمل تحت إهابه العضوي الهيكلي مشاعر وعواطف وضمير وقلب لا بد أن يتأثر بمناظر القتل والدم المسفوح، فينطلق بشكل لا إرادي في التعبير عن الغضب والحنق على من يمارس القتل، وفي لحظة هذا الغضب البشري الطبيعي يهدد ويتوعد، وقد يكون صادقًا مخلصًا كما حصل مع أردوغان ومنذ الشهر الأول لانطلاق الثورة، حيث أعلن أنه لن يسمح بحصول مجزرة أخرى كالتي حصلت في حماة عام 1982.

لكن القيادة العليا التي تحكم العالم اليوم لا تملك في طياتها هذه المشاعر والأحاسيس، ولا هذا القلب الرؤوف الحنون، إنها قيادة حجرية ترابية قاسية، لا تؤمن إلا بمصلحتها المادية، ولذلك تصدر أوامرها مباشرة لهذا الغاضب أن يسكت فيسكت لأنه: (جبان أو ضعيف) يغلب مصلحته الخاصة، على مشاعره وعواطفه، وتمضي أيام وأسابيع والدماء لا تزال تجري، فيغضب مرة أخرى هو أو غيره، ويهدد ويتوعد.. فيأتيه التوبيخ والتعنيف، فيسكت مرة أخرى.. وهكذا دواليك...

وآخر هذه القصص المضحكة المبكية: تصريح القيادة التركية -قبل أو بعد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، الذي عقد على أراضيها منذ شهر- أنها ستقيم حزامًا أمنيًا على الشريط الحدودي مع سورية، لحماية المدنيين بشكل انفرادي، وبدون موافقة مجلس الأمن عقب المؤتمر مباشرة، ومضى شهر ولم يحصل شيء ولن يحصل شيء للسبب المذكور آنفاً..!

ولكن هل حقوق الإنسان العربي المسلم مكفولة في ميثاق الأمم المتحدة؟ حسب صياغة هذا الميثاق المفروض أنها مكفولة، لأنه لا يتضمن تفريقًا بين إنسان وإنسان، غير أنه على أرض الواقع الأمر مختلف، لأن الذي يسيطر على الأمم المتحدة أمريكا ظاهريًا وعمليًا، وفعليًا وباطنيًا إسرائيل هي المسيطرة.. وبما أن إسرائيل مرتاحة مع نظام بشار، وتعيش في أمان واطمئنان منذ أربعين سنة، فلماذا تقبل بتغييره؟ ليأتي نظام يزعجها ويُصَدِع رأسها، ويجعلها تعيش في قلق وهم وحَزَن، وتخسر جنودها وأموالها؟!

وقادة أمريكا يتعاهدون ويتواصون منذ قديم الزمان، على الحفاظ على أمن إسرائيل واستقرارها، ولهذا لن يقدموا على المخاطرة بتغيير النظام، غير أنهم خبثاء وأبالسة، فليخدعوا المساكين والسذج والمغلفين، يصرحوا كل فترة تصريحات (خنفشارية عنترية) بأنهم وحلفاءهم يسعون إلى مساعدة الشعب السوري في التخلص من نظام الأسد، وبأنهم سيمارسون عليه كل الضغوط السياسية والاقتصادية لإجباره على الرحيل، وحينما لا يتحقق شيء يتعللون ويتحججون بموقف روسيا والصين، الرافضين إصدار أي قرار من مجلس الأمن، يجيز التدخل العسكري لحماية المدنيين أو إقامة ممرات آمنة، أو حظر جوي أو سواه...

والطفل الصغير في العالم أجمع يعرف ويعلم: بأن أمريكا إذا أرادت شيئًا ما لا مجلس الأمن ولا روسيا ولا الصين، ولا أي دولة في العالم تستطيع الوقوف في وجهها أو منعها، إنها القرصان الأكبر، وأبسط الأمثلة والتي يراها كل إنسان يوميًا، ومنذ عشرة أعوام أو يزيد، أنها تصول وتجول في باكستان واليمن علاوة على أفغانستان، وتضرب الناس الآمنين بالطائرات، وتقتلهم وتهدم بيوتهم، كما قتلت العام الفائت زعيم القاعدة الشيخ أسامة -رحمه الله- بدون تفويض من مجلس الأمن.

إذًا لن يحصل تدخل عسكري في سورية يقينًا، ولو طالب الشعب السوري كله، والمعارضة كلها، ومن ورائهما الجامعة العربية يوميًا وبإلحاح ومناشدة فلا مجيب.. لأن هذا يمس أمن إسرائيل وهذا خط أحمر..! هل فهمتم؟ أيها السوريون الأبطال المحسودون، المتكالبة عليكم قوى الأرض لتقهركم وتذلكم، لأنها تخاف منكم، أنه: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [نجم: 58].

وليس لكم إلا الاعتماد على الله القوي المتين، الذي وعدكم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم «...لا يضرهم من خذلهم...» (صحيح الجامع: 7290). ثم الاعتماد على الجيش الحر وجعل الثوار كلهم جيش حر، بحيث يفوق عدده عدد الجيش الأسدي، ومن ثم يصبح الشعب كله جيش حر، وحينما تلوح أمارات النصر قد يفكرون بالتدخل لأجل أن يخطفوا ثمرة النصر منكم، ويمُنون عليكم أنهم هم الذين نصروكم..! {...قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ...} [المنافقون: 4].


د. موفق مصطفى السباعي
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام