اللاجئون السوريون.. والفرار من جحيم العنصرية

منذ 2012-10-22

إن مشكلة اللاجئين السوريين لا توجد فقط في الأردن، فهم يعانون أيضاً في لبنان وتركيا، وإن هذه القضية من أهم القضايا التي تضع الإنسان المسلم أمام اختبار حقيقي لمؤازرة إخوانه في الدين وتعويض ما فاتهم من حرمان والتهوين من عذاباتهم..


لم يكن يسعفنا الوقت لنتحدث عن الجميع، لكن وإن أوجزنا فإن المعاناة تتكرَّر أينما حلوا وأينما رحلوا.. يتحدث إليَّ الشيخ زايد حماد، رئيس جمعية الكتاب والسُنّة التي تقوم على تقديم الإعانات للاجئين السوريين في الأردن: "أشعر بحرقة وألم شديد حينما أنظر إلى معاناة هؤلاء الناس، وما يُؤلم أكثر هو أن الأمة التي تستطيع أن تقدم الكثير بحقهم لا تفعل ما يكفي مع الأسف".

إحدى المآسي التي تتكرَّر دائماً هو أننا وجدنا عائلة سورية تعيش في بيتٍ شبه منهار تسترهم جدرانه عن عيون الناس، لكن لا تقيهم حرارة الشمس أو برد الشتاء، ولا حتى ألم الجوع، خرجتُ في التاسعة صباحاً وبرفقتي أحد المتبرعين، كان يحمل بسيارته مجموعة من الأثاث يريد التبرّع بها للعائلات السورية الهاربة من رعب العداء العنصري الذي يمارَس بحقها، وكأنها حكاية بوسنة جديدة تتكرَّر!! دخلنا المنزل ففوجئنا بالمنظر المهول؛ عائلة سورية "الرجل وزوجته وطفله"، نظرت يميناً وشمالاً فلم أرَ أي شيء سوى فراش وغطائين خفيفين باليين، فسألتهم: أين نِمتم ليلة البارحة؟ فقالوا: على هذا الفراش.

فصدمت أنا ومن معي، فالفراش مهترئ ولا يصلح لأن ينام عليه أحد، والذي صدمني أكثر كيف أنهم تحمَّلوا البرد القارس وكنا حينئذ في فصل الشتاء، ونظرت إلى الطفل الذي يرتدي الملابس الخفيفة.. لا يستطيع المرء أن يرى هذا المنظر ويتخلى عن واجبه تجاه إخوانه المسلمين، فهم هربوا من جحيم الحرب بملابسهم التي يرتدونها".

حِكايةً أخرى من مآسي اللاجئين السوريين في الأردن يرويها الشيخ حماد: "في منطقة نائية تسكن عائلة في بيت قديم وصلنا لتفقدها بعدما سمعنا عن وجودها، وحينما شاهدنا المنزل وجدنا جدراناً خارجية فقط ونوافذَ مكسورة وجرذاناً تنتشر في المنزل.. هل يُعقل أن تعيش مسلمة بأطفالها الأربعة في مثل هذا المنزل؟ ليس ذلك فحسب، فالمرأة مصابة بالصرع وأحد أطفالها مصاب بالسرطان.. كل ما يرتديه الأطفال لا يستر سوى نصف أجسادهم، والأمر الأكثر إيلاماً أنهم يحصلون على الطعام من حاوية النفايات كما أخبرنا بعض من ذهب إليهم.

أما قصة المرأة الحامل التي سقطت بالقرب من الحدود السورية الأردنية مصابةً برصاصة في خاصرتها؛ هي كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة.. لا يسع المرء أن يصدق أن يقدم إنسان على مطاردة امرأة حامل ويريد قتلها هي وطفلتها.. كانت تركض هي وطفلتها وزوجها هرباً من عصابات النظام السوري حينما أطلقت عليها النار بالقرب من الحدود، فسقطت خلف الأسلاك الشائكة مغشياً عليها، ولولا شهامة بعض الجنود الأردنيين الذين تسلَّلوا داخل الحدود وأحضروها، لفارقت الحياة أمام أعيننا.

زحفوا لمسافة ثلاثة كيلو مترات ليهربوا من الجحيم، ويبحثوا عن مكان يجدون فيه الدفء والأمان من الخوف الذي يطاردهم في وطنهم.. تم نقلهم إلى المستشفى وعولجت المرأة وعولج زوجها من إصابة في قدمه".


الدعم الإغاثي:

منذ أن اندلعت الثورة السورية المباركة في 15/3/2011، والشعب الأردني يقف مع الشعب السوري في ثورته، وتحرِّك الشعورَ بواجب المؤازرة هذا عدة روابط تأسَّست مع مرور الزمن بين الشعبين، وعلى رأسها رابط الدين والعقيدة الذي يجمعنا نحن المسلمين.

لذلك منذ أن بدأت العائلات السورية الهاربة من جرائم العصابات النصيرية في درعا تصل إلى مدينة الرمثا الأردنية؛ بدأت الجمعيات الأهلية والخيرية التواصل مع اللاجئين ومدَّ يد العون والمساعدة لهم.

ويتوزع اللاجئون السوريون في الأردن على سبع مدن، هي: "إربد، الرمثا، المفرق، الزرقاء، جرش، الكرك، وعمّان".

ويمكن تقسيم اللاجئين السوريين إلى حالات إنسانية مختلفة؛ فمنهم من هو مقتدر مالياً، ومنهم من لا يملك المال وهؤلاء تقدم لهم مساعدات من قبل الجمعيات الخيرية وفاعلي الخير، وهناك لاجئون يعيشون عند أقاربهم.. ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن بحسب الإحصاءات الميدانية شبه الرسمية، ما يقارب 200 ألف لاجئ، وعدد المسجلين لدى الجمعيات العاملة في الجانب الاغاثي أكثر من 100 ألف فرد، تكفل جمعية الكتاب والسنة التي يُديرها الشيخ زايد حماد العددَ الأكبر منهم، حيث مقيَّدٌ في سجلات الجمعية 50 ألف فرد، ولا تزال الأعداد في تزايد، والله المستعان.


الحالة الصحية والمعيشية:

يعاني بعض اللاجئين حالة صحية متردية نتيجة ما عانوه في الداخل أو أثناء رحلة اللجوء، كما أن هناك كثيراً من الحالات بحاجة إلى تدخّل جراحي عاجل، وبسبب عدم توفر الأموال الكافية لم يتم إجراء تلك العمليات العاجلة لارتفاع تكاليفها، وهو ما يسبِّب تردي الوضع النفسي والصحي لهم. ويقدر عدد المصابين الذين هم بحاجة إلى علاج عاجل بأكثر من 500 حالة تقريباً، وهم بازدياد بسبب تفاقم الأوضاع الصعبة داخل سورية، أما بالنسبة إلى الحالات المرضية المزمنة وكبار السن فتقدر بـ 20 ألف حالة من أمراض السكري والضغط والقلب وغيرها، وهم يحتاجون إلى الدواء بشكل دائم، ويضاف إلى ذلك مرضى العمليات المتوسطة وحالات الولادة، كذلك الحالات النفسية التي هي بحاجة إلى علاج ومتابعة.

أما الجانب المعيشي في حالة اللجوء السورية، فإنها في أحسن أحوالها لا تزيد عن حد الكفاف، إذ يعيشون على الإعانة والإغاثة من الجمعيات الخيرية التي تقدم لهم طرداً غذائياً مرة في الشهر أو مرتين، بغية سد الرمق وكفاية الحاجة. ومحتويات الطرد الغذائي معلبات وسكر وأرز. ولا يحصل اللاجئون على الخضار أو اللحوم والدواجن واحتياجات الأطفال والمرأة الأساسية. من باب الإشارة وليس التفصيل، فإن جلَّ النساء بحاجة إلى مستلزمات نسائية شخصية، منها ما يستعمل بشكل يومي أو بشكل دوري، يضاف إليها الاحتياجات اليومية للأطفال، مثل: الحليب، والحفاضات، وغيرهما.

وللمزيد من التفصيل فإن الأردن كغيرها من البلدان العربية لا تمتلك مخيمات للاجئين، لذلك يسكن اللاجئون في بيوت مستأجرة، فتحتاج الأسرة إلى إيجار شهري يراوح بين 150 و250 دولاراً شهرياً بسبب غلاء المعيشة في الأردن، والأسرة التي لا تملك ثمن الإيجار ستسكن مع أسرة ثانية، وربما ثالثة، في بيت واحد، كما في بعض الحالات.. ومن هنا؛ فإن توفير إيجار البيوت يعدُّ من أولى الأولويات ومن أصعب الأشياء المراد تحصيلها وتوفيرها للاجئين، خصوصاً إذا علمنا أن جمعية الكتاب والسنة لوحدها بحاجة إلى قرابة المليوني دولار شهرياً لإيجارات المنازل.

أما بالنسبة للتعليم، فإن الحكومة الأردنية تسمح لأبناء اللاجئين السوريين بالانضمام إلى المدارس الحكومية في المملكة مجاناً، وكان لهذه الخطوة أثر طيب مبارك في طمأنة اللاجئين على مستقبل أبنائهم التعليمي والدراسي، لكن هذا مرتبط بقدرة المدارس الحكومية في مناطق اللاجئين على استيعاب الطلبة، وهي قدرة محدودة، فلذلك ستكون هناك حاجة إلى إدخال بعض الطلبة في مدارس خاصة، وهذا أمر فوق قدرة اللاجئين، بل كثير من الأردنيين أنفسهم، وبالطبع هؤلاء الطلبة بحاجة إلى حقائب مدرسية وكذلك مصروف يومي.


تحديات تواجه العمل الإغاثي:

يُلاحِظ الزائر لمخيمات اللاجئين المذكورة أن التحديات التي تسهم في تعطيل العمل الإغاثي أو استغلاله بشكلٍ سيئ من قبل المنظمات الدولية؛ كبيرة جداً، ومن أبرزها:

- قلة الدعم المالي مقارنة بالأعداد الكبيرة للاجئين، وتأخّر وصول المساعدات، فالفارق الكبير بين الإعلان عن حملات الإغاثة الإقليمية والدولية لدعم اللاجئين والوجود الحقيقي لها على أرض الواقع؛ سبَّب إرباكاً لخطط سير البرنامج الإغاثي، وخيبةَ أمل لدى اللاجئين، وتبرز أصابع الاتهام إلى القائمين على العمل الإغاثي. وكذلك يركز كثير من المتبرعين على الطرود الغذائية رغم وجود حاجات أساسية للاجئين يغفلونها، فمثلاً الكثير من اللاجئين الذين يعيشون في بيوت مستأجرة لا يستطيعون تحمل نفقات الإيجار ولا أحد يساعدهم على ذلك إلا القليل من أهل الخير.

- ومن المعوقات أيضاً إصرار المتبرعين على التوزيع الشخصي للمساعدات، وهذا الأمر يسبب إرباكاً كبيراً، فلا يمكن ضبط تواريخ المساعدات ضمن برنامج، بل تصبح تحت رحمة زيارة المتبرع! كما أن المتبرع الفردي تكون قدرته محدودة على تغطية الأسر المنتظرة للمعونة "فنصبح في حرج؛ من تعطي ومن تدع"، ولأنهم يعيشون في بيوت مستأجرة متباعدة وليس في مخيمات، فهذا الأمر فيه إهدار للوقت وإرهاق للكوادر وتكلفة مالية عالية بسبب التنقل بالتبرعات العينية.


ابتزاز اللاجئين وتنصيرهم:

تتستَّر المنظمات الدولية والغربية بستار الإغاثة لنشر منصِّرين لابتزاز اللاجئين واستغلال حاجتهم إلى المأكل والمشرب والملبس... وغيرها؛ لتنصيرهم، وهذا الأمر من المؤسف أن يقع بين ظهرانينا ونحن نتأمل ذلك ولا نفعل شيئاً.

تقوم الكنائس في كثير من الأحيان بتوزيع مساعدات على أسر سورية من خلال بعض المنصِّرين مع أناجيل وبطانيات تحمل صور صلبان، وتم هذا التوزيع من قبل الكنائس والمدارس الكنسية مباشرة، مع توزيع منشورات تنصيرية، وعند تقديم المساعدة الطبية للأسر السورية يتم طلب ترديد عبارات الخلاص وربوبية المسيح.

وكذلك ظهرت مشكلة "الحجز المؤقت" للاجئين عن طريق الشيك "دخول غير نظامي أو تهريب"، حيث يتم ترحيل اللاجئين الذين يدخلون عن طريق الشيك وليس المعبر الحدودي الرسمي "بالحجز التحفظي"، لحين إجراء عملية الكفالة، حيث يتم استيفاء مبلغ 6 دنانير عن كل فرد من العائلة، والتوقيع على كفالة بثلاثة آلاف دينار أردني.

وكذلك لا ينبغي إهمال مشكلة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية الذين تحتجزهم السلطات الأردنية في "الحجز المؤقت"، فمنذ أكثر من 4 أشهر وهم يعيشون في ظروف معيشية صعبة، وهذه العائلات لا يسمح لأحد بكفالتها لاعتبارات سياسية - على حد قول السلطات الأردنية.. وهل مئات الأشخاص سيعلنون الأردن وطناً بديلاً للشعب الفلسطيني؟!


أهم احتياجات اللاجئين السوريين حسب الأولويات هي:

* الاحتياجات المعيشية:

وتتلخص في إيجار البيت الشهري، حاجيات الأطفال من حليب وفوط، حاجيات المرأة الأساسية، فرش البيوت بسجاد وخلافه، وطرد شهري لأهم المواد الغذائية والصحية التي يجب توفرها: خبز، خضار، ولحوم.

* الاحتياجات الطبية:

إجراء عمليات جراحية للمصابين، تغطية حالات الولادة، المتابعة الفيزيائية للمصابين، توفير العلاجات الطبية المستمرة للأمراض المزمنة، مثل: جرعات السرطان، وهي مكلفة جداً، ولا يمكن إغفال أمراض السكري والضغط والقلب أيضاً.. وهناك حاجة إلى عيادة لحل المشاكل النفسية "حيث وجدنا كثيراً من هذه الحالات بين الأطفال والنساء بسبب ما كانوا يسمعونه ويرونه من إطلاق نار وقتل واقتحامات وتعذيب لهم ولأناس أمامهم"، وإيجاد مستشفى ميداني بأقصى سرعة ممكنة.

* الاحتياجات التعليمية:

مصروف شهري للطلبة، حقيبة مدرسية وقرطاسية، ورسوم دراسية لمن لم تتوفر لهم مقاعد في المدارس الحكومية.. وقد لوحظ أن هناك عدداً كبيراً من الطلبة المتسرِّبين من الدراسة وهم بحاجة إلى برامج تدريب وتأهيل.

* الاحتياجات الدعوية:

توفير كتب ومصاحف لتوزيعها على العائلات السورية، حيث إن الكثير منهم يطلب ذلك مع بعض الكتب، خاصة أن كثيراً منهم يجهل أمور الدين الضرورية.

* حاجيات عائلات الشهداء والمفقودين والمعتقلين:

توفير كفالات للأيتام بشكل دوري بحيث يتم العناية بهم مادياً ومعنوياً وتعليمياً وإيجاد متابعة حثيثة لهم وتخفيف الجانب النفسي لوضعهم المعيشي.
وكذلك هناك حاجة ملحة إلى كفالة أبناء المشاركين في الثورة، فيوجد الكثير من الرجال يتركون عائلاتهم في مساكن ثم يعودون إلى داخل سورية للمشاركة في الثورة.

وهناك كذلك بعض الاحتياجات للموجودين في الحجز التحفظي، مثل: تجهيز "كرفانات"، وتقديم الغذاء بشكل يومي، وتأمين مبلغ نقدي من أجل دفع الكفالات لإخراجهم من الحجز المؤقت.

وفي نهاية المطاف؛ إن مشكلة اللاجئين السوريين لا توجد فقط في الأردن، فهم يعانون أيضاً في لبنان وتركيا، ومع قدوم شهر رمضان المبارك فإن هذه القضية من أهم القضايا التي تضع الإنسان المسلم أمام اختبار حقيقي لمؤازرة إخوانه في الدين وتعويض ما فاتهم من حرمان والتهوين من عذاباتهم، فهم وقفوا دفاعاً عن الأمة الإسلامية بكاملها ضد عدو هو الأخطر من بين أعدائها، وهم النصيريون ومن أعانهم من المجوس.


أحمد أبو دقة