بيان في حُكمِ تمثيل الصَّحابة كمَا في مُسَلسَل الفاروق وغيره

منذ 2012-07-17

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}..


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الغُرِّ المَيَامين أما بعد:
فإن للصَّحابة عند أهل السُّنة مكانةً عالية، ومن نظر في سيرتهم بعلمٍ وبصِيرَة، وما مَنَّ الله به عليهم من الفضائل عَلِمَ يقيناً أنهم خيرُ الخلق بعد الأنبياء، وأنَّهُم الصَّفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خيرُ الأمم وأكرمُها على الله، يجِبُ الاحتياط لجنابهم، والذبُّ عن مقامهم، قومٌ وصَفَ اللهُ تعالى لامِزَهم بالنفاق، وجعل المستهزئ بهم على خطر عظيم، كما قال: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79]، وحينَ قال بعضُ المُنَافقين في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرَّائنَا هؤلاء أرغبَ بُطُوناً وأكذبَ ألسنة وأجبن عند اللقاء، أنزل الله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَ‌سُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُ‌وا قَدْ كَفَرْ‌تُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِ‌مِين} [التوبة: 65-66]، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «ذهبتُ أحكي امرأة ورجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أحبُّ أني حكيتُ أحدا وأنَّ لي كذا وكذا "أعظمَ ذلك"» (رواه أحمد رقم/25008)، والْمُحَاكَاةُ فِي القَوْلِ أَوِ الفِعْلِ: الْمُمَاثَلَةُ ، الْمُشَابَهَةُ ، التَّقْلِيدُ .


وإن رابطة علماء المسلمين وانطلاقا من الواجب المُلقى على علماء هذه الأُمَّة وبعد سماعها عن عزم بعض المؤسَّسَات الإعلامية إخراج مسلسل تمثيلي عن فاروق هذه الأُمَّة والمُحدّث الملهم، الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وغيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتُؤَكّد على ما يلي :

أولا: أنَّ التمثيل وإن كانَ غرضُهُ الإشَادَةُ، يعتريه شيء من الإزراء بالمُمَثَّل في بعض الأحوال، فكيف إذا كان المُنتَحِلُ لشخصه دنيَّ المنزلة عند مقارنته به، بل قد يكون فاسقاً أو كافراً، فكيف إذا اجتمع معه تمثيل نساء الصحابة، وإبرازهن سافرات وبكامل زينتهن، أفيرضى أحدُنُا هذا لنسائه؟ فكيف إذا اقتضى ذلك مُحَرَّماً من جِنس اختلاط نساء أجنبيَّات برجال أجانب يدّعُون أنَّهم صَحَابة! أوَ يتقرَّب مُسلِم بمثل هذا المُنكَر إلى ربه! {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103-104].


ثانيا: ما يعتَرِي انتحالُ شخص أحدهم -رضوان الله تعالى عليهم- بالتمثيل من محذورات شرعيَّة أخرى، بيَّنها أهلُ العلم في بيانَاتِهم و مُؤتمَرَاتهم وفَتَاوَاهم، ولِمَا يفتحُهُ تَسويغُ تمثيلهم حتَّى بالضَّوابط التي وَضَعُوها من تمثيلٍ لأنبياء ورسله إذ أدلةُ المجوِّزين واحدة.

لهذا وغيره ذهب عامَّة العلماء المجتهدين إلى تحريم تمثيلهم، واتَّفقت على ذلك كلمة المَجَامع والهيئات العلمية المعتبرة منذ ظَهَر أمرُ تمثيل الصحابة في القرن الماضي، من ذلك: ما قرَّرَته هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية من مَنعِ تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم من باب أَولى، وذلك بقرارها رقم 13 وتاريخ 16/4/1393، و أكَّدَ في البيَان الختامِي لمؤتمَر مَجمَع البُحوث الإسلامية بالأزهر الرابع عشر المنعقد عام 1431 ما أصدره المجمع قديما من تحريم تمثيل الصحابة. وذلك عام 1974م. و قرار المنظمات العالمية في مكة عام 1390هـ، و قرار هيئة كبار العلماء رقم 107 بتاريخ 3/11/1403هـ - فتوى اللجنة الدائمة رقم 4723 وغيرها - و قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته العشرين عام 1432 المؤكد على تحريم تمثيل الصحابة المحرر في قرار المجمع بدورته الثامنة عام 1405 وغيرها.


ثالثا: ندعو العلماء الذين أفتَوا بجواز ذلك واستند إلى فتواهم من قام بهذا العمل، إلى أن يُراجِعُوا ما أفتَوا فيه فالحَقّ قديم والرُّجوع إلى الحقّ مزيَّة وشرف وتقوى.

رابعا: ندعو كلَّ من تبنَّى هذا المسلسل أو ساهم فيه بأيّ وسيلة كانت، أو عزَمَ على نشره في القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام أن يتقوا الله ويُعرِضُوا عن دعمه ونشره، قال الله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

خامسا: وبناءً على ما سبقَ بيانُه فإننا ندعو عموم المسلمين لإنكار هذا العمل كل بحسبه، والبُعدِ عن مشاهدته التزاما بقوله سبحانه {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68].

نسألُ الله أن يُجَنِّبَ المسلمين الفتَنَ ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


رابطة علماء المسلمين

19 شعبان 1433هـ