زوج سفاح الشام وأولاده

منذ 2012-07-15

الكـاتب: عبد العظيم بدر الدين عرنوس


رحم الله الداعية مصطفى السباعي فقد شخص مكمن الداء الوبيل في شخصية الطاغية، وكأنه يرى الشخصية المهزوزة لسفاح وطاغية الشام، وذريته النجسة العفنة حيث يقول: "الطاغية يتزوج الغرور، فيلد ثلاثة أولاد: الحمق والحقد والجريمة".

والغرور صفة دالة على نقصان الفطنة وسكون النفس إلى ما يوافق الهوى، وتزيين الخطأ بأنه صواب، وكل ما يغر الإنسان من مال وشهوة وشيطان، والمغرور شخص لم تنفتح بصيرته وبقي في العمى ووقع في طغيان الأنا والاستعلاء، فاتخذ الهوى قائدًا والشيطان دليلًا، حتى يرى نفسه في خيمة أكبر من نفسها، فيداخله العجب ويستولي عليه الزهو والخيلاء، ومنشأ هذا الداء هو شعور داخلي بالنقص يحاول المغرور تغطيته برداء غروره، فالغرور إذن هو أم الشقاوات ومنبع الهلكات، ولا يزال الإنسان يغتر بنفسه حتى يقع في بئر الهلكة، وكل هذا وأكثر منه متجسد في شخصية سفاح الشام.
 

مثل وقوفك أيها المغرور*** يوم القيامة والسماء تمور
ماذا تقول إذا نقلت إلى البلى *** فردا وجاءك منكر ونكير
ماذا تقول إذا وقفت بموقف *** فردا ذليلا والحساب عسير
وتعلقت فيك الخصوم وأنت في *** يوم الحساب مسلسل مجرور
وتفرقت عنك الجنود وأنت في *** ضيق القبور موسد مقبور
وحشرت عريانا حزينا باكيا *** قلقا وما لك في الأنام مجير
مهد لنفسك حجة تنجو بها *** يوم المعاد ويوم تبدو العور


ذرية ونتاج المغرور:
الولد الأول:
الحمق.. والحمق قلة العقل وفساد التفكير، والحماقة هي السفاهة، والأحمق هو الذي لا يعرف متى يجب الكلام ومتى يَحسن السكوت، ولا يدري كيف يدبر الأمور، وكلمة الحماقة مأخوذة من (حمُقت السوقُ) إذا كسدت، فالأحمق على هذا: إنسان كاسد العقل فاسد الرأي، لا يستقيم أن يُشاور في سلم ولا حرب، لأن الأحمق لطيشه وسفاهته وخفة عقله يرى الفضل كله له، فهو بزعمه أفضل من كل من سواه، ورأيه وأمره هو الحق الذي لا مرد له، ومنطقه منطق فرعون: {مَا أُرِ‌يكُمْ إِلَّا مَا أَرَ‌ىٰ} [غافر:29].
فلا يتروى في حكمه على غيره، ولا يقيم وزنا لآراء الآخرين مهما كانوا متصفين بأفضل الصفات من العلم والعقل والخبرة والمعرفة، فالحمق هو الداء الدوي الذي لا علاج له، قال الشاعر:
 

لكل داء دواء يستطب به *** إلا الحماقة أعيت من يداويها


لك الله يا أرض الشام ويا أهل الشام مِن تسلُط هذا الأحمق الذي أفسد أيما إفساد، لك الله يا أرض الشام من تسلُط هذا الرويبضة التافه الفويسق السفيه الذي يتكلم في أمر العامة؛ كما ورد في الحديث الشريف، وقد حذر علي بن أبي طالب من مؤاخاة الأحمق فقال: "لا تؤاخ الأحمق.. فسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته.." إي والله صدقت يا ابن أبي طالب.
 

ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يرم *** صلاحا لأمر يا أخا الحزم يفسد


وقيل: مكتوب في التوراة: "من اصطنع معروفًا إلى أحمق فهي خطيئة مكتوبة عليه".
وقال سفيان الثوري: "هجران الأحمق قربة إلى الله".
وقال علي بن أبي طالب: "صحبة الأحمق نقصان في الدنيا وحسرة في الآخرة".

الولد الثاني:
الحقد: وهو الولد الثاني الذي ولدته زوج السفاح من بعد الولد الأول (الحمق) وهو مولود قميء شاءه، والحقد سوء ظن في القلب على الخلق مصحوب بالعداوة والبغضاء والكراهية الكامنة في النفس التي تصل إلى حد السخط، والحقد يقتضي التشفي والانتقام بسبب خبث النفس وشحها بالخير على عباد الله، والحقد جرعة كراهية مكثفة لكثير من الرذائل التي نفَّر منها الإسلام.
 

الحقد داء دفين ليس يحمله *** إلا جهول مليء النفس بالعلل
ما لي وللحقد يشقيني وأحمله *** إني إذًا لغبي فاقد الحيل


ومن وجهة نظر تحليلية يقول (علي البطاح): "الحقد شعور إنساني تجاه شخص أو أكثر لسبب معين يدفع صاحبه إلى الرغبة في الانتقام، ويرادفه: الضغينة، النقمة، الغلّ". والحقد مصدر دفين لكثير من الرذائل الخُلقية والتعاملية التي رهَّب الإسلام منها؛ لأن من لوازم الحقد العدوان على الأبرياء التي يدفع إليها الكره الشديد -الحقد- والافتراء عليهم وسوء الظن بهم وتتبع العورات، وتعيير الناس بعاهاتهم وخصائصهم النفسية والبدنية، وقد نفر الإسلام من هذه الخصال النابعة عن الحقد أشد التنفير، والحقود تغلي مراجل الحقد في جوانحه لأنه يحمل نفسًا مظلمة وقلبًا أسود، لا يعرف للعفو طريقًا، ولا للصفح سبيلًا، ويضمر العداوة والبغضاء في قلبه، ويتحين الفرص للانتقام ممن حقد عليه؛ لكن يأبى الله إلا أن يفضح الحاقدين على الملأ، ويظهر ما في نفوسهم من بغض وحسد وكراهية للإسلام وأهله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَ‌ضٌ أَن لَّن يُخْرِ‌جَ اللَّـهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد:29]. والقلب الذي تتمكن منه الضغائن والأحقاد يفسد؛ لأنه أصيب بداء عضال، وسرعان ما يتسرب الإيمان من القلب الحقود كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم.

ألم تر إلى البوطي -مع أنه حامل أسفار العلم- لما تمكن الحقد من قلبه على العاملين بصدق للإسلام، الرافعين لواء محاربة الطواغيت الصادين عن سبيل الله يبغونها عوجًا، كيف أداه حقده للكراهية الشديدة لهم، فأصبح لا يبالي بكيل التهم لهم ورميهم بكل نقيصة، في الوقت الذي يثني فيه على القتلة والسفاحين من كل جنس ونوع ولون، وشياطين الإنس والجن تحف به من كل جانب توحي له زخرف القول غرورًا، ذلك أن الشيطان ربما عجز أن يجعل من الرجل عابد صنم لكنه لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه حتى يجهل حقوقه أكثر مما يجهلها الوثني المخرف، والشيطان يحتال لذلك بإشعال نار الحقد والعداوة في القلوب حتى إذا اشتد ضرامها استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضر الناس ومستقبلهم.

فالحقد يفض إلى التنازع والتقاتل واستغراق العمر في الكيد والشر، لأنه من نزغ الشيطان لا يستجيب لداعيه إلا من خفت أحلامهم وطاشت عقولهم، والحقد برهان على غباء صاحبه ووضاعته، والحاقد قلق النفس ساقط الهمة واهن العزم مُضلَّل مخطئ في تقدير الأمور، لأنه جاهل بربه وبسنته في الكون، والحقد يغضب الرب عز وجل ويؤدي بصاحبه إلى الخسران المبين في الدنيا والآخرة، والإنسان الكريم النبيل يترفع عن هذه الخصلة الذميمة ليرتقي في مدارج الكمال، ويصعد إلى العلياء.

قال عنترة:

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب *** ولا ينال العلا من طبعه الغضب


ومهما وسوس الشيطان، وأوقد نيران العداوات والأحقاد، فإن الإنسان السوي العاقل لا يصغي له ويرد كيده إلى نحره، وقديما قال المقنع الكندي:
 

وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم *** وليس كريم القوم من يحمل الحقدا


الولد الثالث:
الجريمة: وهو أخطر أولاد الطاغية وأشدهم ضررا ووبالا وفتكا، لأنه متولد عن الحقد، والحقد يؤدي إلى اقتراف أبشع أنواع الجرائم.

قال الراغب: أصل الجرم قطع الثمرة عن الشجر، والجرم مصدر الجارم الذي يجرم نفسه وقومه شرا، وقال ابن منظور: "الجرم -بالضم- التعدي والذنب". وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف الإجرام بأنه: فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد وسابق إصرار وتصميم سواء كان ذلك في حق الله أو في حق العباد.

أما في كتب القانون والمصطلحات الحديثة فقد أخذ مصطلح الإجرام بُعدًا اجتماعيًا وقانونيًا واسعًا، فقيل: "الجريمة: كل فعل يعود بالضرر على المجتمع، ويعاقب عليه القانون، وتتجلى شخصية المجرم في أنه شخصية تتوجه إلى الاستخفاف بالقوانين والقيم والأعراف، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تكوين الشخصية الإرهابية التي تتسم بسلوك عدواني تسلطي دموي، فضلا عن القسوة الزائدة على الآخرين بدون تقدير المسؤولية مع الاستهتار الشديد، وعدم إبداء أي اهتمام لمشاعر أو حقوق الآخرين".

وهذا ما نراه مصورا بأجلى صورة يراها الناظرون عيانًا، الجرائم التي يقترفها سفاح الشام بشتى أنواعها وصورها القاتمة الملونة بأبشع الألوان قتامة وفظاعة، بحيث يبدو أمامه (هولاكو) قزما لأن هولاكو عدو ومجرم خارجي جاء من وراء الحدود، أما سفاح الشام فهو عدو ومجرم داخلي خطره أكبر بكثير من العدو الخارجي، ويرتكب جرائمه الرهيبة تحت مبرارات وأغطية خادعة، منها: (المقاومة والممانعة ومحاربة المندسين والإرهاب ووو..) الأمر الذي يستدعي من كل أحرار العالم تدارك الأمر والأخذ على يدي هذا المجرم الأفاك لقطع دابر جرائمه المتولدة عن الحقد الدفين الأعمى والحمق المنقطع النظير، والغرور المستكبر الطاغي.. الجرائم التي قد يتطاير شررها وضرامها لما وراء الحدود فتحرق الأخضر واليابس، فهل يا ترى من مدكر؟
 

أرى خلل الرماد وقود نار *** ويوشك أن يكون لها ضرام
لئن لم يطفها عقلاء قوم *** يكون وقودها جثث وهام