رمضان.. وملامح إيمانية

منذ 2012-07-30

الشيخ خالد روشة


يختلف استقبال شهر رمضان بين الناس، فمنهم من يستقبله استقبال الباحث عن الطاعات المستكثر منها، ومنهم من يستقبله وهمه غفران الذنوب وعتق رقبته من النار، ومنهم من يستقبله غافلا لا يمثل عنده رمضان إلا وقت مبارك وشهر مبارك يستمتع فيه بأوقاته ويعيش فيه سعادة مباحة تغمره..

ولو أردت أن أختار بين الأنواع الثلاث من أنواع استقبال رمضان لاخترت النوع الثاني وهو استقبال المذنبين الطامعين في المغفرة، فإن استقبال الباحثين عن الطاعات فحسب قد يجعل المرء ينسى ذنبه ويهمل في التوبة والاستغفار، وقد يكون قد وقع في كبائر الذنوب فلن تكفيه صالحاته لتكفيرها ويحتاج توبة مخصوصة للذنوب الكبيرة.

وهذا ولاشك لايعني أن يقصر المرء في اكتساب الطاعات والحسنات، بل إن التوبة في ذاتها طاعة من أعظم الطاعات ويكتسب منها المرء حسنات متكاثرة، لكن قصدي أن يكون هم المؤمن وشغله الشاغل هو ذنبه وكيفية التوبة منه، وكيفية أن يخرج من رمضان بثوب نظيف من الآثام، مع اكتسابه الحسنات وقربه من مرضاة الله سبحانه.

وحول رمضان نستطيع رؤية بعض الملامح المهمة للمؤمنين إبان صومهم..
أولها: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. فالصوم إذا هو التعبد بترك الشهوات لا أن يتركها على العادة أو من أجل البدن وقد وجه الله الخطاب للمؤمنين في الآية لأن صيام رمضان من مقتضيات الإيمان، ولأن صيام رمضان يكمل به الإيمان، ولأن ترك صيام رمضان ينقص به الإيمان، وإنما ذكر الله تعالى أنه فرض على من قبلنا ولم يذكر مثل ذلك في الصلاة لأن الصيام فيه مشقة وفيه التعب وفيه ترك المألوف فذكر الله إنه فرضه على من قبلنا تسلية لنا وتكريما لأمتنا إذ إنه ما من خير في دينهم إلا هو في ديننا.

ثانيا: تأكيده على التقوى في جميع آيات الصيام؛ لأن الصوم جنة يقي من الذنوب ويقي من النار وهذه حكمة إيجاب الصوم، ويدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه).

ثالثا: أن التيسير في الأحكام الشرعية يتجلى ظهوره في أحكام الصوم فقد قال سبحانه: {...وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ..} [البقرة:185]. والمرضى ثلاثة أقسام: (قسم مريض لا يرجى برؤه) بل هو مستمر فهذا لا صيام عليه وعليه عن كل يوم مسكين، (وقسم مريض مرضا يضره الصوم) فهذا يمنع من الصوم ويحرم عليه، (وقسم مريض يشق معه الصوم لكن لا ضرر عليه فيه) فالأفضل له أن يفطر ولا يصوم ثم يقضي بعد ذهاب المرض، فأي يسر ذلك وأي رحمه؟!

رابعا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: «كل عمل ابن أدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به»، وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن أدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي أنا أجزي به يد ع شهوته وطعامه من أجلى»، والمعنى هنا أن الصيام يختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال فإنه سر بين الإنسان وربه فلذلك كان أعظم إخلاصا وقال بعض أهل العلم أنه إذا كان يوم القيامة وكان على الإنسان مظالم للعباد فإنه يؤخذ من حسناته إلا الصيام فإنه لا يؤخذ منه شيء، كذلك فإن أجر الصائم بلا حساب رحمة من الله لما فرضه على من يحب من عبادة.