فخامة الرئيس (أدهم الشرقاوي)

منذ 2012-07-29

فخامة الرئيس... أقسم بربي أن هذا غيضٌ من فيض، وليس توقفي شفقةً عليك بل أن حبي لك هو الذي دفعني لمصارحتك، ولكنني أتوقف شفقة على القارئ فحسبه المكلمة المحيطة به أني أتجه، حفظ الله مصر.. وحفظك لمصر...


فخامة الرئيس... أوقن أنك مثقلٌ بالأعباء والأعمال.. وأدرك أن أمامك الكثير من المهام والأفعال، وأعرف أن الشعب المصري الذي انتخبك يعلق عليك من الآمال ما تنوء بحمله الجبال، ومتأكد أن مستشاريك والفرق العاملة معك لديها قوائم مكدسة بمطالب الجماهير ومكتظة بآلامهم وآمالهم، وأن ما قد أرفعه إليكم معلوم لديكم.. ولكنها يا سيدي أداء الأمانة وإبراء الذمة، وإبلاغ رسالة حملني إياها عشرات البسطاء ممن قابلتهم داخل مصر وخارجها... هؤلاء الذين يتطلعون إليك إلى الفارس الشرقاوي "أدهم الشرقاوي" نصير الكسير والفقير والأسير.


فخامة الرئيس... لقد أثبتت مخازي النهب والسلب المنظم لثروات البلاد ومقدرات الشعب التي انكشفت لنا بعد الثورة المباركة؛ أن أولي وأفضل وأربح استثمار في مصر هو إيقاف نزيف ماسورة الفساد وإغلاق محبسها باللحام، وإذا كان العرب يقولون في أمثالهم إن "حفظ الموجود أولي من طلب المفقود"، فنحن نطالب بإنشاء هيئة قومية عليا للنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، تكون مرتبطة بمكتبكم مباشرة وتتولي الإشراف والتنسيق مع كل الأجهزة ذات العلاقة كالجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز الكسب غير المشروع، نريدها قوية حكيمة حازمة حاسمة لا تظلم ولا تجامل ولا تبطش ولا تهادن؛ ولا تعرف الضغوط ولا الاستثناءات ولا الحسابات ولا تصفية الحسابات؛ معاييرها موحدة غير مزدوجة؛ مستقاة ومتطابقة مع المعايير الدولية المعتمدة في البلدان المحترمة التي تتربع علي قمة العالم في النزاهة والشفافية.


فخامة الرئيس... نحتاج إلى وزارة مستقلة لحقوق الإنسان لتسترد لنا ما أهدرته عقود القمع من كرامة المواطن المصري، فلن يُسهم في مشروعك النهضوي يا سيدي من يعيش معرضًا للتنكيل والبطش وصفع قفاه وركل مؤخرته وسب أبيه وأمه وابتزاز المخبرين، نريد مواطنًا عزيزًا يحترم رجل الشرطة ولكن لا يعبده؛ ويوقر موظف الحكومة ولكن لا يقدسه، لذا فنحن نحتاج إلى مؤسسة حارسة تسعى لبلوغنا مرتبة الإنسانية السوية؛ وتحقيق مجتمع العدالة والكرامة والمساواة.


فخامة الرئيس... نحتاج إلى وزارة مستقلة لحماية المستهلك، فالمواطن المصري يا سيدي يتعرض لأبشع صور الاستغلال في العالم، غش تجاري، غلاء فاحش، نصب واحتيال، تدني مستوي جودة السلع والخدمات، ابتزاز لا يبدأ من سائقي الميكروباص، ولا ينتهي عند شركات الاتصالات وإعلانات التليفزيون. سيدي لقد أصبحت سمعة مستوردينا (مضروبة) في السوق العالمي لأنهم (يلملمون) قمامة المنتجات ليبيعوها لنا بأفحش الأسعار... سيدي نحن ندفع رسومًا عجيبة في أماكن غريبة دون أن نعرف لماذا ندفعها؟ ولا من الذي قررها وكيف قدرها؟ وليس بوسعنا الاعتراض؛ ولو علم بها الفريق شفيق سيتساءل: مبررة ولا مش مبررة؟، سيدي لقد بادرتم بإصلاحات للدخول، ولكن حماية المستهلك أهم من ذلك بكثير؛ لأن مافيات الابتزاز والاستغلال هي التي تستفيد في النهاية من أي زياداتٍ في الدخول.


فخامة الرئيس... نحتاج إلى وزارة مستقلة للتطهير والتطوير الإداري؛ فشعبنا العجيب اكتفى بالتندر والتفكه علي إجراءات الروتين البيروقراطي العفن التي نتفرد بها عن سائر دول العالم، حيث تكونت بتراكم خليطٍ من فرمانات المماليك الانكشارية وهمايونات السلاطين العثمانلية وإملاءات القوي الاستعمارية ومخلفات الحقبة الاشتراكية وتفصيل ترزية القوانين المزجنجية، إن بقاء هذه النظم واللوائح يا سيدي يهدر كرامة المواطن ويكرس تخلف الوطن، ويفضي إلى إهدار المال والوقت والجهد، ويُسبب البطالة المقنعة والوساطة الطفيلية والرشوة، وهو من أسباب الاختناق المروري وشيوع أمراض الضغط والسكري والقلب والشرايين، ولا يخفي عليك كما نعلم جميعًا أنه لا يوجد إجراء روتيني معقد إلا وخلفه مسئول فاسد منتفع من بقائه سواء كان موظفًا صغيرًا أو كبيرًا، لذا فالتطوير فيها قرين التطهير، وهي تحتاج إلى ثورة جذرية تحقق طفراتٍ نوعية ولا ترتضي أنصاف الحلول.


فخامة الرئيس... الثوب البالي لا يُصلحه الترقيع؛ ومدننا أصبحت أثوابًا بالية ضاقت علينا وأفسدها الزحام وسوء الاستخدام؛ فنرجو أن يتوجه تخطيطكم إلى المدن الجديدة والمجتمعات الجديدة التي يتنفس الناس فيها هواءً نقيًا ويتحركون فيها بسلاسة فيتمكنوا من العمل والابتكار والتفكير الإبداعي، لقد كانت فكرة المدن الجديدة فكرة رائدة طموحة ولكنها عند التطبيق أفسدها الفساد؛ فالفساد يا سيدي أصلُ كلِ كساد، أما سواحلنا الطويلة الغنية الجميلة الثرية، فمن بعد طول نسيانٍ وتجاهل انقض عليها (كالعادة) تحالف المال والسلطة؛ ليجعل منها منتجعات راقية للمارينز ينعمون فيها بحمامات الشمس التي تغطي فيها الزيوت الغالية ما لم يغطه المايوه البكيني من الأجساد العارية.


فخامة الرئيس... لقد أسفرت عقود التجريف عن تراجع حضاري شديد في شتى أوصال المجتمع المصري؛ سيدي قبل ربع قرن لم يكن العالم الإسلامي يعرف مقرئًا لكتاب الله سوى رفعت والحصري والمنشاوي وعبد الباسط؛ والآن أصبح هذا المنتج الراقي لا يُعرف في مصر؛ حيث حل محله مهرجانات الأفراح الشعبية التي يفرضها علينا سائقو التاكسيات والتكاتك، وقس على ذلك الريادة في الفن والثقافة والإبداع والابتكار، وقفص الاتهام في هذه القضية المصيرية يعج بالمتهمين ولكن على رأسهم ثلاثة: قمع الحريات؛ وتدني التعليم؛ وفساد الإعلام، لذا فإن محاولة الوصول إلى أول درجة على سلم الإصلاح هو إعطاء الأولوية للتطهير في تلك المجالات، وهي مهمة استشهادية في ظل المرتزقة من جماعات النفوذ والمصالح من مصاصي الدماء الذين يقتاتون من هذا التلوث.


فخامة الرئيس... أقسم بربي أن هذا غيضٌ من فيض، وليس توقفي شفقةً عليك بل أن حبي لك هو الذي دفعني لمصارحتك، ولكنني أتوقف شفقة على القارئ فحسبه المكلمة المحيطة به أني أتجه، حفظ الله مصر.. وحفظك لمصر.. وأعانك على التركة الثقيلة.. ووقاك شر المتربصين والمرجفين.. والمثبطين والمحبطين.. ووفقنا لمساعدتك.. ورزقنا جميعًا الإخلاص لهذا الوطن.


د. أشرف سالم
 
المصدر: موقع جريدة المصريون