إطعام الطعام.. شعيرة الإسلام
..ونحن معاشر المسلمين مسئولون بين يدي رب العالمين عن سلوكنا وأعمالنا كأفراد، وعن دورنا ومجموعنا كأمة في حال أمة الإسلام التي يعاني كثير من أبنائها هذه المشكلات فالنسبة الأكبر من اللاجئين ومن الجوعى هي في كثير من بلادنا الإسلامية.
الخطبة الأولى:
فوصية الله جل وعلا للأولين والآخرين تقواه في كل آن وحين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
ونحن في هذا العالم نرى التناقضات، ونلمس آثار المشكلات، بل وتكتوي البشرية بنيران التجاوزات والمخالفات، والله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، رحيم بخلقه، قدر الأقدار، وأنزل الأرزاق: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقال في شأن خلق الأرض وما قدر فيها: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19]، وقال في سياق امتنانه على خلقه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]، {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10].
قبل أيام انعقدت قمة عالمية للتنمية لمحاربة الفقر والقضاء على الجوع، وتقول إحصاءاتهم العالمية الرسمية إنه في كل ست ثوانٍ وأعيد مرة أخرى في كل ست ثوانٍ يموت طفل بسبب الجوع، وأن تسعمائة وخمسة وعشرون مليونًا من البشر واقعون في قبضة الجوع وفي مقابل ذلك تطالعنا الأخبار أن امرأة في بلاد غربية تركت في وصيتها عقارًا قيمته أكثر من عشرة ملايين دولار خصصتها بالنصف، نصف لصندوق الكلاب، ونصف لجمعية رعاية الكلاب!
ثم نقابل مرة أخرى منظمة الصحة العالمية التي تقول لنا: "إن ستة ملايين طفل يموتون بسبب نقص الأدوية في أمراض معروفة العلاج وموفورة الأدوية".
وأنتقل بكم إلى بلد أوربي آخر تقول الدراسات الإحصائية الرسمية فيه: "إن مواطنيه ينفقون سنويًا خمسة مليارات يورو على الكلاب في غذائها ولباسها وعلاجها وما يلحق بذلك".
ومرة أخرى منظمة الصحة العالمية تخبرنا: "أن هناك مليونين من البشر منهم ما يقرب من مليون ونصف من الأطفال، هؤلاء يموتون بسبب شرب المياه الملوثة التي يعاني سدس سكان العالم من عدم توفرها".
أين المشكلة؟ وأين الجناية؟ إنها جناية الإنسان الذي طغى، كل ما يجري من رغبة في التسلط والتحكم واستخدام الموارد الطبيعية وإدخال التقنيات الصناعية والتغييرات الوراثية أضر ببيئة الخلق والبشر والإنسان.
ولعل وقفتنا ليست متعلقة بهذا وإن كانت هي مقدمة له، فقد كان مما يلفت النظر حديث القرآن والسنة على أمر لا نكاد نلتفت لأهميته، وحديثنا عنه اليوم يوضح هذه الأهمية مع هذه المفارقات واجتماع الدول والوفود والخطط وغير ذلك، إنه (إطعام الطعام) هذه الجملة التي نحن لا نستشعر أهميتها، ولا نعرف قيمتها، لها في الإسلام عناية كبرى ومرتبة عظمى لأنها أحد أبرز الأسباب التي تقضي على الجوع وتمنع هذه الأسباب أن تفضي إلى موت الخلق والبشرية.
بوَّبَ البخاري في صحيحه بابًا جعل عنوانه: إطعام الطعام من الإسلام، وأورد فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: "أي الإسلام خير؟" أي خصاله خير فهل ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلاة؟ أو ذكر الحج والعمرة؟ أو تلاوة القرآن؟ كان جوابه موجزًا ومعجزًا من حيث البلاغة ومن حيث الدلالة الإنسانية، ومن حيث ما يتعلق بمسيرة الحياة البشرية، قال صلى الله عليه وسلم في إجابة هذا السؤال: «أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (صحيح البخاري: 12)، وصفة بسيطة واضحة، لكن قدرها عظيم لأنها جُعلت السمة الخيرية المميزة لهذا الإسلام.
وروى الطبراني بسند حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل: أي الأعمال خير؟ فقال: «إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجته»، لو كانت هذه نصب أعيننا لما بقي بيننا جائع ولا عاري ولا ذو حاجة، ولذلك أريد أن أنبه وأبين عظمة هذه الشعيرة الإسلامية، ونحن نسميها شعيرة لأن الشعائر هي التي تدل على حقيقة الإسلام، وهذه منتصبة كسمة بارزة في هذا الدين العظيم.
هذا وصف الأبرار: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 5]، ثم جاءت الأوصاف ومنها: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9]، والنتيجة أيضًا: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11]، يأتي هذا الإطعام في سياق أمر عظيم وصف الأبرار الذين ينالون النعيم ويدخلون الجنات، ويشربون من هذه العيون العظيمة في جنة الخلد لأنهم يطعمون الطعام على حبه أي مع الإيثار أو مع وجود حاجتهم إليه إلا أنهم يؤثرون غيرهم أو يقسمون لغيرهم معهم فيه.
وهنا الآية بعمومها تشمل كل من يكون محتاجًا في سد الجوع أو ستر العورة ولو كان من غير المسلمين، لتكون دائرة الإنسانية هي الدائرة الإسلامية الحقة.
وننظر أيضًا مرة أخرى إلى تجاوز العقبة الكبرى، ونراه أيضًا مرتبطًا بإطعام الطعام: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ . أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 11-16]، تأمل أيضًا كيف يكون تجاوز العقبات الكبرى يوم القيامة مرتبطًا بهذا.
بل أمرُ استحقاقِ عذاب النار جُعِلت علته عند الكافرين كما جاء في كتاب الله عز وجل في هذا الصدد أيضًا: {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 40-43] ثم ماذا؟ {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 44]، لأن هذا سمت يقع به فساد عريض في البشرية وانتظام حياتها، ولأنه كذلك دلالة على ضعف المعنى الإنساني في أولئك الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن سلام عنه عندما جاء ليراه عند مقدمه للمدينة والناس متزاحمون قال: "فتطاولت حتى رأيته فلما رأيت وجهه قلت: ما هذا بوجه كاذب، فكان أول ما سمعته منه: «أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»" (السلسلة الصحيحة: 113/2).
هكذا يكون أمر التديُّن في العبادة المحضة لله، وفي العبادة المتصلة بخلق الله وعباد الله، هذا الدين كما يعمر القلوب بالإيمان يعمر الأجساد بالأغذية والأطعمة والأشربة، لتكون حياة الإيمان وحياة الأبدان في منهج الإسلام وفي آيات القرآن وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وها هو عليه الصلاة والسلام يقول: «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» فقالوا: "لمن هي يا رسول الله؟" -لمن هذه المكانة العالية؟ لمن هذا النعيم العظيم؟- قال صلى الله عليه وسلم: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائمًا والناس نيام» (رواه الحاكم في مستدركه وسنده حسن).
إن خيرية الأمة التي نعرفها نحن مرتبطة بالقرآن في حديث عثمان رضي الله عنه: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (صحيح البخاري: 5027)، هي من جهة أخرى وفي حديث حسن أيضًا مرتبطًا بهذه الخلة العظيمة بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «خيركم من أطعم الطعام» (صحيح الجامع: 3318)، فالمسألة على هذا النحو عظيمة، والجزاء من جنس العمل بينه الحديث القدسي الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وفيه: «أن الله جل وعلا يقول لعبده يوم القيامة: استطعمتك ولم تطعمني، فيقول وكيف أطعمك يا رب وأنت الملك؟ فيقول استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، ولو أطعمته لوجدتني عنده» الأمر ليس هينًا، لو أن المسلمين يدركون عظمة دينهم بما فيه من المعاني الإنسانية، والضوابط التي تكفل الحياة البشرية لكان خيرهم أولاً لهم، ثم لكل البشرية جميعًا.
وننظر إلى صورة أوسع في إيجاز سريع، لنرى أن الإسلام ركز على ألا يكون في البشرية هذا العار المخزي أن يموت الإنسان لأنه لم يجد لقمة تسد جوعته، أو شربة تطفىء ظمأه، أو ربما علاجًا يعالج سقمه.
الإسلام جعل الزراعة أمرًا أساسيًا في كسب القوت وفي سد الجوع، وفي انتظام الحياة البشرية: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63-64] يذكر الله بهذه النعمة، وكم ساقت الآيات من ذكر أنواع الثمار والزروع وحصادها، ودفع الحق لله عز وجل في الزكاة منها.
وها هو رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة» (صحيح البخاري: 2320) لأن هذا هو غذاء الخلق والمخلوقات من الإنسان والحيوانات.
ونجد كذلك هذا الأمر المتعلق بإطعام الطعام في صلب شرائع الإسلام، كم هي الكفارات الكثيرة المرتبطة بإطعام الطعام إما مباشرة وإما عند انعدام الرقبة التي تعتق، كما في كفارة الظهار وفي غيرها: {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}[المجادلة: 4]، وحلف اليمين فكفارته: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُم} [المائدة: 89]، وكثيرة هي الكفارات المتعلقة بإطعام الطعام للصائم إذا أفطر وكان عاجزًا عن الصوم لمرض لا يرجى بُرؤه وغير ذلك معلوم.
ونجده كذلك أيضًا في الأمر المباشر الذي وجهه النبي صلى الله عليه وسلم لعموم أمته متعلقًا بهذا الشأن كما في الصحيح عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني» (صحيح البخاري: 5649) أي الأسير، وفي الوقت نفسه يأتينا التحذير من عكس ذلك: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1-3].
إننا معاشر المسلمين لا يكون تخلينا عن التزام إسلامنا مضرًا بنا فحسب، بل هو ضررٌ على البشرية، لو أدرك المسلمون حقيقة إسلامهم، لو التزموا ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري جعل النداء قويًا عظيمًا يهز كل مؤمن ومسلم، بل يهز حتى أصحاب النفوس والضمائر الحية والمشاعر الإنسانية يوم قال: «ليس من المسلمين من بات شبعانًا وجاره خاويٍ» والحديث الأوسع في دلالته: «ألا من كان له زاد فليعد به على من لا زاد له، ألا من كان له فضل ماء فليعد به على من لا ماء له» حتى قال أبو سعيد الخدري راوي الحديث: "حتى ظننا ألا حق لأحدنا فيما فضل عن حاجته".
لو فعلنا ذلك في بيئاتنا الإسلامية لما شهدت مجاعة ولا فقرا، ولكان الأثر الأكبر أيضًا يتعدى أمة الإسلام إلى عموم البشرية التي رأينا كيف انتكاستها في الإنفاق، ونحن معاشر المسلمين أيضًا لسنا مبرئين من ذلك، فكم يمكن أن نحصي من الإنفاق الذي ننفقه نحن المسلمين على أمور من الكماليات غير المحتاجين إليها، وعلى أشياء نصرفها في أمور ثم تتلف ولا نستخدمها، بل وعلى أشياء من المحرمات نصرف فيها الأموال، ثم إذا جاءت الحاجات في الإنفاق كان الأمر حينئذ يحتاج إلى نظر وحساب ومراجعة.
إن إطعام الطعام شعيرة الإسلام التي تدل على المعنى الإنساني وتمنع هذه المهالك من الجوع والمرض وغيرها، ونحن معاشر المسلين مدعوون بكتاب ربنا وسنة نبينا إلى أن نكون أولاً من يعنى بذلك، وأن يقدر النعمة قدرها، وأن يعرف للمنعم فضله، وأن يقوم بحق حفظها، وأن يقوم بواجب شكرها، وذلك كله يقتضي أن لا نسرف من جهة، وأن لا ننفق في غير الموطن الصحيح من جهة، وأن لا يكون لنا إنفاق فيما حرم الله عز وجل من جهة أخرى.
أسال الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمه، وأن يحفظ علينا ما أصبغ علينا من نعم الطعام والشراب والأرزاق، وأن يعمها على عموم المسلمين وعلى سائر الخلق المحتاجين أجمعين.
الخطبة الثانية:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإنها أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه.
وإن أمر إطعام الطعام لو تأملنا في الآيات والأحاديث وجدناه أمرًا عظيمًا، وليس كما قد يدور في خواطر بعض من يستمع إلى هذا الحديث فيقول: "ما أهمية هذا الموضوع؟ وهل يستدعي أن نخصص له مثل هذا المقام؟".
وأقول هنا إن هذا أمر له تعلق أيضًا باعتقادنا، بإيماننا، بيقيننا، بما جاء في كتاب ربنا ومن ذلك أن هذا الدين هو الدين الكامل الشامل الذي يستوعب كل أمور الحياة: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وهذا يقتضي منا نحن المسلمين أن نكون موقنين أن كل أمر ورد في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنه هو الكمال الذي لا يعتريه نقص، وأنه هو الصواب الذي لا يخالفه شيء من الخطأ، وأنه هو الصلاح الذي لا يشوبه شيء من الفساد.
واليوم وقد مر العالم بما سمي الأزمة المالية العالمية التي نكبوا فيها مجتمعاتهم والمجتمعات البشرية كلها، أفاقت البشرية على أن النظام الربوي الرأسمالي هو السبب الأساس، واعترفوا بذلك قولاً وإن لم يعترفوا به فعلاً لكننا نقول أين نحن معاشر المسلمين من هذا اليقين في التطبيق الواقعي؟ ألسنا نحن أيضًا نمارس هذا الربا ونستخدم نفس الأدوات الرأسمالية تاركين وراء ظهورنا إسلامنا! أليسوا هم الذين يقولون الآن إنهم يريدون أن يعالجوا الفقر وأن يمنعوا المجاعة وغير ذلك!
ونحن في ديننا هذه الشعائر، ومع ذلك نرى الأطعمة التي تُلقى، ونرى ما نرى من البذخ والسرف، والإحصاءات التي يمكن أن نقولها وقد قلنا مثلها فيما سبق، ليست بعيدة عما ذكرناه من هذه الإحصاءات في بلاد الغرب في الإنفاق على الكلاب وغيرها، فقد لا ننفق على هذه ولكننا ننفق على أطعمة وألبسة وأكسية وأحذية إنفاقًا لو أننا وفرنا شيئًا يسيرًا منه لكان لذلك أثر كبير في تنميتنا وفي حياتنا وفي سد حاجات أمتنا جمعاء، بل كما قلت في سد الحاجات البشرية.
المسلمون مطالبون اليوم على المستوى العالمي أن يرجعوا إلى دينهم ليس لمصلحتهم بل لمصلحة هذه البشرية، التي تحترق اليوم بكل هذه المآسي والجرائم من زيادة نسبة كربون، والاحتباس الحراري، وثقب الأوزون، وغير ذلك مما سبب الكثير من المعاناة، فضلاً عن هذا التفاوت في الإنفاق.
ولو أردنا أن نتحدث عن الإنفاق على الرياضة، أو أردنا أن نتحدث في الإنفاق على الملابس أو على غير ذلك، لوجدنا مبالغ طائلة يمكن أن تكون حلاً سهلاً ميسورًا، لكن الإنسان الذي يطغى، لكن المسلم الذي ينسى، لكن الظلم الذي يعم، هو الذي يسبب كل ذلك.
ونحن معاشر المسلمين مسئولون بين يدي رب العالمين عن سلوكنا وأعمالنا كأفراد، وعن دورنا ومجموعنا كأمة في حال أمة الإسلام التي يعاني كثير من أبنائها هذه المشكلات فالنسبة الأكبر من اللاجئين ومن الجوعى هي في كثير من بلادنا الإسلامية.
ونحن كذلك مسئولون عن هذه البشرية كلها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، أخرجتم للبشرية ليس فقط لهدايتها إلى الإسلام والإيمان أو دعوتها إلى هذا الإسلام، بل لإنقاذها حتى من مشكلات الحياة الاقتصادية والسياسية وغيرها.
اليوم لا نرى في كل الأخبار إلا مآسي من الحروب من جهة، من المجاعات من جهة، من الخلافات والشقاقات من جهة أخرى، وبين يدينا كتاب ربنا وسنة نبينا.
علي بن عمر بادحدح
أستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بالسعودية
- التصنيف:
- المصدر: