متى يعتذر المسلمون لنبيهم صلى الله عليه وسلم؟
الذي يَنبني عليه اعتذارنا، فهو أن البعض منا حين أراد أن يتظاهَر ويَنتفِض دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك حقٌّ بل واجب لم يُراعِ أن يكون ذلك في إطار الأخلاق المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرَج دفاعاً عنه!
لم يكن غريباً أن يتسبَّب الفيلم السيء والمُسيء للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في أن تعمَّ المُظاهَرات وأعمال الاحتِجاج أرجاء العالم الإسلامي نصرةً للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فليس أحب ولا أعز على المسلمين مِن نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومع أسفنا لأعمالِ العنف التي تخلَّلت هذه المُظاهَرات؛ إلا أنها -أي المظاهرات- كانت تعبيراً مهمّاً، وخطوةً لا بُد منها لإظهار غضب المسلمين مِن تَطاوُل السفهاء وبذاءاتهم التي لا تَنتهي، ولتجديد الحبِّ والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالتزامُن مع ذلك، انعقدت ندَوات ومؤتمرات كثيرة في هذا الشأن، وأعلنت مؤسَّسات إسلامية مُتعدِّدة عن مُبادَرات ومشاريع إعلامية وثقافيّة تنوي إطلاقها للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم.
لكن السؤال المُهم:
هل كنا بحاجة لهذا التطاوُل وتلك البذاءات، حتى نفكِّر جديّاً في كيفية التعريف بالإسلام وبأخلاق نبيه الكريم، وحتى نَنتفِض لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ونُطلِق تلك المُبادَرات والمشاريع؟!
أليس واجبنا -سواء وُجد هذا الفيلم وغيره أم لا- أن نضع في اعتبارنا أن هناك الملايين من البشر حول العالم لم يَصلْهم شيء عن الإسلام ونبيِّه الأعظم صلى الله عليه وسلم فضلاً عن أولئك الذين وصلتهم معلومات مَغلوطَة عن الإسلام؛ حتى ارتبط في أذهانهم بالإرهاب والعُنف والقتل؟!
إننا إذا كنا نُطالب أولئك الذين تطاوَلوا على النبي صلى الله عليه وسلم سواء عن عمدٍ أو جهلٍ بالاعتذار؛ فلسنا مبرَّئين مِن تَبِعة ما حدث، ويجب علينا أيضاً أن نَعتذِر للنبي صلى الله عليه وسلم.
واعتذارُنا هنا مبني على أمرَين:
الأمر الأول:
أننا تأخَّرْنا في التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم ونشر سيرته العطرة، وأخلاقه الفاضلة بين الناس؛ حتى تجرَّأ عليه السُّفهاء والأراذِل، وأيضاً الجهلاء. لقد تجاهلنا إبلاغَ الإسلام لغير المسلمين، ولم نقمْ بما يُمليه علينا كونُ الإسلام دعوةً عالمية للناس جميعاً، وهو الدين الذي قال الله سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
قال الطبري في تفسيره في المراد بـ "العالَمين": "وأَولى القولَين في ذلك بالصواب، القول الذي رُوي عن ابن عباس، وهو أن الله أرسل نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم رحمةً لجَميع العالم، مؤمِنهم وكافِرهم؛ فأما مؤمِنُهم، فإن الله هَداه به، وأدخله بالإيمان به وبالعمل بما جاء من عند الله الجنَّة، وأما كافرهم، فإنه دفع به عنه عاجِل البلاء الذي كان يَنزل بالأمم المُكذِّبةِ رسلَها من قبله". وفي الصحيحَين من حديث جابر بنِ عبدِالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «.. وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً».
فهل تعامَلْنا مع الإسلام باعتِباره رسالة عالمية لهِداية البشر جميعاً، أم تقَوقعْنا داخل هُمومنا ومشاكلنا الداخلية والذاتية التي كبَّلتْنا وقيَّدتنا عن مدِّ أبصارنا عن خارج حدود الزمان والمكان التي احتوتنا؟!
إن الإنسانية جمعاء في شوق ولهفَة للتعرُّف على الإسلام، دين الله الخاتم، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم صاحب الخلُق العظيم، وترنو ببصرها نحو هذا النور الممتدِّ مِن الإسلام بذاته من غير سعي جادٍ من أبنائه، فما بالكم لو بذل أبناء الإسلام ولو جهدًاً قليلاً للتعريف بهذا النور، ونشرِه بين حيَارى المادية والمذاهب الوضعيَّة؟! ومِن العجيب أن حوادث الإساءات تلك، المُتكرِّرة ضدّ الإسلام ومقدَّساته، تدفع الغربيِّين لمزيد من الاطِّلاع والبحث عن الإسلام -كما حصل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ورصدته التقارير ومراكز الأبحاث- مما يكون سبباً في دخول الآلاف منهم للإسلام لاحقاً، فسبحان من يجعل في المِحنَة مِنَحاً!
أما الأمر الآخَر:
الذي يَنبني عليه اعتذارنا، فهو أن البعض منا حين أراد أن يتظاهَر ويَنتفِض دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك حقٌّ بل واجب لم يُراعِ أن يكون ذلك في إطار الأخلاق المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي خرَج دفاعاً عنه! بحيث كان سلوك هذا البعض أسوأ تعريفٍ بالإسلام، وأثبت -من حيث لا يقصد- دعاوى هؤلاء المتربِّصين والمُستهزِئين عن الإسلام بأنه يدعو أتباعه للفوضى، والاعتداء على غيرهم، ولا يَعرف للإنسان حقوقاً!
نحن لم نتعود بعد كيف نعبِّر عن طاقات الغضب بما يَبني ولا يهدم، بما يصحِّح ولا يزيد الأمر سوءاً، بما يُمثِّل حلاًّ ولا يُعقِّد المشكلة.
الآن، المسلمون مُطالَبون بتقديم الاعتذار عن مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، وعن الاعتداءات على السفارات الأمريكية وغيرها في عدد مِن الدول الإسلامية، حتى صِرنا إزاء مشهد مُغاير؛ فبدلاً من التركيز على من أساء للنبي صلى الله عليه وسلم وكيفية الضغْط لإقرار قوانين عالمية تمنع من الإساءة للإسلام ومقدَّساته؛ إذ بنا نُفاجأ أن الإعلام العالمي يَقلِب الطاولة علينا، ويحوِّل دفَّة الأخبار إلى مَقتل سفير والاعتداء على سفارة، ونحن الذين فعلنا بأنفسنا ذلك، فهل هذا أمر يُرضي الله ورسوله، ويَخدم قضيتنا "العادلة" التي انتفَضْنا لها؟!
هذا فضلاً عن الخطأ الشرعي الذي وقع فيه هؤلاء بقتلِهم واعتدائهم على مَن دماؤهم وأموالهم مصونة بأحكام الشريعة الإسلامية؛ إذ هم مقيمون بعقود أمان داخل أرضِنا، وكذلك القانون الدولي يَمنع ذلك ويُجرمه، فهل فكَّر في ذلك هؤلاء، أم تراهم أرادوا أن يُحرِجوا الحكومات الإسلامية أمام الدول الغربية، ويَفتعِلوا أزمات معها كنوع مِن تصفية الحسابات مع حكوماتهم؟!
إن هذا الأمر الأخير لو صدَق -وهو كذلك في الغالب- لعَظُمت المصيبة؛ إذ معنى ذلك أن مِن بيننا مَن لا يُمانع -في سبيل تصفيَة حساباتٍ سياسيةٍ داخلية- أن يجرَّ البلاد إلى مغامَرة غير محسوبة، ويَفتعل أزمات خارجية تضرُّ بالبلد ككلٍّ، فهل هذا مِن الإسلام في شيء؟!
فمتى يَعتذر المسلمون لنبيِّهم محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينتظرون وقوع المصائب حتى يَهبُّوا لنصرته، والدفاع عنه، وتعريف الناس جميعاً بأخلاقه الفاضِلة، وقِيَمِه المُثلى، وشريعته الخاتمة الغراء؟!
السنوسي محمد السنوسي