كشف العورات في المستشفيات.. الواقع والعلاج

منذ 2005-04-06

سألت أحد الأطباء: هل تجد فرقاً في علاج المرأة إذا كان معها محرم، أو لم يكن معها محرم. فقال: أجد فرقاً لا أستطيع دفعه، من حيث النظر، والجرأة في الكلام، والسؤال وغيرُ ذلك.....


الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.

بداية اهتمامي بهذا الموضوع، رحلةٌ ميدانية قمت بها داخل المستشفيات الكبرى، وهذه الرحلة كانت من متطلبات بحث رسالة الدكتوراه، والتي كان عنوانها (نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي).

ودخلت خلال هذه الرحلة تسع عمليات، اثنتان في زراعة الكبد إحداهما من متبرع حي والأخرى من ميت دماغياً، واثنتان في زراعة الكلى إحداهما من متبرع حي والأخرى من ميت دماغياً، واثنتان في استئصال الأعضاء من ميت دماغياً، واثنتان في جراحة القلب المفتوح، وواحدة في جراحة باطنية بالمنظار.

والتقيت خلال هذه الرحلة بكثير من المرضى والأطباء وعشت واقع المستشفيات من الداخل، وأحببت ذكر هذه المقدمة حتى يتبن سبب اهتمامي بهذا الموضوع وما يأتي من تفاصيل وحلول.

أبدأ أولاً بوصف الواقع بذكر الأمثلة من خلال ما رأيته أو سمعته. والتفريط في حفظ العورات في المستشفيات قد يكون من المرضى، وقد يكون من الأطباء.

تقول إحدى النساء: "إذا دخلت على الطبيب كشفت وجهي حياءً منه".

وأخرى تقول: "إن كان الطبيب ملتحياً لم أكشف وجهي، وإلاّ كشفته".

وأخرى تقول: "أكشف وجهي، ولا أدري ما الذي أوقعني في هذه الغفلة".

ويقول أحد الأطباء: "بعض النساء إذا جاءت مع زوجها تسترت، وإذا جاءت بدون زوج تسامحت، وتساهلت. وبعض الرجال ضعيف الدين و الغيرة: لا يجد فرقاً بين أن تدخل قريبته على رجل أو امرأة. وبعضهم تساوى عنده الأمران بسبب الغفلة و لكن إذا نبه تنبه".

فهذا رجل أدخل زوجته على طبيب الأسنان، وجلس ينتظر بالخارج،فقلت له: لماذا لا تدخل مع زوجتك؟ وكأنّما استيقظ من النوم، فقام ودخل إلى أهله في غرفة الطبيب.

وفي أحد المستشفيات الخاصة، في قسم النساء والولادة، يوجد فيها عيادتان، الأولى لطبيب، والأخرى لطبيبة. فاختار أحد الرجال إدخالَ زوجتهِ على الطبيب الرجل، وقد تناهت الغفلة مع هذا الرجل، فبقي على مقاعد الانتظار خارج غرفة الطبيب.

ومن المشاهد المؤسفة: ازدحام عيادات النساء والولادة والذي يكون الطبيب فيها رجل مع إمكان ذهاب المريضات إلى الطبيبات، أو رضى المرأة بأن يباشر توليدها رجل.

فكيف ترضى المؤمنة أن تكشف عند طبيب رجل بطوعها واختيارها مع إمكان الطبيبة؟!.

كثير من الرجال يحرصون على زوجاتهم أو بناتهم، ولكنهم يتساهلون مع أنفسهم في الدخول على الطبيبة أو الكشف عليه من قبل الممرضة.

وهنا جانب آخر من كشف العورات والذي يتحمل الأطباء جريرته.

في غرفة العمليات يمر المريض بعد التخدير بمرحلة التجهيز والإعداد، ولم أكن أدخل غرفة العمليات إلاّ بعد تجهيز المريض غالباً، حينما يكون مستوراً إلاّ موضع الجراحة، ودخلت مرةً أثناء مرحلة التجهيز، فرأيت شاباً قد تم تخديره، وهو مستلقٍ على طاولة غرفة العمليات، وهو عار تماماً ليس عليه شيء يستره، وازداد الأمر سوءاً في عملية المنظار وقسطرة البول، وعند إزالة الشعر من أسفل بطن المريض.

ومن العسير أن أصف التفاصيل تأدباً مع القارئين، وهذه المشاهد رآها جميع الحاضرين في الغرفة من الممرضات، والفنيين وطبيب التخدير. وهذا الموقف كان من أصعب اللحظات التي مرت علي في هذه الرحلة وأصبحت مهموماً بعدها لعدة أسابيع، ويعود إليّ الهم والألم كلما تذكرت هذا الموقف.

وبعد أيّام سألت أحد الأطباء فقلت له: هل يُفعل بالمرأة ما رأيت من المنظار وقسطرة البول من قبل الرجال، وأمام جميع الحاضرين؟ فقال: نعم، ولا فرق.

وأخبرني أحد الأطباء فقال: "لما كنت في سنة الامتياز، وكنت في قسم النساء والولادة، جاءت امرأة في حالة إسعافية وقد أصابها النزيف، فدعاني الطبيب الاستشاري لحضور الكشف عليها، فلما أتينا قالت المريضة: لا أريد أن يكشف علي إلاّ امرأة. فانزعج الاستشاري مما قالت فطردها من القسم أمامنا".

كتب إليّ أحد أطباء الامتياز: "دخلت ذات مرة على غرفة عمليات فوجدت بها امرأة عارية تماماً وفي حالة مزرية وحولها الطاقم الطبي من الرجال والنساء، وذلك قبل بدء العملية". انتهى كلامه.

ويقول أحد الأطباء: "يأتينا بعض النساء وهي في غاية الستر والحشمة، وتطلب وتلح في أن يتولى إجراء عمليتها امرأة فنوافقها على ما تطلب، وبعد التخدير نتولى نحن الرجال العملية الجراحية والتي تكون في العورة المغلظة، وهي لا تعلم. و حالُها يكون مكشوفاً أمام الجميع من ممرضين، وفنيين، وطبيب التخدير، بل حتى عاملِ النظافة إذا دخل الغرفةَ للتنظيف. وبعد ذلك يتم التوقيع في التقرير باسم إحدى الطبيبات. فانظر إلى أخلاقيات المهنة".

وهذه استشارية في قسم النساء والولادة، تقول لمن معها من طلاب الامتياز إذا جاءت حالة إسعافية وطلبت طبيبة، فقولوا لها: "لا يوجد طبيبة".

يحدثني أحدهم فيقول: "كنا نكذب على المريضات، فنقول: لا يوجد طبيبة، فبعضهن ترضخ للواقع وهي تبكي، و بعضهن يذهبن إلى مستشفى آخر".

وحدثني أحد المشايخ الفضلاء فذكر: "أنّه ذهب بزوجته إلى مستشفى الولادة، ورأى القابلات الحاجة إلى مجيء الطبيب، فأبت زوجته أن يأتيها رجل. فقالوا: لا يوجد طبيبات، فاتصلت بزوجها فجاء فأصر على مجيء طبيبة وإلاّ خرج بها إلى مستشفى آخر، فلما أراد إخراجها من المستشفى، أتوا له بورقة إخراج المريض، وأنّه بناءً على طلب المريض. يقول وقّعت عليها، وكتبت أخرجتها بناءً على قولهم: لا يوجد في المناوبة طبيبات. يقول الشيخ: فجاء في الحال طبيبتان".

كتبت إليّ إحدى الطبيبات الصالحات في هذا، وأسجل كلامها هنا بحروفه؛ حيث قالت: ".. أمّا في غرفة العمليات فحدث و لا حرج؛ فالمرأة توضع على طاولة العملية عاريةً تماماً، ويكون في غرفة العمليات: أخصائي التخدير، وطلاب، وأطباء.
وعند قولنا: قوموا بتغطيتها. يرد الاستشاري بقوله: إنّنا جميعاً أطباء. وأنا متأكدة أنّها لو كانت زوجته لما سمح لأحد بأن يراها". انتهى كلام الطبيبة.

وكتبت إليّ طبية أخرى في إحدى الاستبيانات التي وزعتها حول هذا الموضوع، وهذا نص كلامها: "تعرضت لهذا الحدث شخصياً، وعندما أدخلت إلى المستشفى في حالة نزيف حاد، ولم يكن طبيب النساء ذلك اليوم إلاّ دكتور (وهو زميل) وكانت الساعة (07:50) صباحاً، وكنت في وضع مستقر ولا مانع لدي من الانتظار ربع إلى نصف ساعة لحضور الدكتورة لاستلام نوبتها، ولكن مع الأسف لم يقبل وبدأ في الصراخ، وبعض الكلام غير اللائق، مثل: أنا دكتور، ومن حقي التدخل. (إذا ما تبغي دكتور ليش جيتي إلى المستشفى، هذه مسؤوليتي الآن ولابد من التدخل؟؟ اذهبي إلى طبيب خاص وليس إلى مستشفى حكومي) ..". انتهى كلام الطبيبة.

وأخبرني عدد من الاستشاريين: "أنّهم في سنوات الدراسة يكلف الطالب بحضور عدد من عمليات الولادة الطبيعية والقيصرية، فنجتمع نحن الطلاب مع أستاذنا لمشاهدة الحالة إلى تمام الولادة. وأخبروني أنّ المرأة تكون في حال كرب عظيم فندخل عليها من غير استئذان، و نعتبر عدم رفضها الصريح لمجيئنا إذناً منها. فإذا انتهت من كربها وعادت إلى طبيعتها كثير منهن يشتكين، ولكن دون جدوى".

وتقول إحدى النساء: "دخل علي الرجال في عملية الولادة، فأردت منعهم، فانعقد لساني ولم أستطع الكلام، و مثيلاتي كثير، تقول: والقهر والألم يتردد إلى الآن في صدري لا يفارقني". انتهى كلامها.

وبعض النساء مع أنّها في هذه الكرب إلاّ أنّها ترفض وبشدة وترفع صوتها، فيكون موقف الطبيب الاستشاري هو إظهار التذمر الشديد منها، ومعاودة المحاولة، والضغط عليها لتوليدها.

وأقوى وسيلة للضغط عليها قولهم لها: إنّك قد وقعت قبل الدخول بعدم الاعتراض على العملية التعليمية. وأقول: إن كان الأمر كما قالوا؛ أي أنّها وقعت، فهو امتهان مقنن. ومع ذلك كله فإنّ زوج هذه المريضة ممنوع من الدخول في غرفة عملية الولادة. فقلت لهم: هل يجوز لكم الدخولُ على المرأة من غير إذنها، والكشفُ عليها والنظرُ إلى عورتها من غير إذنها؟!. فقالوا: لا ندري.

وسألتهم هل ترضون هذا لنسائكم؟ فأجابوا جميعاً بأنّهم لا يرضونه. فانظر كيف يتربى طلاب الطب من أساتذتهم على امتهانِ حق المريض، وأنّهم يرضون للمريض ما لا يرضون لأنفسهم ونسائهم. وهذا هو الذي يفسر عقدة الاستعلاء على المريض التي يشتكي منها كثير من المرضى والتي يكثر حديث النّاس عنها في المجالس، فينشأ الطبيب منذ نعومة أظفاره على أنّ المريض له حق العلاج في بدنه، ولكن ليس له حق الاستئذان، ولا الاعتراض، ولا حتى إبداء الرأي في أخص خصائص الإنسان وهو الكشفُ عن عورته.

ومع ذلك فإنّه ليس للزوج حق أن يدخل مع زوجته في غرفة الولادة أو غرفة العمليات. مع أنّ دخوله مع وجود الطبيب الرجل واجب شرعاً. ولاحظ في الأمثلة السابقة كلها أنّ الطبيب ومن معه يدخلون من غير استئذان. ورأيت بعيني طبيباً يدخل على غرفة تنويم للنساء في الزيارة الصباحية، ففتح الباب، وأزال الستارة عنها من غير استئذان، ولا كلام.

وسمعت أحد الأطباء: "عند الفحص على المرأة نحرص على عدم وجود الزوج، بل أحياناً نمنعه حتى لا تثورَ غيرته".

وسمعت آخر يقول: "نحن الأطباء لا ننظر إلى العورات بشهوة، فقد تبلد الحس بسبب كثرة المساس". فانظر كيف اعترف، واتهم نفسه وهو لا يشعر.

ويقول أحدهم: "لا نفرق بين المسلمة وغير المسلمة في تعاملنا، و لكن إن كانت المرأة غربية وجدنا في أنفسنا احترماً لمطالبها، وإن كان شرقية لم نجد في أنفسنا هذا التقدير".

وأخطر ممّا تقدم كلِّه قولُ بعضهم: "لا فرق في الطب بين المرأة والرجل". (الشرع يفرّق، وهو يقول لا فرق).

يقول أحد المشايخ الفضلاء: "كنت منوماً في المستشفى لمرض في المسالك البولية، وذات مرة جاءني الطبيب ومعه مجموعة من طالبات الطب وطلب مني أن أكشف عن العورة المغلظة أمامهن ليتم الفحص، يقول الشيخ: فامتنعت ووجهتهم برفق أنّ الطالبات لا يفحصن إلاّ النساء والطلاب لا يفحصون إلاّ الرجال". أهـ .

وأنا أتعجب أشد العجب كيف يقهر الطبيب والطالبات حياءهم في هذا الموقف البشع.

أمّا واقع التعامل مع المريض الذي ستجرى له عملية فكالآتي:

يلبس المريض ثوباً واسعاً، ومفتوحاً من الخلف ويربط بخيوط متدلية من الثوب، ويصل طول الثوب إلى نصف الساق تقريباً، ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا النوع من اللباس، ولا يسمح بلبس شيء من اللباس دونه، ثم يطلب من المريض أن ينتقل من سريره في غرفة التنويم إلى السرير المتحرك الذي سينقله إلى غرفة العمليات، وبعد وصوله يتم تخديره، وبعد التخدير ينزع هذا الثوب ويبقى المريض عرياناً، وتتم في هذه الفترة تجهيز المريض للعملية، وهي حلق الشعر من منطقة العملية وما جاورها بمسافة كافية، وإذا كانت العملية في أسفل البطن كزراعة الكلية ونحوها؛ فالغالب أنّه تحلق عانة المريض.

وبعد ذلك يعقم المريض بمادة صفراء معروفة لمنطقة البطن والصدر إذا كانت العملية في هذه المنطقة، ثم يوضع غطاء شفاف من البلاستك على بطن المريض، ثم يغطى المريض بعد ذلك بالغطاء الطبي الأخضر الذي يغطي جميع جسم إلاّ موضع العملية، هذا العرض هو الغالب.

وفي كثير من العمليات يوضع للمريض أثناء التجهيز قسطرة للبول. يحصل هذا التجهيز غالباً أمام جميع الحاضرين في الغرفة من رجال ونساء. وربّما تولى نقل المرأة بالسرير التحرك رجل، وربّما نقل الرجل امرأة. وفي كثير من الأحوال لا يكون المريض أثناء النقل بالستر المطلوب، وخصوصاً إذا كان المريض في غير وعيه أو كان في مرحلة الإفاقة من المخدر بعد العملية.

والصورُ السابقةُ كلها بلا استثناء تدل على اعتداء صريح على حقوق المرضى التي أثبتها لهم الإسلام.

أمّا علاج هذه الظاهرة، فيكون بالآتي:

العلاج الأول: معرفة الحكم الشرعي لهذه الممارسات

أولاً: نظر الطبيب إلى عورة المريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة محرم، وتعظم الحرمة مع اختلاف الجنسين. وليُعلم: أنّ المرأة كلها عورة عند الرجل الأجنبي، فالنظر إلى قدمها أو ساقها نظر إلى عورة. والأدلة على حرمة النظر كثيرة منها: قوله تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [سورة النور: 30-31].

وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا يَنْظُر الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» [أخرجه مسلم].

وعن مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ». فَقَالَ:الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ». قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا ؟ قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» [أخرجه الترمذي وغيره بسند حسن].

وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي". [أخرجه مسلم].

ثانياً: ألاّ ينسى كل طبيب وكل مريض حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له». [رواه الروياني في مسنده الطبراني في معجمه بسند جيد (الصحيحة ح226)].

ثالثاً: ممّا تقدم يتبين حرمةُ نظر الطبيب إلى عورة المرأة من غير ضرورة أو حاجة ملحة، والإثم يتحمله الطرفان إذا كان الكشف برضاها؛ فرضى المريض لا يبيح المحرم، وإذا لم يكن برضاها وإذنها الصريح فحقها إن ضاع في الدنيا، فإنّ الله لا يضيعه في الآخرة.

رابعاً: علاج الأطباء للنساء، لا يجوز إلاّ بشروط.

الشرط الأول: ألاّ يوجد طبيبة.

الشرط الثاني: وجود الضرورة، أو الحاجة الملحة.

الشرط الثالث: أن يكون الكشف بقدر الحاجة، فإذا وجدت الحاجة لكشف جزء من الساق مثلاً، لم يجز الكشف أكثر من مقدار الحاجة فيه. وإذا كانت الحاجة تندفع برؤية طبيب واحد لم يجز أن ينظر إليها أكثرُ من واحد.

الشرط الرابع: وجود المحرم، فالكشف على المرأة الأجنبية مظنة الفتنة، ومن أعظم وسائل دفعها وجود المحرم. قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لا يخلونَّ رجل بامرأة، إلاّ ومعها ذو محرم» [أخرجه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه].

سألت أحد الأطباء: هل تجد فرقاً في علاج المرأة إذا كان معها محرم، أو لم يكن معها محرم. فقال: أجد فرقاً لا أستطيع دفعه، من حيث النظر، والجرأة في الكلام، والسؤال وغيرُ ذلك.

خامساً: الاستئذان أدب شرعي أثبته الشرع حقاً على كل من أغلق بابه، أو أرخى عليه ستره. والاستئذان شرع من أجل البصر، وقد عظم الله شأن الاستئذان حتى أهدر عين من نظر من غير اسئذان. فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» [متفق عليه].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ» [متفق عليه].

والاستئذان يكون ثلاثاً فإن أُذن له وإلاّ انصرف. والدليل حديث أبي مُوسَى الأشعري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلا فَارْجِعْ» [أخرجه مسلم].

سادساً: أن يدرَّس في كليات الطب العلومَ الشرعية التي تبين الحقوق الشرعيةَ للمرضى، والأحكامَ والقواعدَ الشرعية لأحكام التداوي وضوابطه. وقد تسمى هذه المادة بـ (فقه الطب)، أو (فقه الطبيب والمريض)، أو (الضوابط الشرعية لمهنة الطب) أو (الحقوق الشرعية للمرضى). وأن يتولى تدريس هذه المادة: أهلُ الاختصاص الشرعي.

سابعاً: إعادة النظر في تدريس طلاب الطب عملياً تخصص النساء والولادة، فيكتفى بالجانب النظري لعدم وجود الضرورة الشرعية لكشف العورات حتى مع رضى المريض. وهذه الوجهة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار.

ثامناً: وهذا أهم العلاجات، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبنوا إسرائيل استحقوا اللعن من الله بسب تركهم للنهي عن المنكر. قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [سورة المائدة: 78-79].

وأمة الإسلام استحقت الخيرية بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران: 110].

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة: 71].

فإذا رأى الطبيب امرأة في العيادة كاشفة عن وجهها أمرها بستره، وإن جاءت بدون محرم أمرها به.

والخطاب كذلك للمريض فإن كان رجلاً، وجاءت ممرضة أو طبيبة للكشف عليه امتنع، وطالب بمجيء رجل. وإن كان المريض امرأة، امتنعت عن الرجل و طالبت بامرأة.

وإذا رأى أيُّ واحد منّا في ممرات المستشفيات تبرجُ بعضُ العاملات، أو تبادلُ الضحكات بادرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق واللين والكلمة الطيبة، بما يناسب المقام. ولا تنتظر النتيجة عاجلاً.

وإذا رأى طالب الطب، أو طبيب الامتياز أو غيرهما مخالفات شرعية، أنكر بأسلوب مناسب حتى على أستاذه بالكلام الشفوي، أو بالكتابة إلى المسؤول الإداري، أو بالتواصل مع المشايخ.

تاسعاً: الانتفاع بقرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض، وهذا نص القرار:

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدِنا ونبيِّنا محمد و على آله وصحبه وسلم. أما بعد:

فإنّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعةَ عشر، المنعقدةِ بمكة المكرمة، والتي بدأت يوم السبت، العشرون من شعبان، عامَ ألفٍ وأربعمائة وخمسَ عشرةَ للهجرة.

قد نظر في هذا الموضوع، وأصدر القرار الآتي:

1- الأصل الشرعي أنّه لا يجوز كشف عورة المرأة للرجل، ولا العكس، ولا كشف عورة المرأة للمرأة، ولا عورة الرجل للرجل.

2- يؤكد المجمع على ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقراره برقم وتاريخ وهذا نصه: "الأصل أنّه إذا توافرت طبيبة مسلمة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم طبيبة غير مسلمة.
فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم. على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج، أو امرأة ثقة خشية الخلوة". انتهى النقل.

3- في جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز أن يشترك مع الطبيب إلاّ من دعت الحاجة الطبية الملحة لمشاركته، ويجب عليه كتمان الأسرار إن وجدت.

4- يجب على المسؤلين في الصحة، والمستشفيات حفظ عورات المسلمين والمسلمات من خلال وضع لوائحَ وأنظمةٍ خاصة تحقق هذا الهدف، وتعاقب كل من لا يحترم أخلاق المسلمين، وترتيب ما يلزم لستر العورة وعدم كشفها أثناء العمليات إلاّ بقدر الحاجة، من خلال اللباس المناسب شرعاً.

5- ويوصي المجمع بما يلي:

- أن يقوم المسؤولون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية فكراً ومنهجاً وتطبيقاً بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوا عنايتهم الكاملة لدفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم وصيانة أعراضهم.

- العمل على وجود موجه شرعي في كل مستشفى للإرشاد والتوجيه للمرضى.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمدلله رب العالمين". انتهى قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

وقد وقعه مجموعة من العلماء، وعلى رأسهم رئيس المجلس سماحة الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله.

عاشراً: وضع نظام صارم لحفظ عورة المريض، وخصوصاً في غرف العمليات في اللباس، وطريقة نقله من غرفة التنويم إلى غرفة العمليات، وتجهيزه للعملية وإعادته بعدها إلى غرفته أو غرفة العناية المركزة، وهو كالآتي:

1- أن يتولى نقل المريض إلى غرفة العمليات وإعادته بعد العملية إذا كان المريض رجلاً: رجل، وإذا كان المريض امرأةً: امرأة. وتزيد المريضة شيئاً مهماً وهو: أن يوضع غطاء خشبي أو معدني على السرير ويوضع عليه غطاء من القماش؛ لأن الغطاء العادي (الشرشف) يصف الأعضاء وربما تكشفت بعض أعضائها.

2- أثناء التجهيز أن يتولى تجهيز المرضى من الرجال: رجال، وتجهيز المريضات: نساء، وأن يكون عدد الحاضرين في الغرفة حال التجهيز بقدر الحاجة.

3- أن يكون اللباس الذي يدخل به المريض إلى غرفة العمليات من قطعتين: قميص وسراويل، وأن يكون بطريقة فنية، يتحكم من خلالها في الكشف على الجزء المقصود دون ما عداه.

4- أن تكون غرف العمليات قسمان: قسم للنساء بطاقم نسائي، وقسم للرجال بطاقم رجالي.

5- تكوين لجنة رقابية في كل مستشفى لمتابعة تطبيق النظام الشرعي في حفظ العورات في غرف العمليات.

6- السعي في تحقيق الفصل التام بين الرجال والنساء في الميدان الطبي في كليات الطب والمستشفيات التعليمية، والمراكز الصحية الأولية، والمستشفيات، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل إن شاء الله تعالى في موضوع قادم.

7- أن يسمح بدخول مرافق للمريض، كما هو واقع المستشفيات العالمية (وهذا إذا كان المستشفى مختلطاً كما هو الأغلب).

وأخيراً أرجو ألاّ يكون التنبيه على المخالفات الشرعية داعٍ إلى التعميم أو إساءة الظن، فعدد من الأقسام الطبية وكثير من المراكز الصحية الأولية تكاد أن تسلم مما ذكر، والمقصود الأساس هو النصح والإصلاح.

ولا يفوتني في الختام أن أبعث بالشكر والتقدير لمستشفى جمعية البر الخيرية للنساء والولادة والأطفال بمحافظة عنيزة (بطاقم نسائي متكامل) والآن هم في طور زيادة ثلاثة أقسام نسائية وهي: الأسنان والباطنية والجراحة.

فبارك الله في جهودهم في حفظ عورات المؤمنات..

والحمد لله رب العالمين.

يوسف بن عبد الله الأحمد
المصدر: موقع صيد الفوائد

يوسف بن عبد الله الأحمد

المحاضر بجامعة الإمام / كلية الشريعة بالرياض / قسم الفقه