تحريم تمثيل الأنبياء والمرسلين والصحابة الغُر الميامين

منذ 2012-07-20

اتفق مجلس هيئة كبار العلماء والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومؤتمر المنظمات الإسلامية العالمية على تحريم تمثيل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، والصحابة الكرام رضي الله عنهم.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد

فقد نُشر في كثير من مواقع شبكة المعلومات -الإنترنت- خبر عن إنتاج مسلسل (عمر الفاروق) رضي الله عنه، جاء فيه:

"أعلنت مجموعة (إم بي سي) والتلفزيون القطري عزمهما إنتاج مسلسل مشترك يتناول حياة عمر بن الخطاب، وأشار الشيخ وليد آل إبراهيم رئيس (إم بي سي) في مؤتمر صحافي أن المسلسل يتمتع بميزانية مفتوحة على أن يُعرض خلال شهر رمضان المقبل، وسيقوم بكتابة نصوص المسلسل الكاتب المتخصص في الشؤون الإسلامية وليد سيف ويخرجه السوري حاتم علي، وستشرف لجنة من العلماء على العمل لضمان احترامه للمعايير الشرعية، وتضم اللجنة الداعية المصري القطري يوسف القرضاوي والداعية السعودي سلمان العودة، من جانبه قال حاتم علي أن العمل سيكون غير مسبوق من حيث ضخامة الإنتاج، وسيدبلج المسلسل إلى لغات العالم الإسلامي مثل الفارسية والتركية والأوردو وغيرها إضافة إلى لغات عالمية مثل الانجليزية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية". وتعليقاً على ذلك أقول:

1- إن التمثيل وافد على المسلمين، وهو مشتمل على الكذب ولا يخلو غالباً من الهزل والإتيان بما يضحك الناس، واللائق بالمسلم الابتعاد عما كان كذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ««ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له، ويل له» [رواه أحمد (20021)، وأبو داود (4990)، والترمذي (2315) بإسناد حسن].

2- وأسوأ التمثيل وأقبحه ما كان منه لرُسل الله وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام وللصحابة الكرام الذين هم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس رضي الله عنهم وأرضاهم، لأن ذلك مُنافٍ لما يجب لهم من التعظيم والتوقير والاحترام، وقد أفتى كبار العلماء والمفتين بتحريم ذلك.


منهم هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في أوائل تأسيسها وذلك في قرار مجلس الهيئة رقم (13) وتاريخ 16/4/1393هـ وفيه:
وبعد إطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك، وتداول الرأي فيه، قررت الهيئة بالإجماع ما يلي:

1- أن الله سبحانه وتعالى أثنى على الصحابة وبَيَّنَ منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله تعالى عليهم به وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.

2- أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية والاستهزاء به، ويتولاه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعاً مزرياً، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويتضمن ضرورةً أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله، ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، وكما يتخذ هدفاً لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم، وكتاب ربهم، وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

3- ما يقال من وجود مصلحة، وهي: إظهار مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.


4- من القواعد المقررة في الشريعة: أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة؛ فرعايةً للمصلحة، وسداً للذريعة، وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك.

انظر كامل قرار الهيئة في أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (3/328ـ330)، وانظر مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (1/419ـ421)، وقد أعيد عرض الموضوع على مجلس الهيئة في دورته الثانية والعشرين واتخذ القرار رقم (107) وتاريخ 2/11/1403هـ بتأييد قراره السابق، انظر أبحاث هيئة كبار العلماء (3/331ـ332).

ومنهم المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الثالثة عشرة المنعقدة خلال المدة من 1 شعبان 1391هـ إلى 13 شعبان 1391هـ التي قرر فيها تحريم إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم وذلك في المادة السادسة من قراره المتخذ في هذه الدورة، وقد جاء فيه:

"يقرر المجلس التأسيسي بالإجماع: تحريم إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فيه من تمثيله صلى الله عليه وسلم بآلة التصوير الكاميرا مشيرة إليه وإلى موضعه وحركاته وسائر شؤونه بالتحديد، وتمثيل بعض الصحابة رضي الله عنهم في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة وهو محرم بالإجماع".

انظر كامل القرار في مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (1/417ـ419)


ثم قال شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عقب ذكر قراري الهيئة والرابطة: "ولكل ما تقدم وما سوف يفضي إليه الإقدام على هذا الأمر من الاستهانة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم وتعريض سيرته وأعماله وسيرة أصحابه وأعمالهم للتلاعب والامتهان من قبل الممثلين وتجار السينما يتصرفون فيها كيف شاءوا، ويبرزونها على الصفة التي تلائمهم بغية التكسب والاتجار من وراء ذلك.

ولما في هذا العمل الخطير من تعريض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للاستهانة والسخرية، وجرح مشاعر المسلمين، فإني أكرر استنكاري بشدة لإخراج الفيلم المذكور، وأطلب من جميع المسلمين في كافة الأقطار استنكارهم لذلك، كما أرجو من جميع الحكومات والمسئولين بذل جهودهم لوقف إخراجه، وفي إبراز سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم بالطرق التي درج عليها المسلمون من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ما يكفي ويشفي ويغني عن إخراج هذا الفيلم، وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين جميعا وحكوماتهم لكل ما فيه صلاح المسلمين في العاجل والآجل، ولكل ما فيه تعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم التعظيم الشرعي اللائق به وبأصحابه الكرام، والحذر من كل ما يفضي إلي التنقص لهم أو السخرية منهم أو يعرضهم لذلك، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه".

ومنهم مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي؛ فقد أصدر بياناً في شهر محرم في عام 1432هـ -كما في موقع الرابطة- جاء فيه:

"فإن المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي في دورته العشرين المنعقـدة بمكـة المكرمـة ، في الفترة من 19ـ23 محرم 1432هـ التي يوافقها 25ـ29 ديسمبر 2010م؛ لاحظ استمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إعداد أفلام ومسلسلات فيها تمثيل أشخاص الأنبياء والصحابة فأصدر البيان التالي:

"تأكيداً لقرار المجمع في دورته الثامنة المنعقدة عام 1405هـ الصادر في هذا الشأن، المتضمن تحريم تصوير النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الرسل والأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم، ووجوب منع ذلك، ونظراً لاستمرار بعض شركات الإنتاج السينمائي في إخراج أفلام ومسلسلات تمثل أشخاص الأنبياء والصحابة، فإن المجمع يؤكد على قراره السابق في تحريم إنتاج هذه الأفلام والمسلسلات، وترويجها والدعاية لها واقتنائها ومشاهدتها والإسهام فيها وعرضها في القنوات، لأن ذلك قد يكون مدعاة إلى انتقاصهم والحط من قدرهم وكرامتهم، وذريعة إلى السخرية منهم، والاستهزاء بهم، ولا مبرر لمن يدعي أن في تلك المسلسلات التمثيلية والأفلام السينمائية التعرف عليهم وعلى سيرتهم؛ لأن كتاب الله قد كفى وشفى في ذلك قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْ‌آنَ} [يوسف:3]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَ‌ةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَ‌ىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَ‌حْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:111]".

ويذكر المجمع بقرار هيئة كبار العلماء، وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، وغيرها من الهيئات والمجامع الإسلامية في أقطار العالم التي أجمعت على تحريم تمثيل أشخاص الأنبياء والرسل عليهم السلام مما لا يدع مجالاً للاجتهادات الفردية...

ومنهم المنظمات الإسلامية العالمية المنعقدة في دورتها في مكة المكرمة في ذي الحجة سنة 1390هـ، فقد جاء في قرارها ما نصه: "قرر المؤتمر استنكاره الشديد لمحاولة إخراج فيلم سينمائي يمثل فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأية صورة من الصور أو كيفية من الكيفيات، كما يستنكر تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم، ويناشد المؤتمر كل الحكومات الإسلامية أن تقضي على هذه المحاولة في مهدها" أبحاث هيئة كبار العلماء (3/296).


5ـ اتفق مجلس هيئة كبار العلماء والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ومجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومؤتمر المنظمات الإسلامية العالمية على تحريم تمثيل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، والصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومجلسا الرابطة يتألف أعضاؤهما من داخل المملكة وخارجها، ومجلس هيئة كبار العلماء في ذلك الوقت يتألف من ستة عشر عضواً ومن أبرزهم أربعة من العلماء الربانيين لهم مكانة عالية وبروز في العلم من رآهم أو سمع كلامهم تذكر علماء السلف، وترتيبهم على حسب الوفاة:

الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (1393هـ)، والشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (1402هـ)، والشيخ عبد الرزاق عفيفي (1415هـ) والشيخ عبد العزيز بن باز (1420هـ) رحمهم الله جميعاً، والأول والثالث والرابع من كبار شيوخي الذين درست عليهم في كلية الشريعة بالرياض، والأربعة شيوخ لكثيرين من طلبة العلم، ولاشك أن الأخذ بما جاء عن هذه المجالس الثلاثة ومؤتمر المنظمات الإسلامية العالمية أولى من الأخذ بما جاء عن بعض المتساهلين المتسرعين، وأيضاً فإن العاقل الذي لنفسه عنده قيمة لا يرضى لنفسه أن يُمثَّل، فعليه من باب أولى وأولى وأولى أن لا يرضى ذلك للأنبياء والصحابة.

6ـ أحد الطرفين المنتجين لـ(مسلسل عمر الفاروق) المزعوم: مجموعة (إم بي سي) ورئيسها وليد آل إبراهيم، وهو مسؤول عند الله عن إنتاج هذا المسلسل إن أُنتج وعن بثه وبث غيره مما لا يسوغ، وسبق أن كتبت كلمة بعنوان: (رسالة نصح وإشفاق إلى الإعلاميين ومالكي القنوات والقائمين عليها من المسلمين حاكمين ومحكومين) نشرت في 4/2/1430هـ، والمأمول منه المبادرة إلى تحصيل السلامة من هذا المسلسل وغيره من كل ما يعود عليه وعلى غيره بالضرر.

والطرف الآخر في إنتاج المسلسل المزعوم: التلفاز القطري، والمأمول من سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر وفقه الله التوجيه بمنع ذلك للسلامة من تبعاته وآثاره السيئة.


وبهذه المناسبة أقول: قد أحسنت دولة قطر ممثلة في وزارة الأوقاف بطباعة كثير من الكتب العلمية الشرعية لاسيما الكتب الواسعة ذات المجلدات الكثيرة التي هي مراجع لطلبة العلم، وقد أحسن سمو أمير دولة قطر ببناء مسجد كبير أطلق عليه اسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومن تمام الإحسان ألا يتولى الإمامة والخطابة فيه حاضراً ومستقبلاً إلا من كان على منهج الشيخ الإمام رحمه الله من الالتزام بالكتاب والسنة واتباع ما كان عليه سلف الأمة والسلامة من البدع ومحدثات الأمور.

وأسرتا آل الشيخ وآل ثاني من بني تميم الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بقائهم إلى آخر الزمان؛ فقال عنهم: ««هم أشد أمتي على الدجال» [رواه البخاري (5243) ومسلم (6451)].


وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين في كل مكان حاكمين ومحكومين للفقه في الدين والثبات على الحق، وأن يريهم الحق حقاً ويوفقهم لامتثاله ويريهم الباطل باطلاً ويوفقهم لاجتنابه، وأن يعمر قلوبهم بمحبة الأنبياء والمرسلين والصحابة المرضيين وتعظيمهم التعظيم اللائق بهم، وأن يسلم قلوبهم وألسنتهم من كل ما لا يليق بهم، إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.



عبد المحسن بن حمد العباد البدر

20/8/1433هـ
 

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

المحدث الفقيه والمدرس بالمسجد النبوي الشريف، ومدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً