مصر والأمل السياسي

منذ 2012-11-11

انتفاضة الجياع التي سيقودها أصحاب البطون الخاوية ستحقق بلا شك العدالة الاجتماعية المنشودة، حيث تستحوذ على أموال النخب وقصورهم، وتجردهم من أموال طالما انتهبوها بغير حق، لكن في المقابل سيترافق مع هذه الانتفاضة انفلات سلوكي همجي سيأكل الأخضر واليابس ويفني الجميع.


بسم الله الرحمن الرحيم

من العجيب في مصر –وما أكثر عجائبها- أن الساسة والمسئولين فيها لا يملكون إلا الحديث عن المستقبل، فما إن تستضيف أحد المسارات الإعلامية من فضائيات أو صحف أو مجلات أو حتى ندوات .. تستضيف مسئول رفيع المستوى بالدولة لمناقشة الأوضاع والمشكلات في محيط مسئوليته وولايته إلا وتجد معاليه يسير على نبرة واحدة لا تتغير ولا تتبدل.

فأي مشكلة تطرح على جناب المسئول يرد بأنه بصدد عقد لجنة متخصصة تخرج بتوصيات في هذا الأمر، أو أنه يجري التحضير لمؤتمر عالي المستوى للوقوف على أبعاد هذه المشكلة، أو أنه خاطب رؤسائه ويجري التفاوض على رصد ميزانيه لتذليلها، أو أنه سيتم إرسال وفد مرموق من نخب الوزارة إلى أحد الدول المتقدمة للاستفادة من خبرتها في هذا المجال، أو أنه بصدد استقدام خبراء أجانب متخصصين لبحث الأمر ... إلخ


والبعض قد يضيف إلى هذه النبرة اعتذار ضمني بأننا في ثورة، وأن حجم الفساد أكبر من كل توقع، وأن الاقتصاد مترد، والأمن مخلخل .. وغيرها من الأعذار التي طال أمدها وتسربت الأشهر من بين يدي هؤلاء المسئولين الثوريين، والثورة على قرابة إتمام عامها الثاني ولم يتحقق شيء يُذكر.

لكن هل يجرؤ أي مسئول على أن يقدم إنجازات تم استحداثها على أرض الواقع؟! .. كلا وألف كلا.

هل يجرؤ وزير ومن دونه على أن يواجه أي مشكلة تطرح عليه بإحصاءات وأرقام أكلت هذه المشكلة أكلا وجعلتها أثرا بعد عين؟! .. كلا وألف كلا.

بل إن بعض المسئولين السُذج إذا طرحت عليه كارثة من الكوارث الحياتية في حياة المواطن المسكين يرد جنابه بأنه من (المفروض) معالجة الأمر وأنه (ينبغي) عدم التهاون مع المتسببين .. وغيرها من الردود الإرشادية عن مشاكل هي محض مسئوليته، فمن يغير إذن والوزير أو المدير لا يملك غير التوصيات والمقترحات والفرضيات.

وزير التعليم الجديد في حكومة د. محمد مرسي جاب البلاد في طولها وعرضها ليتفقد الأحوال التعليمية، وزار مدينتي (طنطا) ومدرسة فنية يعمل بها أحد أصدقائي مدرسا، واجتمع الوزير المغوار بهيئة التدريس، وأخبرني صديقي المدرس أن موضوع الاجتماع انصب على سؤال الوزير عن مشاكل التعليم في المدرسة والمعوقات التي يجدها المدرسين في مجال عملهم!


وشر البلية ما يضحك .. فالوزير الأكاديمي المتخصص يجوب النجوع والمدن ليتعرف على مشاكل التعليم المصري التي لا يجهلها بائع الليمون والعرقسوس والخضار في الشارع ممن لا يعرفون كتابة أسمائهم.

ثم ماذا حدث بعد هذه الجولات والصولات، هل تغير شيء ولو نسبي؟، هل تم تطوير منهج دراسي واحد لأي صف دراسي؟، هل تحسنت نسبة حضور الطلاب التي قاربت على الصفر؟، هل تم بيع الكتاب الجامعي بسعر التكلفة والقضاء على مافيا الدكاترة الجامعيين التي تبتز الطلاب؟ ..كلا وألف كلا.

ومن طريف المواقف أنني مررت اليوم على مبنى جامعة طنطا الزجاجي الفندقي الفاخر فشاهدت لوحة إعلانية كبيرة على سور المبنى بعنوان: «المؤتمر الثالث لتطوير البحث العلمي»!!

فتعجبت عن أي بحث علمي سيتحدث هذا المؤتمر في مصر (بلد الجياع) التي تستورد حتى الآن فانوس رمضان وعلب الثقاب من الصين.

لكنها دولة اللصوص، الذين رصدوا ميزانيات لمؤتمرات وهمية وأنفقوا عليها بدلات وحوافز وإقامات بالفنادق وبوفيهات مفتوحة بها ما لذ وطاب من الأطعمة .. من أجل الخروج بأمل وهمي عن تطوير مصر المستقبل.

ولا أنسى البرنامج الحواري مع مساعد وزير التعليم حيث اتصل أحد المستمعين ليستغيث بأنه يملك مشروع متكامل عن النهوض بالتعليم الفني بمصر، وأنه بح صوته ولم يستمع إليه أحد، وأرسل صيغة المشروع على موقع الوزارة لكن لا حياة لمن تنادي .. فما كان من مساعد الوزير أن طلب منه أن يرسله بالفاكس ووعده بأنه سوف يعرضه شخصيا على معالي الوزير، وانتهى الأمر، وتجاوز المسئول المغوار شلة المستهترين القائمين على موقع الوزارة، وتجاوز هذا الإهمال في التفاعل مع قضايا الناس، وكأن مشكلة وزارة التربية والتعليم هي مشكلة واحدة مع هذا المواطن وأن جنابه قد عالجها وهو على كرسي البرنامج ولم يتحرك.


ثم هل الوزارت المصرية فعلا بحاجة إلى برامج تطويرية من متبرعين؟!

إن كل دول العالم المتحضر تجاوزت مشاكل التعليم والصحة والصناعة .. وغيرها من المجلات، وتمتلك الآن برامج وخبرات واقعية جدير أن نقتبس منها ونستفيد من حيثياتها، لكن وزراء مصر الثوريين مازالوا يبحثون عن حلول وكأنه لا تعليم إلا في مصر ولا صناعة إلا في أم الدنيا ولا خبز إلا عندنا ولا مواصلات ومرور إلا لدينا ...

وعلينا بتفردنا أن نبتكر لها حلولا في القريب العاجل.

يذكر أن مصر احتلت المركز الـ 100 من إجمالي 144 دولة في الفساد، والمرتبة الـ 113 على مستوي إهدار النفقات الحكومية، بينما حلت فى المركز 113 في عدم شفافية السياسات الحكومية.


إن هذه الثورة أطالت مخالب الجياع وفتحت شهيتهم لالتهام كل شيء، وبينهم وبين الانتفاضة شعرة لا يراها إلا المخلصون الخائفون على مستقبل هذه الثورة وهذه البلد العريقة.

وانتفاضة الجياع التي سيقودها أصحاب البطون الخاوية ستحقق بلا شك العدالة الاجتماعية المنشودة، حيث تستحوذ على أموال النخب وقصورهم، وتجردهم من أموال طالما انتهبوها بغير حق، لكن في المقابل سيترافق مع هذه الانتفاضة انفلات سلوكي همجي سيأكل الأخضر واليابس ويفني الجميع.

فاحذروا يا ساسة مصر فإني أنا لكم النذير العريان.


د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام