فلنمح العار عن جبين سوريا

منذ 2012-05-13

إن الحقيقة القاسية التي نستحي منها كسوريين هو: تساؤل العالم الحر حولنا: من هم هؤلاء الذين يفعلون بكم هذه الأفعال الوحشية الهمجية البربرية، التي أعادت ذاكرة العالم قروناً أو عشرات القرون للوراء؟ ماذا نجيب؟ إنهم ليسوا عدواً خارجيًا غازياً من وراء البحار..!



في مقالات سابقة تحدثت عن الوجه المشرق للثورة، ثم عن مواقف سلبية كشفتها الثورة السورية، وفي هذا المقال سأسلط الضوء على الوجه الداكن المظلم المخزي، الذي كشفته الثورة لشريحة من السوريين، وليبقى الهدف دائماً هو عدم دفن الرأس بالرمال ومعاينة الحقيقة مهما كانت مُرَة، ثم مباشرة الإصلاح...

إن الحقيقة القاسية التي نستحي منها كسوريين هو: تساؤل العالم الحر حولنا: من هم هؤلاء الذين يفعلون بكم هذه الأفعال الوحشية الهمجية البربرية، التي أعادت ذاكرة العالم قروناً أو عشرات القرون للوراء؟ ماذا نجيب؟ إنهم ليسوا عدواً خارجيًا غازياً من وراء البحار..! إنهم منا عرب سوريون..! ويا ويح العروبة كم لحق بها من الخزي، ويا لعار السوريين وفضيحتهم وسواد وجوههم، إنهم فئة اغتصبت السلطة عشرات السنين تتنعم بتسع أعشار خيرات البلاد، وتدع العشر للبقية كي يتقاسمه ملايينهم مع كؤوس الذل والقهر، وألوان العبودية والإقصاء، ثم التنكيل والقتل والنفي لمن حاول التململ، ولما اشتم بعضهم عبق الربيع العربي، ورأوا كيف هب جيرانهم في وجه حكامهم قائلين: "خذوا ما سرقتم واغربوا عن وجوهنا ولن نتعقبكم" فقبل أولئك العرض وكان ثمن الحرية معقولاً.

عندها طمعوا بأقل من ذلك -بعض الإصلاحات- عرضوا طلبهم بألطف طريقة: سلمية -سنة وعلوية- فماذا كان الرد؟ أجمعوا كيدهم وحشدوا جندهم وصبوا حقدهم اللا مبرر على شعب أعزل، فحاصروه شهوراً ليمنعوا عنه الغذاء والدواء، وأحياناً الماء والكهرباء، ثم قصفوه عن بعد بالمدافع والدبابات وراجمات الصواريخ، ثم أكملوا بالطائرات والأسلحة الكيماوية والغازات السامة والمواد المشعة، فانهارت البيوت على رؤوس ساكنيها من أطفال وشيوخ ونساء، ومنعوا الجرحى من العلاج، والأموات من الدفن، وسالت الدماء في الأزقة، وعلا صراخ الأطفال ونحيب الثكالى والأيامى واستغاثات الشيوخ..، وكل هذا لم يشف لهم غليلاً، فبحثوا عن أساليب أخرى لنشر الموت يشعرون فيها باللذة وري الغل، شحذوا سكاكينهم وأغاروا على البيوت ليذبحوا الرضيع أمام أمه كما تذبح الخراف، ثم تغتصب البنت أمام أبيها وإخوتها، والأم أمام زوجها وأبنائها، ثم يُذبَحوا جميعاً أمام بعضهم البعض.

ومع كل هذا لم يرتووا وظلوا يبحثون عن طرق أخرى يفرغون ما وارته قلوبهم من حقد ولؤم، فصبوا البنزين فوق الضحايا وهم أحياء وأشعلوا فيهم النيران، وقبل أن تأتي النار على كل الجسد قاموا بنحرهم بالسكين ليجمعوا بين لذتين: (لذة حرق الأحياء، ولذة الذبح) أما الجرحى فلم تعرف البشرية أكثر منهم وحشية في معاملة الجرحى، فالجريح في نظرهم مجرماً مهما كانت الطريقة التي أصيب بها، فقد يكون موالياً لهم جاءته رصاصة طائشة وهو في متجره، لذا اعتاد الناس أن يخفوا جرحاهم عن أنظار الأمن وكأنهم يخفون صندوقاً من المتفجرات، فإذا عثر الأمن على جريح أثناء حملات الدهم والتفتيش قاموا بحرق البيت واعتقال من فيه، ثم سلموا الجريح إلى مشافيهم التي تضم جمعاً من الممرضات والأطباء يمتلكون من القسوة والوحشية أضعاف ما يمتلكه جنودهم، فإذا صار بين أيديهم قاموا بصب الأحماض أو الماء الساخن فوق الجرح، أو صعقه بالكهرباء وإذاقته ألف موتة قبل أن يموت.

وأما سجونهم: فلو أن للشيطان أمنية لتمنى أن يطوى له الزمن، ليعلم قبائل الهمجية الأولى جزءاً مما برع به هؤلاء في فنون التعذيب الوحشي من صعق بالكهرباء إلى اقتلاع الأظافر وإطفاء السجائر، والحرق بالأحماض وتمطيط الفقرات على أجهزة خاصة حتى ينكسر العمود الفقري.. والشبح لساعات كما تشبح الشاة، وسلخ الجلود، وقطع الأعضاء التناسلية، وثقب الجسد بالمثاقب الكهربائية ودق المسامير و... وغيرها مما يصعب إحصاؤه، ولعل المشهد الذي لا أجد في قاموس اللغة كلمات لوصفه: هو كيف تهيج شهوة أحدهم في هذا الكهف الجهنمي من الدماء ورائحة شواء الآدميين، وروائح مخلفاتهم التي تخرج منهم في غيبوبتهم تحت التعذيب، ليغتصب هؤلاء المدنفين الذين تَنِزُ جراحهم وينتشي ويلتذ بما يفعل؟!

أي نوع من البشر هؤلاء؟ والله إن يدي ترتعش وأنا أصور جزءاً من هذه المشاهد التي يعجز البيان عن الإحاطة ببعضها، لعمري لو كانت نظرية داروين صحيحة لجزمنا بأن هؤلاء قوم لم يكملوا تطورهم إلى الإنسانية بعد..! ولكن الحقيقة الصادمة الصاعقة أنهم جزء من النسيج السوري، يعيشون معنا فوق أرض واحدة يشاركونا ماءها وهواءها، هم لم يأتوا من وراء البحار، فما الذي جعلهم دون غيرهم في هذه الدركات الهابطة التي تحتاج سلالم عملاقة حتى ترقى بهم إلى مرتبة البهائم والوحوش الضارية؟!

لنكن صريحين معظمهم من العلويين، وهناك سنة وبينهم طوائف أخرى، وأبرز ما جعلهم بهذه الصورة هو مجموعة عقائد فاسدة أرضعتهم الحقد واللؤم مع حليب أمهاتهم، إضافة إلى بيئات مغلقة يسودها الجهل والتخلف في رؤوس الجبال، أو في القرى النائية -لبعض الشوايا- التي لم تصلها إشعاعات الحضارة والتطور، وبعض المرضى النفسيين والعقليين من خريجي السجون وعتاة المجرمين.

كم هي مهمتنا شاقة بعد الثورة لنغير هذا الوجه المخزي.. ولأننا مختلفون لا نحمل الحقد والضغينة صار لزاماً علينا أن نفعل الكثير من أجلهم أياً كانت طائفتهم، نريد أولاً أن نشعرهم بفداحة إجرامهم بعد القصاص العادل من كل من اقترف الجرائم، وأن يحسوا بالخزي والعار من أفعالهم ومعتقداتهم كما فعل النازيون الألمان حتى تتحرر أجيالهم الشابة من تلك العقائد الخطيرة، ولو إلى اللا دينية والتي نجحت في أوروبا في تقديس الكرامة الإنسانية..

علينا فيما بعد أن نزورهم في قراهم ونحسن حوارهم وجوارهم، ونرسل المعلمين ونبني هناك نوادي ومشاريع سياحية واقتصادية تعمل على تطويرهم وتنويرهم، وتثقيفهم وخرطهم في المجتمع السوري كمواطنين صالحين بعد أن عمل نظام الأسد لعقود على عزلهم ليحافظ على بدائيتهم وجهلهم وعقائدهم -التي تؤهبهم للعيش في القرون الوسطى- كي يسهل عليه سوقهم كقطعان البهائم لتثبيت نظام حكمه، وليخوضوا معه حرباً قذرة لن تعود عليهم إلا بالويل والثبور إن لم نرحمهم ونأخذ بأيديهم إلى واحة الحضارة.

توضيح: أنا أقصد بمن نحسن حوارهم وجوارهم الفئة التي وقفت على الحياد، أما غيرهم فالجزاء من جنس العمل، وسنسقيهم من نفس الكأس التي أشربونا.


د. ميمونة جنيدات
 

المصدر: نور سورية