موسم عودة أذناب مبارك من جديد

منذ 2012-06-15

الفلول لم يتحركوا فقط عبر أجهزة ووسائل الإعلام ولكنهم تحركوا في العديد من أجهزة المحليات التي يسيطرون عليها بصورة واضحة، فوفق ما تذكره الأنباء فإن هناك حملات استقطاب يتم ممارستها داخل المصالح الحكومية لحث الموظفين على التصويت لشفيق، بل إن مؤسسات عمالية خاصة رهنت صرف مكافآت موظفيها بالتصويت لشفيق.


مع بدء جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة بدأت تطفو على سطح المشهد المصري وبقوة عودة بقايا نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك المعروفين في أوساط الرأي العام بـ"الفلول" وهي العودة التي تترافق مع خوض المرشح الرئاسي أحمد شفيق لجولة الإعادة، والذي يحسبه الحراك المصري على النظام المخلوع، كونه قد تولى أكثر من منصب إبان النظام السابق، كان آخرها رئاسته للوزراء طوال الأيام الثمانية عشر لثورة 25 يناير، فضى عن أن عهده شهد ما يعرف ب"موقعة الجمل" التي راح ضحيتها العشرات ما بين قتلى ومصابين جراء العدوان على المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير مطلع فبراير من العام الماضي.


هذه العودة لفلول النظام المخلوع ظهرت بشكل واضح في أجهزة ووسائل الإعلام المصرية، والتي استضافتهم كمعبرين عن وجهة النظر الأخرى، والداعية لأحمد شفيق، وهم البقايا الذين تنوعوا بين صعود للمشهد السياسي بوجوه جديدة، وبين تبعية واضحة له ، ليعودوا هذه المرة تحت مظلة يدركها الرأي العام المصري بأنها خلفية للحزب الوطني "المنحل"، في الوقت الذي بدأ يتوارى فيه آخرون من ذات الحزب طوال الفترة الماضية، إلى أن كانت الفرصة سانحة للوجوه الجديدة أو الأخرى المغلفة بالظهور حاليا لإعلان مرشحهم الرئاسي.

الظهور الحالي لبقايا النظام الحالي يوصف بأنه الموسم الأبرز لهم حاليا، في ظل ما يعتبره الفلول بأن المرحلة الحالية بمثابة مرحلية مفصلية لهم، وأنها تمثل بالنسبة لهم أهمية بالغة، وأنها قد تكون الفرصة الأخيرة بالنسبة لهم، إن لم تكن كذلك بالفعل لعودتهم إلى المشهد العام كصناع قرار، على الرغم من توغلهم في العديد من مفاصل الدولة وخاصة في أجهزة الحكم المحلي.


يدعم هذا التوجه جماعات المصالح ورجال الأعمال الذين استفادوا من النظام المخلوع، والذين وجدوا مصالحهم حاليا مهددة بفعل توجه ثورة 25 ينار إلى الحكم الرشيد، ولذلك فإن هذه الجماعات وهؤلاء الرجال يحشدون حاليا لدعم شفيق، خلاف جملة الأموال التي تم إنفاقها طوال الفترة الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بإنشاء أجهزة إعلام جديدة ما بين اليكترونية وأخر فضائية مارست بحرفية التعاطي مع تطورات المشهد الراهن، غير أنها خسرت هذه الحرفية بسعيها الى التشوية والتضليل، وبالشكل الذي ساهم في كشف هذه الأقنعة، إذ لم تفلح ذات الأقنعة في عدم تجميل الثورة، أو عدم اثارة الجماهير ضد النظام السابق، على نحو التظاهرات المليونية التي شهدتها "ميادين التحرير" في المحافظات المختلقة وهى التظاهرات التي رفضت شفيق والعودة الى النظام القديم ، ما يعني فشل الحناجر التي خرجت لتجميل هذا النظام، والادعاء بأنه لايعادي ثورة 25 يناير.


وعلى العكس، فقد مارست هذه الجماعات حالة من الارتباك والغموض في داخل المشهد المصري، ليضاف الى الارتباك الآخر الذي عاشته البلاد طوال المرحلة الانتقالية، وهو ما انعكس على بروز الطرف الثالث الذي وقف وراء كل الأحداث التي شهدتها مصر طوال الفترة الماضية، دون تحديد طبيعته حتى اللحظة، للدرجة التي جعلت البعض يصفه بالأيدي الخفية أو الطرف الثالث.


ويبدو أن فلول النظام المخلوع أردوا اكتمال المشهد بالظهور الإعلامي أكثر هذه المرة بالدفاع عما يتم الترويج له بدعم شفيق، والدفاع عن تصريحاته، وأن اتخذت تصريحاتهم أشكالا مغايرة حيث لم تبدو في صور مباشرة، واعتمدت على التوجيه غير المباشر واستثارة عامة المصريين بحاجتهم إلى استعادة الأمن ومعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور، وهو ما وعد به شفيق نفسه بمقدرته على استعادة الأمن خلال 48 ساعة، حال فوزه بالمنصب الرئاسي، ما دفع كثيرون الى الذهاب بأن القادر على تحقيق الأمن في هذه المدة هو نفسه الذي عمل على انفلاته.


الفلول لم يتحركوا فقط عبر أجهزة ووسائل الإعلام ولكنهم تحركوا في العديد من أجهزة المحليات التي يسيطرون عليها بصورة واضحة، فوفق ما تذكره الأنباء فإن هناك حملات استقطاب يتم ممارستها داخل المصالح الحكومية لحث الموظفين على التصويت لشفيق، بل إن مؤسسات عمالية خاصة رهنت صرف مكافآت موظفيها بالتصويت لشفيق.


هذه الأجواء تؤكد أن اللحظة الحالية بالنسبة لبقايا النظام المخلوع فارقة بكل المقاييس، بل تكاد توصف بأنها إما حياة أو موت لنظام ظل يمسك بتلابيب الدولة المصرية، ويواصل بقاياه حاليا للسيطرة على مفاصل الدولة، بل والوصول إلى سدة الحكم ليس لتعزيز فرص جماعات المصالح أو رجال الأعمال، ولكن لإعادة إنتاج النظام المخلوع ، حتى وإن اختلفت الأوجه، فشعار فلول النظام في المرحلة المقبلة إعادة إنتاج السياسات ومنظومة النظام السابق وليس بالضرورة إعادة الأشخاص إلى صدارة المشهد العام، وهو الأمر الذي لم يترقبه المحسوبون على هذا النظام وفقط، ولكن القوى الكبرى، التي تنظر في عودة النظام المخلوع للحكم في مصر بأهمية بالغة، والنظر الى أن هذه بداية لإجهاض الثورات العربية، وليس المصرية فقط.


وربما تفسر هذه الرغبة الجامحة من جانب الفلول وما تنتظره الدول الكبرى منهم في عودتهم لصدارة المشهد المصري ما يقابله من جانب قوى الحراك الثوري والشعبي لمواجهة الفلول، تنظيم حملات دعائية تعلن تصديها لمنع عودة بقايا النظام المخلوع الى صدارة المشهد بل والتحرك لتطهير مؤسسات الدولة المصرية من تواجدهم بها، الأمر الذي يواجه حاليا بتحد جديد بإثارة الفتنة بين القوى السياسية في البلاد، والتحميل بشدة على الإسلاميين، ومحاولات الانقلاب على المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بدعاوى ضرورة تخلي المتصدر للمركز الأول د.محمد مرسي في هذه الانتخابات، لصالح أحد منافسيه بذات الجولة من القوى المحسوبة على تيارات أخرى، وهو الأمر الذي قوبل برفض شعبي جارف، ما دفع قوى أخرى لإثارة الرأي العام ضد الإسلاميين، الأمر الذي ينذر بخطر على مسار الاستحقاق الرئاسي، وتحرك قوى التزوير الناعمة لإعادة النظام المخلوع، والحيلولة دون تأكيد هذا الاستحقاق ببناء الدولة ، وانتخاب من سيعمل على تحقيق مشروع النهضة للبلاد.


علا محمود سامي - 21/7/1433 هـ