فتاوى العلماء في حكم تمثيل الصحابة الأجلاء

منذ 2012-09-29

إن المشاهد في التمثيليات التي تقام والمعهود فيها طابع اللهو وزخرفة القول والتصنع في الحركات ونحو ذلك مما يلفت النظر ويستميل نفوس الحاضرين ويستولي على مشاعرهم ولو أدى ذلك إلى لي في كلام من يمثله، أو تحريف له أو زيادة فيه..



فتوى رقم (4723):
س: ما حكم تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصحابة والتابعين رضي الله عنهم؟ وعن تمثيل الأنبياء وأتباعهم من جانب والكفار من جانب آخر؟

ج: أولا: إن المشاهد في التمثيليات التي تقام والمعهود فيها طابع اللهو وزخرفة القول والتصنع في الحركات ونحو ذلك مما يلفت النظر ويستميل نفوس الحاضرين ويستولي على مشاعرهم ولو أدى ذلك إلى لي في كلام من يمثله، أو تحريف له أو زيادة فيه، وهذا مما لا يليق في نفسه فضلا عن أنه يقع تمثيلا من شخص أو جماعة للأنبياء وصحابتهم وأتباعهم فيما يصدر عنهم من أقوال في الدعوة والبلاغ، وما يقومون به من عبادة وجهاد أداء للواجب ونصرة للإسلام.

ثانيا: إن الذين يشتغلون بالتمثيل يغلب عليهم عدم تحري الصدق وعدم التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وفيهم جرأة على المجازفة وعدم مبالاة بالانزلاق إلى ما لا يليق ما دام في ذلك تحقيق لغرضه من استهواء الناس وكسب للمادة ومظهر نجاح في نظر السواد الأعظم من المتفرجين، فإذا قاموا بتمثيل الصحابة ونحوهم أفضى ذلك إلى السخرية والاستهزاء بهم والنيل من كرامتهم والحط من قدرهم وقضى على مالهم من هيبة ووقار في نفوس المسلمين.

ثالثا: إذا قدر أن التمثيلية لجانبين، جانب الكافرين كفرعون أبي جهل ومن على شاكلتهما، وجانب المؤمنين كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وأتباعهم - فإن من يمثل الكافرين سيقوم مقامهم ويتكلم بألسنتهم فينطق بكلمات الكفر ويوجه السباب والشتائم للأنبياء ويرميهم بالكذب والسحر والجنون..إلخ، ويسفه أحلام الأنبياء وأتباعهم ويبهتهم بكل ما تسوله له نفسه من الشر والبهتان مما جرى من فرعون وأبي جهل وأضرابهما مع الأنبياء وأتباعهم لا على وجه الحكاية عنهم، بل على وجه النطق بما نطقوا به من الكفر والضلال هذا إذا لم يزيدوا من عند أنفسهم ما يكسب الموقف بشاعة ويزيده نكرا وبهتانا وإلا كانت جريمة التمثيل أشد وبلاؤها أعظم وذلك مما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من الكفر وفساد المجتمع ونقيصة الأنبياء والصالحين.

رابعا: دعوى أن هذا العرض التمثيلي لما جرى بين المسلمين والكافرين طريق من طرق البلاغ الناجح والدعوة المؤثرة والاعتبار بالتاريخ - دعوى يردها الواقع، وعلى تقدير صحتها فشرها يطغى على خيرها.ومفسدتها تربو على مصلحتها وما كان كذلك يجب منعه والقضاء على التفكير فيه. خامسا: وسائل البلاغ والدعوة إلى الإسلام ونشره بين الناس كثيرة، وقد رسمها الأنبياء لأممهم وآتت ثمارها يانعة؛ نصرة للإسلام، وعزة للمسلمين، وقد أثبت ذلك واقع التاريخ فلنسلك ذلك الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولنكتف بذلك عما هو إلى اللعب وإشباع الرغبة والهوى أقرب منه إلى الجد وعلو الهمة، ولله الأمر كله من قبل ومن بعد وهو أحكم الحاكمين.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو... عضو... نائب رئيس اللجنة... الرئيس
عبد الله بن قعود... عبد الله بن غديان... عبد الرزاق عفيفي... عبد العزيز بن عبد الله بن باز 3-269).
السؤال الثالث من الفتوى رقم (2442)

س 3: ما حكم تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم - على مسارح المدارس؟
ج 3: سبق أن نظر مجلس هيئة كبار العلماء في ذلك وأصدر قرارا فيه، وفيما يلي نص مضمونه:
1 - إن الله - سبحانه - أثنى على الصحابة وبين منزلتهم العالية، ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.

2 - أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء به، ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، والأخلاق السامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله، ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

3 - ما يقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه؛ رغبة في العبرة والاتعاظ - فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع المسلمين ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.

4 - من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة. فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة، وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يجب منع ذلك.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو... عضو... نائب الرئيس... الرئيس
عبد الله بن قعود... عبد الله بن غديان... عبد الرزاق عفيفي... عبد العزيز بن عبد الله بن باز

فتوى رقم (2044):
س: هل يجوز تمثيل الصحابة لأننا نقدم تمثيليات وقد أوقفنا إحداها رغبة في معرفة الحكم.
ج: تمثيل الصحابة أو أحد منهم ممنوع؛ لما فيه من الامتهان لهم والاستخفاف بهم وتعريضهم للنيل منهم، وإن ظن فيه مصلحة فما يؤدي إليه من المفاسد أرجح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، وقد صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء في منع ذلك.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو... عضو... نائب رئيس اللجنة... الرئيس
عبد الله بن قعود... عبد الله بن غديان... عبد الرزاق عفيفي... عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

استنكار إخراج فيلم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فقد اطلعت على ما نشرته مجلة المجتمع الكويتية في عددها 162 الصادر بتاريخ 9 -7- 1393 هـ تحت عنوان (فيلم محمد رسول الله) وقد تضمن الخبر المذكور أنه خلال الأيام الماضية تم التوقيع على عقد تأسيس الشركة العربية للإنتاج السينمائي العالمي، وتولى التوقيع ممثلو حكومات ليبيا والكويت والمغرب والبحرين، وأن الشركة المذكورة تعاقدت مع المخرج مصطفى عقاد لإنتاج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حياته وتعاليمه (بالسينما سكوب) والألوان، يستمر عرضه ثلاث ساعات ويخرج بعشرين لغة عالمية بما فيها العربية.
وذلك بالاستناد إلى قصة أقرها الأزهر والمجلس الشيعي الأعلى واشترك في صياغتها توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبد الرحمن الشرقاوي، انتهى الخبر المذكور، ولكون ذلك فيما نعتقد أمرا منكرا، وحدثا خطيرا يترتب عليه مفاسد كبرى، وأضرار عظيمة واستهانة بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وتعريض لذاته الشريفة إلى التلاعب بها والاستهزاء والتنقص- رأيت المساهمة في إنكار هذا المنكر، والإهابة بالدول الأربع الموافقة على إخراجه بالرجوع عن ذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم، واحتراما له، واحترازا عن تعريض ذاته الشريفة للتنقص والاستهانة والسخرية.

ومعلوم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل وقد عرض هذا الموضوع على المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة فقرر: تحريم إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحريم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، وذلك في المادة السادسة من قراره المتخذ في دورته الثالثة عشرة المنعقدة خلال المدة من 1 شعبان 1391 إلى 13 شعبان 1391 هـ، وهذا نص المادة المذكورة: (1- يقرر المجلس التأسيسي بالإجماع تحريم إخراج فيلم محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من تمثيله - صلى الله عليه وسلم - بآلة التصوير الكاميرا مشيرة إليه وإلى موضعه وحركاته وسائر شئونه بالتحديد، وتمثيل بعض الصحابة - رضي الله عنهم - في مواقف عديدة ومشاهد مختلفة وهو محرم بالإجماع.

2 - يوصي المجلس الأمانة العامة للرابطة بإبلاغ هذا القرار لجميع الدول الإسلامية، والمنظمات الإسلامية، والجمعيات الدينية في البلاد العربية والإسلامية ووزارات الإعلام، ومشيخة الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، والصحف، والإذاعات في البلاد الإسلامية كافة.

3 - يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، بإخطار مخرج هذا الفيلم بهذا القرار جوابا على طلبه الأخير بإخراج الفيلم وإنذاره بأن الأمانة العامة للرابطة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول الاعتداء على قدسية وحرمة صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم، وحرمة أصحابه الأكرمين في أية جهة من العالم.

4 - يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بوضع رسالة في حرمة إخراج فيلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين تضم ما أجرته الأمانة العامة للرابطة بشأنه في جميع مراحله، وما صدر فيه من قرارات في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي والمنظمات الإسلامية الأخرى، وما صدر بشأنه من القرارات والفتاوى في البلاد الإسلامية عامة، ونشر ذلك في البلاد الإسلامية تبصرة وتنويرا وإرشادا وتحذيرا.

5 - يشكر المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي على ما قامت به من جهود موفقة في هذا الموضوع الخطير). انتهى، كما قررت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منع تمثيل الصحابة رضي الله عنهم: والنبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى وذلك بقرارها رقم 13 وتاريخ 16 4 1393 هـ الآتي نصه:
(الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1 4 1393 و 17 4 1393 هـ قد اطلعت على خطاب المقام السامي رقم 44 93 وتاريخ 1 1 1393 هـ الموجه إلى الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والذي جاء فيه ما نصه:
نبعث إليكم مع الرسالة الواردة إلينا من طلال بن الشيخ محمود البني المكي مدير عام شركة لونا فيلم من بيروت بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي يصور حياة (بلال) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم نرغب إليكم بعد الاطلاع عليها عرض الموضوع على كبار العلماء لإبداء رأيهم فيه وإخبارنا بالنتيجة، وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي، وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك وتداول الرأي قررت ما يلي:
1 - إن الله سبحانه أثنى على الصحابة، وبين منزلتهم العالية ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية أو فيلم سينمائي منافاة لهذا الثناء الذي أثنى الله عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها الله لهم وأكرمهم بها.

2 - إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعا للسخرية والاستهزاء، ويتولاه أناس غالبا ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة والأخلاق الإسلامية مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ فسيشتمل على الكذب والغيبة كما يضع تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم في أنفس الناس وضعا مزريا فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخف الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم والجدل والمناقشة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله ويجري على لسانه سب بلال وسب الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به الإسلام ولا شك أن هذا منكر، كما يتخذ هدفا لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

3 - ما يقال من وجود مصلحة وهي إظهار مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة وضبط السيرة وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه رغبة في العبرة والاتعاظ فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين وما يهدفون إليه عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين ورواد التمثيل وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.

4 - من القواعد المقررة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة أو راجحة فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه فمفسدته راجحة، فرعاية للمصلحة وسدا للذريعة وحفاظا على كرامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منع ذلك وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمدا صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين هم أرفع من أن يظهروا صورة أو صوتا في هذا الفيلم، لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير بلال وأمثاله من الصحابة إنما كان لضعف مكانتهم ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة، فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم وتعريضهم للسخرية والاستهزاء في نظرهم فهذا غير صحيح. لأن لكل صحابي فضلا يخصه وهم مشتركون جميعا في فضل الصحبة وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند الله جل وعلا، هذا القدر المشترك بينهم وهو فضل الصحبة يمنع من الاستهانة بهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه). انتهى.
ولكل ما تقدم وما سوف يفضي إليه الإقدام على هذا الأمر من الاستهانة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضي الله عنهم وتعريض سيرته وأعماله وسيرة أصحابه وأعمالهم للتلاعب والامتهان من قبل الممثلين وتجار السينما يتصرفون فيها كيف شاءوا، ويبرزونها على الصفة التي تلائمهم بغية التكسب والاتجار من وراء ذلك، ولما في هذا العمل الخطير من تعريض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم للاستهانة والسخرية، وجرح مشاعر المسلمين، فإني أكرر استنكاري بشدة لإخراج الفيلم المذكور.
وأطلب من جميع المسلمين في كافة الأقطار استنكارهم لذلك، كما أرجو من جميع الحكومات والمسئولين بذل جهودهم لوقف إخراجه. وفي إبراز سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضي الله عنهم بالطرق التي درج عليها المسلمون من عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ما يكفي ويشفي ويغني عن إخراج هذا الفيلم.
وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين جميعا وحكوماتهم لكل ما فيه صلاح المسلمين في العاجل والآجل، ولكل ما فيه تعظيم نبيهم صلى الله عليه وسلم التعظيم الشرعي اللائق به وبأصحابه الكرام، والحذر من كل ما يفضي إلى التنقص لهم أو السخرية منهم أو يعرضهم لذلك، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

(مجموع فتاوى ابن باز 1-413).
قال العلامة بكر أبوزيد - رحمه الله - في كتابه التمثيل:

شبهة المجيزين والجواب عنها
لا أعلم قائلاً بجواز (التمثيل) مطلقاً، ومن أجازه حفه بشروط وضوابط، وفي هذه الحال فللمجيز جوازاً مقيداً بشروط: شبَه أفضت به إلى القول بالجواز بشروطه.
يمكن تصنيفها على ما يلي:
1- التمثيل ترفيه بريء، ولهو مُباح.
2- التمثيل هادف إلى: بث الوعي، ومعالجة القضايا الأخلاقية، والمشاكل الاجتماعية،، فهو: وسيلة تربوية.
3- التمثيل وسيلة إظهار لعظمة الإسلام، ومجد عظمائه.
4- التمثيل من باب ضرب الأمثال بالمحسوسات وتقرير الحقائق، والدلالة عليها. وفي القرآن والسنة من هذا شيئ كثير، والله تعالى يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر/21]. قالوا: فهكذا التمثيل، لإيضاح وتجسيد للغاية التي يُـقام من أجلها، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح بحسب غايته.
5- قياسه على تمثيل جبريل عليه السلام لمريم في صورة بشر، وكذا في مواضع أخر، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
6- ما درج عليه جماعة من المؤلفين مثل الحريري في مقاماته، وابن المقفع في كليلة ودمنة.
7- مزاولته لدى بعض المتقديم باسم (خيال الظل).
والجواب عنها على ما يلي:
(1) أما أن التمثيل ترفيه بريء ولهو مباح، فهذا لا يمكن قبوله، لما رأيت في توجيه التحريم لذاته وموضوعه، وآثاره، فأنـّى له البراءة، فضلاً عن الإباحة.
(2) أما أنه وسيلة دينية لإظهار مجد الإسلام، فإن ما يُؤدي إلى خدمة الدين مطلوب، بشرط عدم الإحداث والابتداع {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم / 64]، والدعوة إلى الله توقيفية في وسيلتها، وغايتها، والوسيلة لا تبررها الغاية، وهذه وسيلة تعبدية محدثة، فسبيلها الرد ابتداء.
إضافة إلى ما يُحيط بها في موضوعها ونتائجها مما تقدم لك بيانه، ينتج من هذا أنها وسيلة محدثة فهي رد، والله أعلم.
(3) وأما أنها وسيلة تربوية وهادفة.. فهذا مقدوح بما تقدم لك من علة التشـبه، وما يمازجها من محاذير شرعية، وكما أن قاعدة الشريعة منع التشبه، فقاعدة الشريعة أيضاً دفع المفاسد وتقليلها، وجلب المصالح وتكثيرها، وقد علمت ما ينطوي عليه التمثيل هنا من مضامين يرفضها الشرع، فسبيل هذه الوسيلة المنع، والله أعلم.
(4) وأما قياسه على ضرب الأمثال في الكتاب والسنة، فهذا قياس مقدوح فيه بقيام الفارق بين المقيس والمقيس عليه، إذ الأمثال قولية، أما (التمثيليات) فهي فعليه تمارس بالذوات، فكيف يُقاس هذا، على هذا مع عدم تطابقهما، فثبت فساد القياس...
ثم إن ضرب الأمثال في القرآن الكريم قد تنوعت، فضرب المثل بالأعمى والأصم، وبالعنكبوت، ورؤوس الشياطين، والكلب، والحمار، والأنعام، والعبد المملوك، وهكذا.
فهل يقول المستدل على جواز التمثيل بضرب الأمثال، بجواز تمثيل المسلم بدور الشياطين، والكلاب، والحمير، والأنعام.
وهذا إلزام وارد، على سبيل التنزل، وإلا فأصل القياس غير سليم، والله أعلم.
(5) أما تمثيل جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي وغيره، فقياس فاسد لما يلي:
وهو أن القدرة على التشكل من خصائص عالم الغيب عن عالم الشهادة، فقد جعل الله سبحانه وتعالى للملائكة القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم تشكلاً حقيقياً، كما في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
ففي القرآن، أرسل الله - تعالى -جبريل إلى مريم في صورة بشـر{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} [مريم / 17].
وجاءت الملائكة إلى إبراهيم في صورة بشر.
وجاء جبريل إلى نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في صور وأشكال متعددة، في صورة دحية الكلبي، وفي صورة أعرابي..
ومن إعطاء الله لهم القدرة على التشكل ما في قصة: الأقرع، والأبرص، والأعمى.
وقد أعطى الله الشياطين والجان القدرة على التشكل بأشكال الإنسان والحيوان.
ومنها: مجيء الشيطان إلى المشركين يوم بدر في صورة سُراقة بن مالك.
كما تتشكل في صورة كلب.. أو حيات.
والشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم.
فهذه تشكلات حقيقية أقدر الله عليها عالم الغيب من الملائكة الأبرار، والشياطين والجن الأشرار، واختصهم بها لعلة الامتحان والابتلاء والاختبار في بعضها. ولعلل وأحكام لا يعلمها إلا من قدرها. ولم تكن هذه التشكيلات الحقيقية لآدمي قط، فهي قاصرة على محلها في (عالم الغيب).
بناءاً على هذا، فقياس (عالم الشهادة) على (عالم الغيب) في ذلك قياس فاسد، لأنه قياس تشكل جزئي وهمي كاذب، على تشكل كلي حقيقي صادق. ولأن العلة الجامعة قاصرة على محلها في عالم الغيب، وتوفرها في طرفي القياس ركن في صحته، وفقدانها هنا ظاهر، فضلاً عن شرط تساويهما في الفرع والأصل، لو وجدت، فهي مفقودة أصلاً في النوع المقيس.
ولو اشتركا في العلة فشرطها أن تكون بوصف ظاهر، وليست في عالم الغيب كذلك.
فنخلص من هذا أنه قياس فاسد لاختلال ركنه وشرطه، والله أعلم.
5 أما ما درج عليه بعض الأدباء في تأليف غريب اللغة بمقامات على لسان شخصيات وهمية متخيلة مثل (مقامات الحريري) وغيرها، فهذا أيضاً من القياس الباطل، الفاقد لشروطه، المختل ركنه. إذ أنه مقدوح فيه، وذلك بالفرقان بين المقيس والمقيس عليه. حيث أن الحريري في سياقته لمقاماته، لم يتقمص شخصية معيّـنه ولا وهمية، بخلاف التمثيل.
ثم هذا من باب القول لا من باب الفعل، ثم هو من باب المحاورة والتعليم لا من باب التمثيل والتشبيه، كالشأن فيما هو أبعد من ذلك، كحديث تعليم جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والإحسان. وهكذا.
ثم أرونا أثراً واحداً مرفوضاً شرعاً يترتب على هذا.
وأما كليلة ودمنة، فهو ليس من تأليف ابن المقفع المتوفى سنة 145هـ، وإنما هو من ترجمته، وحسبك أنه ابن المقفع الذي ليس له رواية في الإسلام مع تقادم عهده في صدر عصر الرواية.
وعلى كل حال فهذه الكتب:
مقامات الحريري، وألف ليلة وليلة، وسيرة عنترة، جميعها من باب ضرب الأمثال، لا من باب التمثيل. وقد ألمح إلى ذلك ابن حجر الهيثمي في "فتاويه" ونقله عنه الكتاني في "التراتيب الإدارية" (2 / 226 227).
6 - وأما ما تقدم في تاريخ التمثيل من وجود لعب وحكايات في هذا كانت معروفة باسم (خيال الظل)، فهذه وإن وُجدت في عصور متأخرة، فهي منقطعة الاتصال بصدر هذه الأمة. ثم وجودها في طبقة الصعاليك والمترفـين، وهؤلاء ليسوا بحجة على الدين.
ثم وجد من أنكرها من العلماء، فاستجاب له الأمراء. والله أعلم.
 
المصدر: موقع صيد الفوائد