حضانة الأيتام وكفالتهم وما يترتب عليها من أحكام

منذ 2012-05-26

خلّفت عمليات القتل والتصفية والتهجير التي قام بها النظام المجرم في سوريا وأتباعه عدداً من الأطفال الرضع الذين لم تعرف أنسابهم، وقد قام أهل الخير بكفالتهم وحضانتهم، وهم يسألون عن حكم التبني في الإسلام وتسجيل هؤلاء الأطفال في قيود الذين يقومون بكفالتهم ونسبتهم إليهم، فما توجيهكم في ذلك؟ ..


السؤال:
خلّفت عمليات القتل والتصفية والتهجير التي قام بها النظام المجرم في سوريا وأتباعه عدداً من الأطفال الرضع الذين لم تعرف أنسابهم، وقد قام أهل الخير بكفالتهم وحضانتهم، وهم يسألون عن حكم التبني في الإسلام وتسجيل هؤلاء الأطفال في قيود الذين يقومون بكفالتهم ونسبتهم إليهم، فما توجيهكم في ذلك؟


الجواب:
الحمد لله الذي وصف عباده بقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 15]، والصلاة والسلام على رسوله وعبده نبيّ الملحمة، وبعد:
نعم، لقد بلغت جرائم العصابة الأسدية مبلغها، سفكًا لدماء الأبرياء وانتهاكًا للأعراض والمقدسات.. وقد خلَّف هذا الإجرام عديدًا من الأطفال الأيتام والرضَّع الذين فقدوا والديهم وأقاربهم، ومنهم من ضاعت أنسابهم.
وإن من أبواب الإحسان في شريعة الإسلام حضانة الأيتام وكفالتهم، وذلك بتربيتهم تربية إسلامية صالحة، وتعليمهم فرائض الدين وآداب الشرع وأحكامه، والقيام بحقوقهم من توفير الغذاء، واللباس، والتعليم، والعلاج، ونحو ذلك.
وقد ثبت في السُّنة المطهَّرة عظم أجر كفالة اليتيم، كقوله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» (أخرجه البخاري).
أي أن كافل اليتيم مع النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الجنة قريب منه.


وهذه بعض الأحكام نذكِّر بها عموم المسلمين في هذه المسألة:
أولاً: لا يجوز لكافل الطفل أن ينسبه لنفسه، فهذا هو التَّبني الذي حرَّمه الإسلام وأبطله، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب:4]، فلا يجوز أن يقول: هذا الولد ابني، أو ينسبه لنفسه فيسجله في الأوراق الرسميَّة على أنه ابنه، لأن الله أمرنا بنسبتهم إلى آبائهم، فقال: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}، أي إذا علمتم آباءهم {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]، وقد ثبت في السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» (متفقٌ عليه).


فإذا قيل: لمن ننسِب هذا الولد؟
الجواب: إذا لم يُعلَم أبوه ونسبه يمكن أن يوضع له نسب عامٌ يميِّزه، كأن يقال: فلان ابن عبد الله، والدته: أمةُ الله. ونحو ذلك، لأجل تيسير أموره ومعاملاته إذا كبر.

ثانياً: أن هذا الطفل أجنبيٌّ، فلا يثبت التوارث بين الطفل المكفول والشخص الكافل.

ثالثاً: ولأنه أجنبيٌّ كذلك، فلا تجري على هذا الطفل أحكام التحريم بالقرابة، فيجبُ حجبه عن الأسرة (الأم والبنات) عند البلوغ. فإذا أرادت الأم أن تحرِّمه عليها وعلى بناتها ليظهروا عليه إذا كبر، فإنها تُرضعه خمس رضعات مُشبعات -إذا كان عمر الطفل أقل من سنتين- يصير بها ابنًا لهذه الأم وأخًا من الرضاعة لبناتها، لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» (متفقٌ عليه).

رابعاً: إذا وُجد مع الطفل مالٌ أُنفق عليه منه، وإذا لم يوجد معه مال أنفق عليه من كفله إن كان يستطيع، وإلا فيجب على بقية المسلمين إعانته.

خامساً: ينبغي أن يكفل اليتيم رجلٌ عدلٌ صاحب خلق ودين، ولا ينبغي أن يكفله من كان متهمًا في دينه أو خلقه؛ لأن المقصود بالحضانة حفظ المحضون في دينه وخلقه والقيام بمصالحه.
نسأل الله أن يحفظ هؤلاء الأيتام بحفظه، وأن يقيض لهم من يحنو عليهم ويحسن تربيتهم، وأن يرحم آباءهم وأمهاتهم، وأن يجعل فرج هذا الشعب المظلوم عاجلاً قريباً. آمين.

 
المصدر: هيئة الشام الإسلامية