عنان 2: منح الشام لروسيا وإيران !

منذ 2012-07-21

الأمريكيون ليسوا عمياناً فهم يرون ما يراه الجميع من أن الكفة بدأت ترجح لمصلحة الشعب الأعزل، بالرغم من عداء الأجانب وخذلان الأشقاء له وبذلك قرع جرس تصعيد المؤامرة وبدأ موسم ركوب الثورة وإجهاضها من الداخل.


في الأدب الغربي القديم قصة إمبراطور ضحك عليه دجال من حاشيته لإرضاء جنونه، فالفرعون المغفل أراد ثياباً لا نظير لها، فأقنعه الدجال بالخروج عارياً بعد أن أوهمه بأنه يرتدي ثياباً شفافة يراها الأذكياء ثياباً لائقة ومتميزة ولا يراها الأغبياء، وخرج الإمبراطور كيوم ولدته أمه، وتكفل ترهيب مواطنيه وتعودهم على النفاق له وخشيتهم من وصفهم بالغباء تكفل بالباقي، فالناس يرون إمبراطورهم عارياً لكنهم يخدعون أنفسهم فيمتدحون الثياب الإمبراطورية غير المسبوقة.

كنا منذ البداية ننبه إلى أن واشنطن هي التي تتصدر القوى الكبرى الساعية لإجهاض ثورة الشعب السوري، وأنها تتخفى وراء الغباء الروسي لأسباب تكتيكية ليس غير، مع أنها أدركت بعد شهرين من اندلاع الثورة السورية أن النظام الدموي ساقط مهما فعلت لحمايته، وهنالك أصبحت إستراتيجيتها تقوم على تطويل أمد المأساة السورية قدر استطاعتها، لتتيح للطاغية تدمير البنية التحتية المتهالك أصلاً وتفكيك عرى الجيش وغرس الأحقاد في المجتمع لكي يتعذر شفاء سوريا من جراحها قبل 25 أو 50 سنة على الأقل، وبذلك تضمن أمريكا حماية ربيبتها الصهيونية كبديل مؤقت من حماية عصابات الأسد لاحتلالها لهضبة الجولان باسم الممانعة، وفوق أنقاض هذا الركام يراهن العم سام على تشكيل المشهد السوري وتنصيب عميل جديد ولكن بقبعة مختلفة!


إن من يتابع التحركات الأخيرة لهيلاري كلينتون ومساعديها وما يسربونه عن سيناريوهات لـ(حل سياسي) يتأكد أننا على أبواب خطوة أخرى من المؤامرة الغربية الفعلية لا المزعومة التي دأب نظام الخيانة على التشدق بأنه ضحيتها!

وبعد تكاثر المذابح الجماعية واضطرار الجامعة العربية إلى مطالبة مجلس الأمن بتنفيذ مبادرة عنان تحت الفصل السابع كان كل ما جادت به واشنطن هو القبول اللفظي بالفصل السابع إذا لزم الأمر! أي أن الأمر لم يلزم بعد في نظر راعية الديموقراطية ومحتكرة التشدق بحقوق الإنسان! لكنهم يسيرون في خط موازٍ هو مطالبة بشار بالتنحي ولهذه المطالبة النمطية السخيفة وظيفة مزدوجة فهي تتيح لهم التظاهر بأنهم مع تطلعات الشعب السوري وتتيح لحليفه الصغير نيرون الشام متابعة تجارته بأن الأمريكيين يعملون ضده!


الأمريكيون ليسوا عمياناً فهم يرون ما يراه الجميع من أن الكفة بدأت ترجح لمصلحة الشعب الأعزل، بالرغم من عداء الأجانب وخذلان الأشقاء له وبذلك قرع جرس تصعيد المؤامرة وبدأ موسم ركوب الثورة وإجهاضها من الداخل.

وها هو مبعوثهم العجيب كوفي عنان تحدث لمجلس الأمن بعد الجمعية العامة فاعتبر النظام هو المسؤول الأول عن عدم تطبيق خطته ذات النقاط الست وبعد أقل من 24 ساعة من مجزرة القبير بريف حماة حيث منعت عصابات الأسد مراقبي الأمم المتحدة من الوصول إلى موقع المذبحة البشعة واستخدموا رصاصاً من الرشاشات وقذائف من الطيران لتخويف المراقبين وإجبارهم على عدم مواصلة رحلتهم إلى القبير. لكن غي مون الذي أدرك اليوم فقط أن بشار الأسد فقد شرعيته تماماً استطاع مناقضة نفسه وادعاء أن استمرار العنف مسؤولية الطرفين أي القتلة وضحاياهم كما أن المهرج عنان تحدث عن طرف ثالث في سوريا!


وما السر وراء اقتراح عنان إنشاء مجموعة اتصال دولية لـ(مفاوضة نظام بشار) سوى مكافأة القاتل الرهيب؟وكيف يمكن عاقلاً أن يفهم توصيته بإضافة نظام الإجرام الصفوي الإيراني إلى المجموعة المقترحة أصلاً لمزيد من تمديد الفرص أمام المجرم لمواصلة إجرامه الذي يزداد دموية علانية؟

أما من اكتشفوا خبايا التحالف الصليبي الصهيوني الصفوي مبكرين فهم متنبهون إلى أن الثورة السورية تبقى صدمة شديدة على واشنطن لأن هذا الشعب يهدد مؤامرتهم الكبرى التي بدأت على أيدي المحافظين الجدد وقوامها استغلال أحداث سبتمبر2001م لتأسيس حلف مع المجوسية الجديدة لتقويض الأمة الإسلامية فتتحقق للكيان اليهودي حماية مطلقة من خلال فتات الطوائف الحاقدة على الإسلام.


وفي اللحظة الراهنة فإن ما يضاعف من الشعور بالمرارة لدى السوريين والمتعاطفين معهم من الشعوب العربية والمسلمة، غياب أي دور فاعل للدول العربية والإسلامية التي تدرك فداحة المجازر الاستئصالية التي يقوم بها بشار بمؤازرة الحلف المجوسي وبتواطؤ صليبي وصهيوني شديد الوضوح؟ بل إن هذه الدول تبدو كأنها لا تستطيع سوى الكلام والإنكار اللفظي بالرغم من اتهامها بمساندة الشعب السوري وتصوير هذه المساندة على أنها توازي الدعم الصفوي الضخم! أو كأن الساسة لا يدركون حقيقة ما يجري حولهم في حين أنه بات جلياً لعامة الشعوب المسلمة وبخاصة للشعب السوري البطل.

وفي العمق يتضح أن الأمريكان مستعدون لمساومة موسكو على تسليمهم مصير سوريا في مقابل رضوخها للسياسة الغربية في محيط روسيا ولا سيما في جنوبها المسلم حيث تلتقي أحقاد الهنادك والمجوس الجدد والبوذيين والكونفوشيوسيين والصليبيين، فهم سوف يعملون على تبديل رأس النظام فحسب ثم إعادة تأهيله، ونسي جميع المتآمرين قدرة الله تعالى ثم إصرار الشعب السوري على نيل حريته وكرامته وحقوقه المغتصبة.


21/7/1433 هـ