زحف الإسلام إلى أمريكا

منذ 2012-11-10

النظرة السائدة لدى المسلمين في أنحاء العالم بأن أمريكا هي العدو الأولى للأمة، ولكن هل الأمريكيين هم كذلك؟!


النظرة السائدة لدى المسلمين في أنحاء العالم بأن أمريكا هي العدو الأولى للأمة، ولكن هل الأمريكيين هم كذلك؟!

من خلال الدراسة التي جاءت بعنوان "المساجد في أمريكا" وَأشرف على إعدادها كُلاً من معهد هارتفورد للأبحاث الدينية وَمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كِير)، وعددٍ من المؤسسات الإسلامية الكبرى الأخرى يظهر لنا أن عدد المساجد ينمو في الولايات المتحدة بشكلٍ كبير؛ حيث بلغ إجمالي عددها بحسب الدراسة 2.106 مسجداً في عام 2011م، وهذا تقدمٌ كبير مقارنة بعام 2000م حيث كان العدد 1.209 مسجداً -بمعدل زيادة بلغ 74%- وهذا يعني زيادة كبيرة في عدد المسلمين هناك.

وتشير الإحصائية إلى أن عددَ المسلمين الذين حافظوا على أداء صلاة العيد عام 2011م؛ بلغ 2.6 مليون شخص وهذا العدد لربما يُشير إلى معدلِ زيادةٍ كبير في المعدل المُقبِلين على الإسلام. ومن ثم فإن تزايُد عدد المصلين يؤكد أن إجمالي تِعداد المسلمين قريب من 7 مليون تقريباً.

تتبنّى الأغلبية العظمى من أئمة المساجد في جميع الولايات الأمريكية المنهج الإسلامي الأكثر مرونةً خلال النظر إلى تفاسير القرآن و السنة الذي يأخذ في اعتباره جميع مقاصد الشريعة في ظلِّ الظروف الحديثة والمستجدات، بينما يفضل 11% فقط من أئمة المساجد المنهج التقليدي القديم لمدارس الفكر الفقهية وهو ما يُسمّى بالمذاهب، وما يزيد قليلا عن 1% من أئمة المساجد يتّبعون المنهج السلفي.

كما يتفق أئمة المساجد على ضرورة مشاركة المسلمين في الحِراك الاجتماعي الأمريكي، بالإضافة إلى المشاركة في الحياة السياسية.

وتُشير الدراسة إلى انخفاض نِسبة المساجد في الشمال الشرقي والغرب الأوسط بينما ازدادت في الجنوب والغرب. وفي عام 2000م؛ كان إقليم الشمال الشرقي يقع فيه أكبر عددٍ من المساجد لكن في عام 2011م أصبح إقليم الجنوب هو الأكبر من حيث العدد، لأن تكساس وفلوريدا وجيورجيا هي القوة الدافعة خلف هذا النمو.

الوجود الشيعي:

إن 7% من المساجد التي شملتها الدراسة هي شيعية، وتجد المساجد الشيعية في كل مكان في أمريكا ولكن المساجد الشيعية تنتشر بصورةٍ أكبر في الغرب، حيث يقع مالا يقل عن 37% من إجمالي مساجد الشيعة في الغرب خاصةً في كاليفورنيا، على العكس من مساجد السُنّة حيث يقع منها حوالي 17% فقط.

وتميلُ مساجد الشيعة أن تكون في الضواحي القديمة، أكثر من مساجد أهل السُنّة حيث يقع 41% من مساجد الشيعة في الضواحي القديمة مقارنة ب20% من مساجد أهل السُنّة.

وفي المقابل هناك مساجد قليلة للشيعة في المدن الصغيرة، حيث يقع 9% فقط من مساجد الشيعة في المدن الصغيرة مقارنة بمساجد أهل السُنّة 20%مسجد.

وعلى الأرجح أن يكون السبب هو عدم امتلاك الشيعة كتلة مهمة من الأعضاء في المدن، ولذلك يُؤدون الصلاة في مساجد المدينة حتى إذا كان ظاهرها أنها لأهل السُنّة.

وبالرغم من حَداثة تشييدها فإن مساجد الشيعة تتميّز بحداثتها نظراً لأسباب أبرزها زيادة عدد المهاجرين من الشيعة، ونمو الموارد المالية للشيعة المهاجرين قبل ذلك، وكما هو معلوم فقد أدّى تزايد المجتمع الشيعي إلى مزيد من الانقسامات العرقية في المجتمع؛ حيث كان لمسجدٍ واحد من مساجد الشيعة في منطقةٍ واحدة أن يُقدّم الخدمات لكافة الشيعة في هذه المنطقة لكان التزايد المستمرّ للمساجد وللشيعة دفع الباكستانيين، والأفغانيين، والعراقيين، والإيرانيين إلى قصدِ هذه المساجد خاصةً.

ويُفسَّر لنا التأخّر في بِدء تشييد مساجد الشيعة بصورةٍ جزئيةٍ سبب تمركُز مساجدهم في الضواحي القديمة، لأن الشيعة لديهم القدرة المالية على تشييد المساجد في الأماكن التي يحيون فيها، فكان من الطبيعي لمعظم الشيعة الذين يعيشون في الضواحي أن يُشيّدوا مساجدهم هناك.

بالإضافة إلى بناء عددٍ كبير نسبياً من مساجد الشيعة مقارنةً بأهل السنة فهناك 36% من إجمالي مساجد الشيعة تم بناؤها مقارنةً ببناء 30% من مساجد أهل السُنّة.

وفيما يتعلق بجانب رُوّاد المسجد من الشيعة يظهر قلتهم في مساجد الشيعة مقارنة بمساجد أهل السُنّة، فإن متوسط حضور الشيعة المتعلقين بالمسجد 693 فرد في كل مسجد، لكن هذه النسبة تختلف كثيراً عند أهل السُنّة الذين يحضر في مساجدهم 1,288 في كل مسجد، وفي هذه الدراسة تم ربط هذه الأرقام بالأسئلة الموجهة لأعداد المسلمين الذين يحضرون صلاة العيد، وتم توجيه هذا السؤال بنفس الطريقة لأئمة مساجد الشيعة عن عدد حضور احتفالهم بيوم عاشوراء لأنه غالباً ما يجذب عدد حضور أكبر من صلاة العيد في مساجد الشيعة.

أضف إلى ذلك قِلّة الحضور في صلاة الجمعة عند الشيعة، بالرغم من صِغر حجم مساجدهم، فنسبتهم تُعدّ قليلة بالنسبة للحضور من أهل السُنّة، ونسبتهم حوالي 138 مُصلّي مقارنة ب364 مصلي في مساجد أهل السُنّة. ولعل هذه النسبة المتدنية من الحضور عند الشيعة ترجع إلى معتقدهم بعدم أهمية الحضور لصلاة الجمعة بخلاف أهل السُنّة، ولذلك غالباً ما يكون الحضور من المصلين في معظم مساجد الشيعة تحت الـ 50 مُصلّي.

يُلاحظ جلياً انخفاض عدد معتنقي الإسلام في مساجد الشيعة بخلاف أهل السُنّة الذي يصل فيها مُعدل مُعتنقِّي الإسلام على مدار مدة 12 شهر 15.6 بخلاف 8.7 في مساجد الشيعة. ويكمن الاختلاف الرئيسي في جذب مساجد الشيعة أعداداً قليلة من الأفارقة الأمريكان حيث يصل معدل مُعتنقِّي الإسلام الجُدد من الأفارقة الأمريكان 2 لكلِ عام في مساجد الشيعة و حوالي 10 سنوياً في مساجد أهل السُنّة، لكن مساجد الشيعة تجذِب عددٍ أكثر قليلاً من الأمريكان البيض.

وتُبيّن الدراسة كذلك حقيقة الفساد المجتمعي في أمريكا من خلال وجهة نظر أئمة المساجد في ذلك، فبحسب الإحصائية يظهر أن ربع الأئمة أقرّوا بوجود فسادٍ أخلاقي داخل المجتمع الأمريكي لكن الآخرين رفضوا تأييد ذلك.

يبدو في هذا الصدد عدم تأثير المنهج الإسلامي على نِسبة الاستجابة، لأن متبعي العلماء القدامى العظام ومتبعي المقاصد كلهم لديهم نفس النموذج من الإجابة، ماعدا أئمة المساجد السلفيين فقط الذين اختلفوا: حيث وافق 57% منهم على الفساد الأخلاقي في أمريكا، وتعارض ذلك مع 23% من جملة باقي الأئمة. لكن عرقية المسجد أثرت في نسبة الإجابة.

وَوِفقاً للدراسة فإن أئمة المساجد الأفارقة الأمريكان يرون وِفقاً لدراسة أجريت عام 2000م؛ أكثر من غيرهم أن الفساد الأخلاقي منتشر في المجتمع الأمريكي، والواضح هو النقد الكبير والعلني للمجتمع الأمريكي من قبل الأفارقة الأمريكان أكثر من غيرهم من الأئمة الآخرين.

وعلى ما يبدو فإن التغييرات التي يشهدها العالم وخصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر أثّرت كثيراً في المجتمع الأمريكي الذي يُموِّل الحرب التي تُشنُّ تحت ذريعة محاربة "الإرهاب" وهي فعلياً موجهة لمحاربة أي تجمُّع إسلامي نقي موجود على كوكب الأرض، لأن الإدارة الأمريكية لا يُحرّكها سوى إرادة الكنيسة و مطامعها الاقتصادية. لكن كل ما تبذُله من جهود في مُحاربة الإسلام والمسلمين ينعكس على المجتمع الأمريكي من الداخل ويُجبِرُه على التعرف على الإسلام وهذا يُسهِم في اعتناق الكثيرين من أفراد المجتمع الدين الإسلامي.



أ. أحمد أبودقة

20/12/33 هـ
 
المصدر: إعداد مجلة البيان