الرئيس مرسي والسلطان عبد الحميد.. المقاربة

منذ 2012-07-25


التفاتة ذكية من نشطاء "إسلاميين" إلى التوافق بين يومي 27 رجب 1333 هـ و27 رجب 1433، حيث سقوط الخلافة العثمانية في الأولى، واختيار المصريين لـ"الإسلامي" د.محمد مرسي رئيسًا لمصر (النتيجة غير الرسمية) في الثانية.
من فأل الخير، استحضر البعض الذكرى، للدلالة على الإحياء، بعد مائة عام تامة من الإماتة والمصادرة، ولعل البعض سيستدعي من ذاكرته حديث التجديد: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» (صححه الألباني). ليحاول بأي طريق أن يربط بين الحدثين، رغبة في الاستبشار، وإن كان التاريخ الأول فيه إماتة وليس إحياء! وقد كانت الخلافة قد سقطت قبل ذلك بأعوام..

الفأل خير، غير أننا لسنا بالضرورة إزاء مفارقة بين الإماتة والإحياء، وإنما ربما مقاربة بين حالين كان فيهما السلطان عبد الحميد أو الرئيس مرسي يلاقي فيها عنتًا شديدًا، ويجد كثيرين ممن حوله ضده، حتى على بعد خطوات من مكتبه.
السلطان عبد الحميد كان آخر السلاطين العثمانيين الذين حكموا الخلافة فعليًا حتى العام 1909 قبل خلعه، وقد استلم دولة شاسعة مهلهلة، قد نخرت في عظامها الصهيونية التى تسربلت برداء "يهود الدونمة"، وهم مجموعة من "المتأسلمين"، أي الذين ادعوا الإسلام وهم يهود، وهو المصطلح الصحيح بالمناسبة للدلالة على هؤلاء لا أولئك المسلمين المتدينين الذين يكفرهم رفعت السعيد، وتتبعه "أجهزة الدونمة الإعلامية" وخفافيش اليسار، حين يطلق عليهم هذا المسمى!

دولة عبد الحميد استلمها مخترقة، مثقلة بالديون، محاطة بالأعداء، تمور بها التمردات "الفئوية"، والاضطرابات الدينية، والنعرات القومية، وتتسرب إليها مفاهيم الانسلاخ من الهوية؛ فقاوم، وهرع إلى إحياء "الجامعة الإسلامية"، وأطلق صيحته "يا مسلمي العالم اتحدوا"، لكن شعاره هذا كان أحد أسباب اتخاذ القرار الدولي، لابد من غياب عبد الحميد بأي شكل.. كان سوس العلمانية، والخيانة، قد نخر حتى في عظام القصر نفسه، فلم يعد آمنًا على حياته، حتى عندما حاصره الجيش الثالث العثماني بإيعاز من أوروبا، وبقيادة دونمية.

"قوتنا في وحدتنا"، أعلنها الرئيس مرسي منذ الجولة الثانية للانتخابات، وبادر إلى توحيد الصفوف، وأعلن أنه سيكون وفيًا للشريعة الإسلامية إذا ما نجح، وقبل ساعات من تنصيبه بحسب معاريف العبرية، كان نتنياهو قد أرسل مبعوثه الخاص إسحاق مولخو سرًا إلى القاهرة حيث عقد محادثات خاصة مع مسئولين مصريين، مشددًا فيها على "ضرورة استمرار التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل"، وإثر فوزه عمل المسئولون الصهاينة على إحراجه بالتهنئة!

وفي واشنطن كانت التهنئة فاترة جدًا، ولم تحتف العواصم الغربية بهذا الإنجاز الفريد، بل لم يفرق أوباما بين الفائز والخاسر، فساوى بينهما في الاتصال الهاتفي، ولم تزد واشنطن إلا بعبارات من الخارجية والبيت الأبيض بدت حذرة إلى حد القلق، وعمدت العاصمة الأمريكية إلى اتخاذ موقف متشدد ومبالغ فيه سياسيًا وإعلاميًا حيال تصريح مرسي عن مساعيه المستقبلية من أجل الإفراج عن الشيخ العليل د.عمر عبد الرحمن.

كانت كونداليزا رايس قبل الثورة تقول "إننا نفضل جنرالًا"، وأكد مقرب من مبارك سابقًا، د.مصطفي الفقي أن الرئيس الجديد لمصر لابد أن توافق عليه تل أبيب وواشنطن.. بدا الأمر صحيحًا إلى حد بعيد؛ فالعاصمتان ترفضانه، لكنهما راغبتان بإقصائه بطريقتهما الخاصة.
رجع صدى صوتهما يسمع مباشرة في العاصمة المصرية، حيث تدفقت مليارات لتوجيه الرأي العام من خلال فضائيات تنفق ببذخ لاستهداف سمعة "الإسلاميين" عمومًا، والرئيس خصوصًا.. تعمل تلك الفضائيات بطريقة متناغمة مع قلاقل واعتصامات، وتكاسل إداري في جهاز دولة عتيد كان بوسعه أن ينهض بدقائق على وقع إشارة من الرئيس المخلوع، الكنز الإستراتيجي لـ"إسرائيل"، لكنه الآن بطيء للحد الذي يضطر معه الرئيس الجديد أن يشق طريقه بنفسه وسط الجماهير، ويحاول أن يقوم بأدوار عشرات المسئولين في وقت واحد.

بعض أركان القضاء والإعلام وبعض مدعى الثورة يقفون جنبًا إلى جنب لإيقاف صعود شعبية الرئيس وكبح جماح رغبته في الحصول على صلاحياته كاملة.. من المهم أن نذكر أن د.مرسي لا يسعى لأن يمسك بجميع الخيوط بيده، لكنه يطمح إلى إنجاز سريع يحققه وسط أمواج عاتية قد تعصف بحكمه، وتلحقه ببرلمان وضعت كل العراقيل في طريقه، ثم كان آخر الدواء، الحل!
والصعوبة التى يلقاها مرسي ولم تكن تواجه السلطان عبد الحميد على النحو ذاته، أن الوقت ليس في صالحه، ولن يمهله خصومه سنوات طوال ليستجمع قواه مثلمًا حاول السلطان أن يفعل، بل يضربون موعدًا لا يكاد يتجاوز الثلاثة أشهر.

الطريق مسدود إذًا أمام مرسي؟
لا، بقيت سنة المدافعة بعد التوكل..
ثمة قوى "إسلامية" يمكنها أن تجند نفسها بشكل إبداعي لإنقاذ الموقف، ووضع قاطرة مرسي على سكة الانتصار على خصومه.. عليها من تلك اللحظة أن تنطلق على الصعيد الاجتماعي وتنبث في المدن والقرى والنجوع لنشر أفكارها ومساعدة الأهالي، والسهر على حل مشاكلهم.. عليهم أن يطلقوا قوافلهم الطبية، ويمدوا يد العون للجميع، ويشرعوا في حملة انتخابية جديدة بذكاء، عليهم أن يفندوا كل الحملات ضدهم، عليهم أن يقنعوا الجميع أن معركة مصر الآن هى معركة الاستقلال والانعتاق من التبعية.