آمال الليبرالية السعودية

منذ 2012-07-11

د. محمد بن صالح العلي


لا شك أن لكل مشروع فكري أهدافه وغاياته، وله إستراتيجياته ووسائله ومراحله، أستحضر هذه المعاني وأنا أقرأ كتاب (الليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقة) للأستاذ شاكر النابلسي؛ حيث سطّر مرئياته حول التيار الليبرالي في بلانا، وأظهر آماله العريضة في نجاح الليبراليين في الهيمنة الفكرية على مجتمعنا وانتصارهم على التيار الديني المتشدد كما يصفه.

ذهب النابلسي إلى تأريخ الليبرالية السعودية ورصدها، فبدايتها تتحدد من زمن الأستاذ (حسن عواد) فهو -في رأي النابلسي- أول من حمل الراية وقاد الركب الليبرالي، ولا أدري هل هذا الشرف الممنوح سيرضى عنه الأستاذ حسن وهو في قبره، أم أنه سيعترض عليه ويتبرأ من الليبرالية؟؟؟

ويذهب (النابلسي) في إنعاش آمال الليبراليين السعوديين، وتبشيرهم بمستقبل حافل في المجتمع السعودي، وأن عليهم المضي في مشروعهم وعدم التردد، وعدم الاكتراث بصيحات الإسلاميين المتشددين؛ فيقول في مقدمة الكتاب: "في هذا الكتاب سوف نتابع الحفر والبحث عن جذور الليبرالية السعودية، لنؤكد أنها كانت ومازالت هناك. ولكنها تجري كجريان الماء في عروق الصخر الإيدلوجي الصلد، الذي بدأ يلين ويتزحزح قليلاً قليلاً، وكان آخر نجاحات هذه الزحزحة (جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)) وما سوف تمثله من انطلاقة ليبرالية علمية وحداثة حضارية مشهود لها" أ.هـ.

ويرد (النابلسي) على أولئك المشكّكين والمتشكّكين في وجود الليبرالية في بلادنا فيقول: "فالتيار الليبرالي والليبراليون السعوديون موجودون، رغم أن الأصولية الدينية تصورهم على أنهم عبارة عن فتافيت من الجبن أو من الحلوى المبعثرة على جنبات كعك المجتمع..." أ.هـ.

وإنني أشك في أن النابلسي (بشر الليبرالية السعودية) قد استمع إلى محاضرة الدكتور عبد الله الغذامي (الليبرالية الموشومة) تلك المحاضرة التي سخر فيها الغذامي من التيار الليبرالي السعودي، ولو أنه استمع إلى المحاضرة لما جرؤ على هذه المقولة.

ويطرح النابلسي سؤالاً مهماً: (لماذا يسيطر الأصوليون على الشارع؟) وهو يريد من خلاله أن يزيح ذلك الإحباط الذي أصاب تلامذة المدرسة الليبرالية وهم يرون نجاحات الإسلاميين واستحواذهم على صناديق الاقتراع في البلاد العربية، وكأنه يقول: اصبروا أيها الليبراليون فإن العاقبة لكم، وأن الناس مخدوعون بالشعارات الإسلامية وسرعان ما سيكتشفون الحقيقة، وحين ذلك سينفضّون عن تلك التيارات ويلتفّون حول الليبرالية (انظر ص 90- 93).

ويمضي (مبشر الليبرالية السعودية) ليصنع روادا ليبراليين سعوديين، محاولا أن ينفخ الروح الليبرالية فيهم ومبشراً بأن هؤلاء ستكون لهم الريادة والقيادة وأنهم الذين سيصنعون مستقبل الليبرالية السعودية، ويعدّ من هؤلاء الأستاذ (يوسف أبا الخيل) ويشبهه بـ(فولتير) الفرنسي ودوره الريادي في الليبرالية الفرنسية (انظر ص/ 101- 110) ويثني على جهود وأفكار الأستاذ (إبراهيم البليهي) والأستاذة (حصّة آل الشيخ) ويعدّها من الأصوات الليبرالية التنويرية في مجتمعنا السعودي!!!!

ويقرع (النابلسي) جرس الإنذار أمام الليبرالية السعودية محذرا من التيار السلفي والمدرسة السلفية التي تقف عائقاً أمام غزو الفكر الليبرالي، فيقول تحت عنوان (التحدي الكبير للليبرالية): "كان المجتمع الديني السلفي أول من شعر بخطورة ولادة تيار ليبرالي حداثي يهدد وجوده في مجالات سيادية كانت لفترة طويلة من الزمن حكراً عليه... وواجهت الليبرالية السعودية تحدياً من الداخل، ربما لا مثيل له في العالم العربي، وهو وقوف التيار الديني في وجهه بالمرصاد" ص 150.

وإذا صحّ ما يقول فهو اعتراف منه بيقظة التيار الديني في بلادنا وأنه يشكّل عقبة كؤودا أمام التيار الليبرالي الغازي.

و يعترف صاحبنا بأمر نتفق معه فيما ذهب إليه، وهو أن الليبرالية السعودية استفادت فائدة عظمى من أحداث 11 سبتمبر 2001 م في تشويه التيار الديني السلفي والتخويف منه، مما أحدث -فيما يزعم- انفضاضا عن التيار الديني وتوجهاً وقبولا للفكر الليبرالي، ونتوجه إلى صاحبنا بسؤال: هل هذا الاستغلال لأحداث سبتمبر في تشويه التيار الديني السلفي قاصر على الليبراليين السعوديين فقط؟؟ أم أن هناك قوى خارجية داعمة لهذا التوجه؟؟؟؟

وقد أجاب الأستاذ عن هذا التساؤل تحت عنوان (الاستقواء بالخارج) فيقول: "وإذا صحّ أن للاتجاه الليبرالي في المملكة ارتباطاً بسفارات توجهه فإن مردّ ارتماء هذا الاتجاه في أحضان الغرب هو التنفيس عن حالة العزلة الشعبية التي يعيشها في الوطن" ص162.

ويكفينا في هذا المقطع اعترافان مهمان:
الأول: ارتماء التيار الليبرالي في أحضان الغرب.
الثاني: أن التيار الليبرالي يعاني من عزلة شعبية في بلادنا.

أما عن قوة هذا التبرير والتعليل وقوة الاقتناع به فأتركه للقارئ الذكي.

وأخيراً أقول: ليس غريباً أن يكون لدى الليبراليين مشروعاً في بلادنا؛ بل هو الأمر الطبيعي، لأن صاحب أي فكر لا يهدأ حتى يبشر بفكره ويسعى إلى نشره، ونحن إذا كان ظنّنا حسناً في هؤلاء نظنّ بأنهم يريدون بنشرهم لفكرهم الليبرالي أن ينقلوا بلادنا من وهدة التخلف والرجعية كما يعتقدون، فهم يرون أنه لا منقذ لنا ولا مخرج إلا في الليبرالية التنويرية.

ولا يسعني إلا أن أتوجه بالنصح لهؤلاء بأن يحسنوا قراءة الفكر الغربي، وأن يعيدوا قراءته بعين المتبصر المعتز بهويته ودينه، وأن ينعتقوا من عبودية الانبهار بالغرب، فهناك الكثير من المفكرين العرب الذي سقطوا في لجّة الانبهار، ثم ما لبثوا أن تبيّنت لهم الحقائق الساطعة وأن التيارات الفكرية الغربية ما هي إلا كسرابِ بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، وعليهم بقراءة تجربة المفكر (الدكتور عبد الوهاب المسيري) رحمه الله وغيره من المفكرين الذين رجعوا إلى قواعدهم سالمين ورجعوا وهم أشدّ إيماناً بدينهم وبفكرهم الإسلامي.