وماذا بعد تكرار الإساءات؟

منذ 2012-09-20

هذه الاحتجاجات لا تكفي وحدها لكي تُوقف سيل الإساءات؛ ولكن الموقف الشعبي والحكومي الرافض للتعامل مع هذه الدول على جميع الأصعدة الاقتصادية والتجارية والسياحية وإيقاف تصدير النفط لها وسحب الأرصدة من بنوكها والاستثمارات من أراضيها..


كل مرّة يتعرض فيها الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى الإساءات يستشيط المسلمون غضباً ويحتجّون ويسيرون في مظاهرات تخرج بعضها عن الحدود وبسقط فيها عدد من القتلى والجرحى معظمهم من المسلمين، وتتكبّد الدُّول الإسلامية ملايين الجنيهات لوقف العنف والحفاظ على المُمتلكات العامة وسفارات الدول الأجنبية ثم تهدأ الأمور وتُعاد الكرّة مرة ثانية وثالثة دون الاعتبار من تكرار الحوادث والخروج منها بدروسٍ واضحة...


والأسئلة المطروحة في هذا الصدد كثيرة منها على سبيل المثال:

هل ستتوقف الإساءات بعد هذه الاحتجاجات مهما كان صخبها؟

وهل الاحتجاجات تكفي وحدها؟ وما هي الضوابط التي ينبغي مراعاتها في الاحتجاجات؟

وهل الإساءات هي مجرد "حرية رأي" كما يزعمون أم ترمي لأهداف أخرى أبعد وأعمق؟..

إن المُدقّق في مسار هذه الإساءات يجد أنها مُتكررة على فترات زمنية متقاربة وأنها لا تَقتصر على مكانٍ واحد بل تتّسع لتشمل عددٍ من البلاد حتى يصعب اتخاذ موقفٍ موحد تجاه بلد بعينه، كما أنها تأتي عقب سلسلة من الاتهامات التي توجه للمسلمين بغية استفزازهم ثم تأتي الإساءات كتتويج لهذه الاستفزازات حتى توضع ردود الأفعال الغير منضبطة في سَلّة الإساءات كما أنها ترمي لأهدافٍ سياسية أبعد من مُجرد تشويه المسلمين والإسلام..


الإساءات الأخيرة جاءت من أقباط مصريين في المَهجر قتلهم الغيظ من وصول الإسلاميين للحكم ومن حالة الهدوء التي أعقبت ذلك دون وقوع حوادث كبيرة ضد الأقباط كالتي كانت تحدث في عهد النظام السابق، كما أن البلاد تستعد لإطلاق دستورها الجديد وتريد وضع الشريعة في مكانتها اللائقة، فأرادوا إشعال فِتنة بين المسلمين والأقباط للترويج لاضطهاد الأقباط في مصر، وإثارة حالة من البلبلة تُؤدي إلى إبعاد الاستثمارات التي تعول عليها البلاد لإخراجها من عثرتها عقب الثورة التي أطاحت بنظام مبارك، في نفس الوقت يوجد أصابع صهيونية وراء إنتاج الفيلم فقيل أن المخرج "إسرائيلي" أمريكي وقيل أنه قبطي مصري ولكنه اعترف بتلقي دعم من رجال أعمال يهود، واليهود منذ زوال نظام مبارك يشعرون بقلق بالغ ويريدون إفشال حكومة الإسلاميين بأي طريقة لأن وجود حكومة تدعم المقاومة ولا تضغط على الفلسطينيين من أجل التنازل عن أراضيهم يُصيبهم بالفزع...

كذلك شارك في صناعة الفيلم الرديء القسّ الأمريكي المُتطرف الذي حرق المصحف في وقتٍ سابق وهو يُعبر عن تيار في أمريكا يُريد تأجيج مشاعر الكراهية تجاه المسلمين كلما هدأت ويستغلُ في ذلك ذكرى هجمات سبتمبر من كل عام..

الإدارة الأمريكية ليست بريئة أيضاً؛ فأقباط المَهجر يتلقّون دعماً كبيراً من الكونجرس الأمريكي منذ وقتٍ طويل والذي أيَّد العديد من توجهاتهم حول مزاعم اضطهاد الأقباط كما أنها تقف بالمرصاد لأي عملٍ يُهاجِم اليهود وليس "الدِّين اليهودي"، فلماذا تقف مُتفرجة على عمل يُهاجم دين سماوي؟!

ولماذا ترفض حرية التعبير ضدّ أشخاص قد يُصيبون ويُخطئون وتسمح به ضد أحدِ أكبر الأديان السماوية أتباعاً في العالم وأكثرها انتشاراً على الإطلاق..


القضية مُثيرة للريّبة وتدعو للاندهاش كلما تجدّدت الإساءات في العواصم الغربية ضد الإسلام تحت لافتة "حرية التعبير" فلماذا التشكيك في "الهولوكست" ليس من هذا القبيل؟! رغم أنه لا يوجد في أي "كتاب ديني" وليس من المُعتقدات اليهودية...

نأتي للاحتجاجات التي تندلعُ في العالم الإسلامي عَقب الإساءات ونؤكد على مشروعيّتها بضوابط كثيرة أهمها:

- عدم الإضرار بالممتلكات العامة.

- وألاّ تتضمن الاعتداء على رجال الأمن الذين يحمون هذه الممتلكات، كما أن هذا سيُؤدي لعُنفٍ مضادّ وسقوط قتلى وجرحى من المسلمين.

- كذلك لا ينبغي الاعتداء على السفارات لأن هناك اتفاقيّات تحميها وقد يُؤدي ذلك لإضرار بسفارات إسلامية في الغرب ولمسلمين يَعيشون هناك....


لكن الأهم من ذلك:

أن هذه الاحتجاجات لا تكفي وحدها لكي تُوقف سيل الإساءات؛ ولكن الموقف الشعبي والحكومي الرافض للتعامل مع هذه الدول على جميع الأصعدة الاقتصادية والتجارية والسياحية وإيقاف تصدير النفط لها وسحب الأرصدة من بنوكها والاستثمارات من أراضيها؛ هو الذي يوجعها ويوجع شعوبها، كما أن وقف التعاون على الصعيد السياسي مع هذه الحكومات كذلك يُشكّل عامل ضغط لدول لها مصالح عديدة في المنطقة، أما الإكتفاء بمُجرد الاحتجاجات فلن يُجدي نفعاً.


خالد مصطفى