العلماء ودورهم في نصرة أهل الشّام

منذ 2012-05-27

نحن إذ نقدّر ما قام به علماء الإسلام اليوم نحو إخوانهم في بلاد الشّام جماعات وأفرادًا، إلاّ أنّ ذلك لم يسقط الواجب عنهم حتى يتحقّق النّصر -بإذن الله- لإخواننا المضطهدين المستضعفين المبغيّ عليهم من قبل جحافل النّظام السّوريّ، المتسلّط على رقاب العباد...


إنّ أرض الشّام تكتسب أهمّيتها من البركة الإلهيّة التي حباها الله بها في مواضع من القرآن الكريم:
أ‌- {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
ب‌- {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137]، وبنو إسرائيل أورثوا مشارق، ومغارب بلاد الشّام.
ج‌- {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 71].


وفيها نصوص نبويّة متواترة تدلّ على هذه المكانة السّامية:
أ‌- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» (رواه البخاري).

ب‌- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُؤَلِّفُ القُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِلشَّامِ، فَقُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا» (رواه الألباني)

ج‌- عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشّام، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: "خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ"، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشّام، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشّام وَأَهْلِه» (رواه أبو داوود).

هـ‌- عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشّام فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» (رواه الترمذي)، وجاء في بعض الرّوايات هم بالشّام.

وهي مهبط الأنبياء، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها أرض المحشر، وفيها يتمحور الصّراع العالميّ، وينزل عيسى بن مريم في آخر الزّمان بالشّام فيجتمع معه المؤمنون لقتال الدّجال، وهناك يقتله المسيح عليه السلام بباب لد.

هذه الأرض المباركة اليوم يعيش في جانبها الغربيّ الفلسطينيّون تحت الوطأة اليهوديّة الغاصبة المستندة إلى المعسكر الصّليبيّ الحاقد، ومن جانبها الشّرقيّ السّوريّ تحت وطأة النّصيريّة الباطنيّة المارقة المرتدّة المستندة إلى المعسكر الصفويّ الفارسيّ، وبين هذين القطبين العدوّين للإسلام والمسلمين تكمن الكارثة الجاثمة على صدور أبناء الشّام جند الله في أرضه وطلائع الطّائفة المنصورة، كما صحّ بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا تبيّن لنا أهميّة بلاد الشّام، وما تكتسبه من مكانة محوريّة في تاريخ الصّراع بين الحقّ والباطل؛ فإنّ الأمّة الإسلاميّة قد تحتّم عليها اليوم أن تقوم بواجب الوقت وفريضة الزّمان في نصرة الشّام وأهله.
وإنّ ما يمارسه اليوم النّظام الطّائفيّ النّصيريّ بأهلنا في بلاد الشّام ليؤكّد لنا مدى الحقد والعداوة التي يكنّها هؤلاء الباطنيّة نحو المسلمين في كلّ مكان وزمان، أسوة بأسلافهم في غابر الأزمان.
ولا ريب أنّ مسؤوليّة العلماء الرّبانيّين تأتي في المقدّمة؛ لِما أناط الله بهم من البيان وإقامة الحجّة على العباد، ولِما يقع على عاتقهم من التّبعات التي لا تعفي أحدًا من فريضته القيام لله بنصرة دينه، وإعلاء كلمته، {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، ونحن إذ نقدّر ما قام به علماء الإسلام اليوم نحو إخوانهم في بلاد الشّام جماعات وأفرادًا، إلاّ أنّ ذلك لم يسقط الواجب عنهم حتى يتحقّق النّصر -بإذن الله- لإخواننا المضطهدين المستضعفين المبغيّ عليهم من قبل جحافل النّظام السّوريّ، المتسلّط على رقاب العباد، الذين يسومون النّاس سوء العذاب، لا يرحمون شيخًا، ولا عجوزًا، ولا امرأة، ولا طفلاً، ولا يرعون حرمة لدماء أو أموال أو أعراض، شأنهم في ذلك شأن اليهود والمشركين في الإيغال في العداوة والبغضاء؛ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].

وإذا كان من شيء نذكر به في دور العلماء وما يلزم، ويتوجّب عليهم نحو هذه الكارثة الإنسانيّة التي تعصف ببلاد الشّام فيمكن أن نجمله في الآتي:

أولاً: كشف وفضح المخطّطات الباطنيّة الرافضيّة لجميع أبناء الأمّة الإسلاميّة؛ حتى يتبيّن لهم حقيقة هؤلاء الأعداء، وما يكنّونه من مكر وخداع وتضليل للمسلمين، مع بيان تاريخ هؤلاء المخزيّ، وما أقدموا عليه من نكاية بهذه الأمّة، قديمًا وحديثًا، وما يبيّتونه من الدّسائس والمؤامرات الجليّة والخفيّة، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيي عن بيّنة.
فالبيان والبلاغ المبين اليوم، لا مناص عنه، ولا يجوز أبدًا أن يكون في ذلك أدنى مواربة أو تستّر على هؤلاء المجرمين، أو إيجاد أيّ مسوّغ شرعيّ أو قانونيّ لما يقومون به من أعمالهم النّكراء، وجرائمهم الشّنعاء.

ثانيًا: دعوة المسلمين كافّة إلى نصرة إخوانهم في بلاد الشّام، بكلّ ما يقدرون عليه ماديًّا، ومعنويًّا، وتحميل الأنظمة العربيّة والإسلاميّة، مغبّة السّكوت على جرائم هذا النّظام، وخطر ذلك على الأمّة بأسرها؛ إذ السّكوت والتّغاضي عن هذه المأساة يُعدّ -بحدّ ذاته- نوعًا من أنواع التّواطؤ مع هذا النّظام! ومن متطلّبات هذه النّصرة:
1- قطع العلاقات مع هذا النّظام الإجراميّ، وطرد سفرائه كأقلّ واجب للتّعبير عن رفض هذه الغطرسة الإجراميّة.
2- استعمال جميع الوسائل القانونيّة التي تبرز أعمال هذا النّظام، في المحافل كافّة وممارسة جميع وسائل الضّغط، وإسقاط الشّرعيّة عنه حتى يتهاوى، ويرحل غير مأسوف عليه، ويسقط كما سقطت أنظمة دكتاتوريّة قبله.
3- الدّعم الماليّ والإعلاميّ للمجاهدين في سبيل الله، مع إيصال السّلاح إليهم ليدافعوا عن أنفسهم، وهو حقّ كفلته لهم الشّريعة الإسلاميّة، وسائر النّظم والقوانين البشريّة.
4- نشر قضيّتهم إعلاميًّا، والتّذكير بأبعاد هذا المخطّط الفارسيّ المجوسيّ الذي يستهدف المنطقة بأسرها لا الشّام فحسب؛ بل يتعدّى ذلك إلى الخليج واليمن وسائر البلاد الإسلاميّة.
5- فتح المجال وإقامة الهيئات الشّعبيّة في سائر البلدان لنجدة المظلومين، وجمع التبرّعات لهم عن طريق هذه الهيئات، والمنظّمات والجمعيّات الخيريّة للقيام بحملات الإغاثة للمنكوبين من اليتامى، والثّكالى، و الجرحى وسائر المتضرّرين.

ثالثًا: دعوة أبناء الشّعب السّوريّ إلى توحيد الصّفوف وجمع الكلمة، وتضافر الجهود، وتوجيهها للتّخلص من هذا النّظام الجبروتيّ، مع حثّهم جميعًا على الاعتصام بحبل الله جميعًا، وعدم التّنازع عملاً بقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
فعلى الجميع من أبناء الشّعب السّوريّ مدنيّين وعسكريّين، أن يبذلوا قصارى جهدهم لإسقاط النّظام السّوريّ، وإلحاق الهزيمة به، حتى يذهب إلى مزبلة التّاريخ كما ذهب أسلافه.

رابعًا: إصدار بيان واضح من علماء الإسلام كافّة يؤكّد فيه على انعدام الشّرعيّة عن النّظام السّوريّ باعتباره نظامًا نصيريًّا باطنيًّا مارقًا عن الدّين، لا يستند إلى أيّ صفة شرعيّة أو قانونيّة.
خامسًا: ضرورة التّذكير بنصر الله وتأييده، والصّبر على منازلة هذا العدوّ الغاشم، موقنين بأنّ نصر الله قريب، وأنّ مع العسر يسراً، مع بعث الأمل في نفوس المؤمنين وتنشيط عزائمهم مذكّرين بقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وبقوله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104].

سادسًا: بيان أهميّة بلاد الشّام من جهة محوريّة الصّراع بين الحقّ والباطل، وما يتعلّق بذلك من الملاحم في آخر الزّمان، وما قد يكون لهذه الأحداث من إرهاصات تبشّر ببزوغ فجر الإسلام، كما جاء في حديث أبي الدرداء إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى فُسْطَاطُ الْمُسْلِمِينَ، بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ، فِيهَا مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ، خَيْرُ مَنَازِلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ» (رواه الآلباني).
وقد أكّد لنا التّاريخ ما وقع على أرض الشّام من صراع بين المسلمين والصّليبيّين، وما قام به أهل الشّام من ردّ هؤلاء الغزاة المعتدين، وكذلك ما وقع من التّتار على أرضها، وما فعلوه من دمار وخراب أدّى بعد ذلك إلى انتصار جند الله عليهم.
فبلاد الشّام إذًا ساحة للصّراع الحضاريّ قديمًا وحديثًا ومستقبلاً.

سابعًا: بيان خطورة التّعاون مع هذا النّظام من قبل الجيش أو الأمن أو بقيّة أفراد المجتمع السّوريّ بأيّ شكل من الأشكال، وأنّ ذلك التّعاون ممّا حرّمه الله لما فيه من التّعاون على الإثم والعدوان، وممالأة الظّالمين؛ {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17]، {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} [القصص: 86].
والواجب على أهل القوّة في سورية أن يقوموا بحماية أهاليهم، والذبّ عن دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، ونصرة دينهم.

ثامنًا: حثّ المسلمين في كلّ مكان على نصرة إخوانهم المظلومين عملاً بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، كلّ بما يقدر عليه، ومن ذلك إقامة المظاهرات، والمؤتمرات، والمسيرات التي تحرّك القضيّة لدى الشّعوب للتفاعل مع هذه الأحداث، والدّعوة إلى التّوبة إلى الله من جميع الذنوب، وتذكير المسلمين بإقامة الدّين وتحكيم شريعة الله مع التّذكير بأهميّة الدّعاء، والقنوت في الصّلوات، سائلين من الله تعالى أن يعجّل بالفرج لإخواننا المظلومين في بلاد الشّام، وفي سائر البلدان.

وحسبنا الله ونعم الوكيل.
و الله غالب على أمره، ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.


د. محمد بن موسى العامري
 

المصدر: موقع الإسلام اليوم